اننا بحاجة إلى دراسة العنف من الناحية السيكولوجية في كسر الآخر واعتقال مستقبله، واحتقاره والإكثار عليه حتى أقل المناصب والوظائف والاستحقاقات في هذه الحياة. هذه حقيقة بدأت تفوح رائحتها بطريقة بدأت تصدم ضمير كل وطني وحدوي متحرر من العنصرية أو الفئوية. فهناك متنفذون في بعض مواقع مؤسساتنا الوطنية يتحركون بطريقة تقوم على سياسة غير عادلة ضد بعض القطاعات الاجتماعية سعيا لتهميشهم وقد يتحقق هذا الهدف إذا لم توجد في المجتمع مؤسسات مدنية وحقوقية تعمل على محاربة هذه التوجهات.
إن النسيج الحضاري - كما يقول ديورانت - إذا أصبح وخلق على أجواء فئوية وتقسيمات انتمائية يصبح هشا للغاية، سريع التمزق. وخطورة مثل هذه الثقافة لا يمكن تلمسها إلا في المستقبل عندما نرى أفرادا في المجتمع مهمشين في كل شيء ولا يجدون حظا لهم لا في التعليم ولا في التوظيف، وهنا تنشأ مناخات العنف. فإن العنف لا يجد مكانا أدفأ لتفريخ بيضه إلا في البيئات الفقيرة المهمشة والضائعة. لهذا نحن بحاجة إلى تمليح المجتمع بالفكر الصحي والعمل على خلق أحواض ثقافية تحتضن كل الاطروحات والتوجهات القائمة على ثقافة نبذ التمييز ومحاربة كل أساليب العنصرية بدلا من الصمت السلبي الذي يرى كيف يحاول أصحاب هذه الثقافة ان يقودوا المجتمع إلى غرف التقسيم الفئوي أو المناطقي، لذلك يجب ان يرسخ مبدأ تكافؤ الفرص في ثقافة الجمهور وخصوصا المثقفين، ومن كل الأطياف، فهم الرهان بعد تخشب ضمير أولئك الأميين من المتعلمين والكتاب.
ونرى لزاما ضرورة الدعوة إلى المواطنة الحقيقية وان يمارس ذلك عمليا وان تتكاتف كل الأطياف لإيصال كل صور التمييز والمحسوبية - موثقة - إلى الصحافة، وذلك لأجل فضح كل متورط في ذلك ليكون أمام مرأى الدولة والمجتمع، وإلا فإن المحسوبية لا تخدم إلا ذلك المسئول النفعي، فهو يعمل على محاربة قاعدة «الرجل المناسب في المكان المناسب» ليضع مكانه أناسا غير مؤهلين ليضمن سيطرته على جميع أقسام الموقع المتنفذ فيه.
فلايزال هناك مواطنون بحرينيون ومن كل الأطياف مهمشين بسبب تنفذ عنصر فاسد قائمة مصلحته على عدم ترقية هذا المواطن وإلغاء ذاك. ولهذا يعجب المواطن البحريني من ازدياد الأجانب في المواقع العليا في البلد، في حين يبقى المواطن مكانك سر. وثقافة الافتتان بهؤلاء الأجانب جعلت منهم يحتقرون حتى المواطن، فالمواطن أصبح ينطبق عليه قول الشاعر: «نزرع الأرض ونغفو جائعين، نحمل الماء ونمشي ظامئين».
ان هناك متنفذين تقوم تجارتهم في دوائرهم على هؤلاء المتمصلحين، ويخاف ذلك الموظف المقموع من الكلام أو حتى الهمس للصحافة مخافة طرده من العمل، فأصبح هؤلاء يضغطون على الموظفين ويمسكونهم من لقمة عيشهم. ان هناك مثقفين أميين ليسوا سعداء لكسر الحصار الرسمي على الصحافة بفضل الإصلاح، لهذا هم يتلقفون أي حادث للوقيعة. ولقد أثبت حادث شارع المعارض حنين البعض إلى قانون أمن الدولة. فأكبر وأخطر ثقافة هي تلك الثقافة التي تخرج عن نطاق النقد إلى حيث الوشاية والضرب تحت الحزام. لهذا لا يمكن أبدا تفهم هذه الكوليرا الفكرية، فهي بحاجة إلى جرعات تطعيم واعية صحية من قبل كل الأطراف لمحاربة كل هذه الاطروحات الفئوية التي تلعب على تناقضات الجميع.
يجب ان يتحالف المعتدلون من جميع الأطياف للدعوة إلى الوحدة الوطنية ومحاربة كل دعوة استئصالية أو فئوية، فالبحرين لن تنجح إلا بمحبة الشعب لنفسه.
ففي التاريخ النضالي الياباني كانت الكتابات تعمل لصالح المتضررين، فيروي التاريخ الياباني ان من نظم المعارضة النسائية في المعتقل الياباني لأجل ترسيخ حقوق الإنسان كان كاتبة صحافية تدعى «سذرلاند» وكان للمثقفين على طول التاريخ دور في فتح وتقوية العلاقة بين السلطة والمجتمع، لأن في ذلك حفظا للاستقرار
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ