الورشة الثانية التي عقدت برعاية سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة عن معوقات التنمية الاقتصادية يوم الخميس الماضي شهدت حوارات صريحة لم تعهدها الحوارات السياسية الرسمية. فلأول مرة يقف مسئول من أعلى المستويات ليصرح من دون لف ودوران بأن البطالة في البحرين نسبتها 15 في المئة. فقد دأبت الجهات الرسمية خلال السنوات الماضية على الاصرار على أن البطالة 1 أو 2 في المئة الأمر الذي كان يثير السخرية من الجميع داخل البحرين وخارجها. ولأن تشخيص الدواء هو نصف الدواء، فإن تصريح سمو ولي العهد هو الخطوة الأسلم في اتجاه الحل.
ثم كان حديث ولي العهد الأكثر صراحة عندما أشار إلى أن أسواق العمل الحالية التي تفرق بين البحريني وغير البحريني هي من الأسباب الرئيسية لاستعصاء حل المشكلة. ففي الدول المتقدمة يوجد قانون واحد للتوظيف والعمل، وهذا القانون المكتمل الحقوق يشمل كل عامل وكل موظف سواء كان مواطنا أو غير مواطن. فالموظف موظف والعامل عامل ولا يحق لأحد أن يميز ضده بأي شكل من الأشكال. ولو سمح لتلك الدول بالتمييز بين المواطنين وغير المواطنين لامتلأت تلك الدول بالعمالة الوافدة الرخيصة ولأصبح المواطنون من دون أعمال تماما كما هو حالنا في البحرين. وهذا أيضا له علاقة بفلسفة الحياة. فهل نعيش من أجل المال أم أن المال وسيلة من وسائل الحياة؟. فإذا كنا نعيش من أجل المال فإن الأفضل هو ارجاع عهد العبودية إذ أن البشر كانوا يستعبدون ولا يدفع لهم أجر، وبهذا فإن الغني له سعة غير محدودة للاستغناء أما العبد فهو عبد يطعمه سعيه من أجل الحصول على عضلات جسده فقط. وعندما نتحدث عن سوق العمل فإننا يجب أيضا ألا نفرق من حيث المبدأ بين القطاع العام والقطاع الخاص. فالقطاع العام يشكو من قلة الانتاجية ومن تسيب المحاسبة لأن الوظيفة مدى الحياة. أما القطاع الخاص فإن المحاسبة على الانتاجية ومنع التسيب هما الأساس. ونحن بحاجة إلى إخضاع القطاع العام لضوابط الانتاجية والسوق ومتطلبات العمل لكي لا ينتقل المواطن من القطاعات المنتجة الى القطاعات المكتبية.
ثم إننا في البحرين لدينا وزارتان للعمل. فوزارة العمل والشئون الاجتماعية هي وزارة القطاع الخاص، بينما ديوان الخدمة المدنية هو وزارة العمل للقطاع العام. ووجود وزارتين (حتى لو لم نطلق مسمى وزارة على ديوان الخدمة المدنية) ليس له معنى، فمعنى العمل والوظيفة واحد ومتطلباتهما واحدة.
ثم إن لدينا نظامين للتأمين الاجتماعي، واحد للقطاع العام وآخر للقطاع الخاص. ولدينا مفارقة فيما يخص التأمينات، إذ أن الأمر الاعتيادي هو وجود محاسبة وشفافية أكثر في القطاع الخاص بالنسبة إلى الداخل والخارج من الأموال. هذا لا ينطبق على التأمينات الاجتماعية المخصصة للقطاع الخاص إذ لا تنشر أية حسابات وأية تقارير علنية (بعكس التأمينات المتعلقة بالقطاع العام).
إن التداخل بين الوظائف أصبح واقعا، والوزارات تعطي شركات التنظيف عقودا لتنظيف المنشآت العامة، ولذلك فإن الوزارات تسلم المال إلى الشركات الخاصة (القطاع الخاص) وتتداخل بذلك الأعمال وعلى هذا الأساس فنحن لسنا بحاجة إلى وزارتين وإلى نظامين للتأمين الاجتماعي. ومع الاتجاه العالمي الحثيث باتجاه الخصخصة فإن المفترض هو تقليص القطاع العام وتوسيع القطاع الخاص. والمفترض ألا ينافس القطاع العام القطاع الخاص، والمفترض ألا يتحول القطاع الخاص إلى منطقة تمييز ضد المواطنين، والمفترض أن ترفع الوزارات سلطاتها القاسية وتتحول من «مدير» إلى «مراقب». فالحكومات دورها رقابي وليس دورها إدارة الأعمال الاقتصادية، ولا تتدخل الدولة إلا في القطاعات المهمة التي تحتاج إلى تنشيط أو تأسيس، ولذلك ينبغي أن يكون تركيزها على البنية التحتية وعلى التعليم وعلى الصحة، لأن العقل السليم في الجسم والسليم، والإنسان السليم بحاجة إلى تسهيلات سليمة، وهذا دور الحكومة.
عندما تبتعد الحكومة عن الأدوار غير المخصصة لها وعندما يتم توحيد أنظمة وضوابط سوق العمل وينتهي التفريق بين المواطن وغير المواطن في شروط التأمين وشروط العمل وشروط الأجور، فإن الشركات ستجد أن المواطن هو الطريق الأسلم لها على جميع المستويات. وتترابط مع هذا الطرح ضرورة دخول المواطن في جميع مجالات العمل، من التنظيف إلى الأعمال الماهرة إلى الهندسة والطب والتخصص إلى الإدارات العليا. فلا عيب في أن يمارس ابن الوطن كل الأعمال مادام هناك قانون موحد يحميه ولا يميز ضده
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 135 - السبت 18 يناير 2003م الموافق 15 ذي القعدة 1423هـ