العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ

مفعول 11 سبتمبر... انتهى

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أمس خرجت في المنامة تظاهرة احتجاج على الحرب التي تهدد الولايات المتحدة باشعالها في المنطقة. واليوم تخرج أكثر من 60 تظاهرة في 60 بلدا ضد الحرب على العراق أو غيره. والإدارة الأميركية حتى الآن غير مكترثة بنمو ظاهرة رفض الحروب وإدانة اللجوء إلى القوة لحل المشكلات السياسية. فهي تسير في خط مستقل لا تسمع الصيحات المستنكرة بل تركز انتباهها على مسألة واحدة: الثأر والانتقام لما حصل في 11 سبتمبر/أيلول.

فمنذ سبتمبر 2001 حتى الآن تغير العالم كثيرا باستثناء إدارة جورج بوش التي لاتزال تعيش هاجس تكرار تلك الضربة على رغم ادعاء واشنطن بأنها نجحت في تجاوز تداعياتها واحتواء مختلف عناصر تفجرها مرة أخرى في الداخل والخارج.

العالم تغير كثيرا فهو تضامن مع الولايات المتحدة واستنكر ما حدث ووقف مذهولا يتفرج على مشهد كان من الصعب تصور وقوعه خارج استديوهات عاصمة السينما العالمية: هوليوود.

تغير العالم كثيرا وانتقل في فترة لا تزيد على السنتين من مقاعد المتفرجين يصفق لبطولات الانتقام والثأر ضد أفغانستان ... إلى الشوارع يتظاهر.

ربحت أميركا معركتها ضد أفغانستان وصفق العالم مباركا الخطوة التي أنهت مشكلة موروثة عن «الحرب الباردة» وسكتت الدول الكبرى عن طموحات واشنطن في الاستيلاء على منطقة آسيا الوسطى واشاحت النظر عن أهداف إدارة بوش السرية في السيطرة على احتياطات النفط في بحر قزوين ومراكز انتاج الطاقة وانابيبها ومصباتها. صمت العالم أكثر من سنة وتغير أيضا. وأميركا لم تصمت ولم تتغير. فهي لاتزال تكرر «الفقرات» و«عبارات» التهديد والوعيد، وهي لاتزال تهدد وتغلي كالمرجل تريد المزيد من الثأر والكثير من الانتقام.

لم تتغير أميركا فهي لا تزال تعيش تحت وطأة الضربة ظنا منها أن العالم لايزال يشاركها الهواجس نفسها والقلق نفسه... وأن العالم نسي نفسه ولا هم له ولا مشكلة سوى السير وراء حفنة من «الأشرار» تسيطر على إدارة البيت الأبيض.

المشكلة في تلك الحفنة من الأشرار أنها لم تدرك حتى الآن أن مفعول ضربة 11 سبتمبر انتهى بمرور الذكرى الأولى لتلك الفعلة الشنيعة وأن العالم ليس موقوفا إلى الأبد ينتظر أميركا ماذا تريد وماذا تفعل حتى يصدق على قراراتها وحركاتها. تلك «الحفنة من الأشرار» لم تصدق حتى الآن أن العالم نسي 11 سبتمبر أو على الأقل تجاوزها وبدأ يقرأ التاريخ قراءة مختلفة منذ اليوم التالي... إدارة أميركا تجمدت منذ ذاك اليوم وهي تعتبره ذريعة ثابتة يمكن استخدامها في كل الأوقات واللحظات غطاء لهجوم أو حجة لكسر إرادة دولة واهانة شعب من الشعوب تختاره «حفنة الأشرار» للتضحية به ارضاء لمشاعر جرحت وكرامة انتهكت في عقر دارها في نيويورك وواشنطن.

أمس خرجت تظاهرة في البحرين مستنكرة استعدادات أميركا للحرب على العراق. واليوم تخرج عشرات التظاهرات (المليونية) في 60 بلدا احتجاجا على الحرب وكل الحروب في العالم. وغدا ستعود الدول الكبرى إلى مناقشة سؤال: ماذا بعد؟ ماذا تريد أميركا من العالم؟ ألا تكفي سيطرتها شبه المطلقة على كل مصادر القوة والمال والإعلام والسياسة والاقتصاد. ألا يكفيها الجوع والفقر والأمراض والأمية المتفشية في معظم إفريقيا وأكثر دول آسيا. ألا يكفي الثروة والرفاهية والرخاء والاستقرار الذي تحظى به الولايات المتحدة... في وقت هناك الكثير من الشعوب (بل غالبية سكان الكرة الأرضية) لاتزال تبحث عن قوت يومي يسد جوعها ويدفع عنها الأمراض والاقتتال الأهلي.

دول العالم ستناقش سؤال «ماذا بعد؟» إلا أن الجواب موجود منذ أكثر من ألفي سنة ماذا ينفع أميركا إذا كسبت العالم وخسرت نفسها؟. كانت هناك فرصة تاريخية أمام الولايات المتحدة لكسب العالم وقيادته بعد 11 سبتمبر... لو تصرفت باسلوب حضاري وتسامت عاليا على الحادث المدمر. إلا أنها فضلت التحرك بطريقة «قبلية» وقرارات مجنونة استبدت بها هواجس الانتقام و«جنون العظمة».

خسرت الولايات المتحدة فرصتها التاريخية وانكشفت أمام العالم على أنها مجرد دولة كبيرة بعقل صغير تعوزه الحكمة والقراءة المتأنية للحادث الذي وقع في غفلة من الزمن. خسرت الولايات المتحدة نفسها ولم تربح العالم. كذلك نضب مفعول 11 سبتمبر... فهو ليس كافيا الآن لإعطاء ذريعة لحرب جديدة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً