واصلت واشنطن حشد المزيد من قواتها في منطقة الخليج ، إذ قدرت مصادر أميركية إجمالي القوات التي تتجه الآن إلى المنطقة بأكثر من 25 ألف جندي، كان الجديد في الاستعدادات للحرب طلب الرئيس الفرنسي جاك شيراك من جيشه التأهب لها والاستعداد «لكل الاحتمالات» على رغم تأكيده أن مجلس الأمن، وحده هو الذي يقرر استخدام القوة... ومع كشف الصحف التركية أن أنقرة تعتزم ارسال أكثر من 20 ألف جندي إلى شمال العراق في حال المواجهة لحماية حدودها... جاء في وثيقة أعدتها الأمم المتحدة أن نصف مليون عراقي قد يكونون في حاجة إلى علاج في بداية الحرب المحتملة. وعلق كولوم لينش في «واشنطن بوست»، على هذا الأمر قائلاَ: ان اهتمام الأمم المتحدة، باصدار وثيقة من هذا النوع دليل واضح، على« مخاوف المنظمة الدولية، من عدم تمكنها من مساعدة المدنيين العراقيين في الأسابيع الأولى من اندلاع الحرب خصوصا وأن القوات الأميركية قد تدمر الطرقات والجسور والمرافئ.
لكن الصحف الأميركية تناولت هواجس الحرب ومخاوف من انعكاساتها... وذكر بعضهم بحرب فيتنام، فالسياسيون الأميركيون آنذاك اعتقدوا أن القيم الديمقراطية الأميركية ستساعد في هزيمة الفيتناميين. ولكن الولايات المتحدة خسرت أكثر بكثير من العقول والقلوب، حسبما قال هارلن أولمان في «واشنطن تايمز»، الذي تساءل عمن سيفوز في المعركة الدائرة اليوم في البيت الأبيض للفوز بعقل وقلب الرئيس بوش...؟ الذين يغلبون خيار الحرب ضد العراق أم الذين يعارضونه؟ ولفت إلى أن الإدارة الأميركية منقسمة حيال العراق، ذكر بأن الذين خدموا في فيتنام يتذكرون جيدا أن الشعار الذي كان سائدا حينها «كسب العقول والقلوب» كان السبب الرئيسي في خسارة الحرب. مذكرا ايضا بأن السياسيين الأميركيين آنذاك اعتقدوا ان القيم الديمقراطية الأميركية ستساعد في هزيمة الفيتناميين. ولكن الولايات المتحدة خسرت أكثر بكثير من العقول والقلوب. ولفت أولمان، إلى ظهور معركة أخرى عن القلوب والعقول، ولكن هذه المرة داخل البيت الأبيض. محذرا من أن العواقب ستكون أعظم بكثير من حرب فيتنام. موضحا أن الموضوع الرئيسي الذي يتم تداوله هو ما إذا كانت الحرب هي الخيار الوحيد لنزع السلاح العراقي، وبالتالي الاطاحة بنظام صدام حسين. موضحا أن هذه المعركة هي بشأن من سيتمكن من الفوز بعقل وقلب الرئيس جورج بوش. ولاحظ أولمان، أن الرئيس بوش، يشعر في قلبه أن صدام، شرير. وإذا بقي في الحكم سيتمكن من الحصول على الأسلحة الأكثر تدميرا وبطريقة ما ستصل هذه الأسلحة إلى «الارهابيين» الذين سيستخدمونها من دون شك. وأوضح اولمان ان المستشارين الأساسيين الذين يضفون وزنا فكريا على غرائز الرئيس بوش، هم نائب الرئيس ديك تشيني، ونائب وزير الدفاع بول وولفويتز. فهؤلاء الأشخاص إلى جانب من يطلق عليهم اسم «المحافظين الجدد»، يقولون إنه سيكون لإزالة نظام صدام، اثر جيد بدرجة كبيرة على الحرب ضد «الارهاب».
معتبرين أن الحرب على العراق، قد تقنع كوريا الشمالية، بأن أميركا مصممة على مواجهة أعدائها. وأشار اولمان، إلى أن وزير الخارجية الأميركي كولن باول، يتزعم وجهة النظر الأخرى، التي تنصح بالاعتماد على العقل والمنطق عند اتخاذ قرار الحرب ضد العراق. وأوضح اولمان، ان باول، يعتقد أن هناك بدائل عن الحرب. وقد تمكن بوش، من الاطلاع على النتائج غير المتوقعة للحرب ضد العراق، كما اطلع على الجوانب السلبية المحتملة للنزاع. وأشار أولمان، إلى أنه حتى الآن ثمة مراقبين وسياسيين كثر يعتقدون ان بوش، سيعتمد في قرار الحرب ضد العراق، على قلبه وغرائزه وليس على العقل والمنطق والخيارات الهادئة. ولاحظ أولمان، أن الوقت يمر، لا بل ينفد. وستتلقى الأمم المتحدة، تقرير رئيس مفتشي «أنموفيك» هانز بليكس، في 27 يناير/كانون الثاني الجاري. وتساءل أولمان، من سيتمكن من اقناع الرئيس بوش، بوجهة نظره بشأن العراق، الذين يريدون الحرب ، أم الذين يعارضونها؟ ورأى أن الاجابة قد تكون أن لا أحد منهم سيتمكن من اقناعه. فالحكم النهائي للحرب أو السلام موجود في بغداد، وهو صدام حسين. واعتبر أولمان ان السؤال الحاسم هل سيتخذ صدام، اجراءات تجنب العراق الحرب؟ وختم بالقول، إنه يا للسخرية، فالواقع هو أن ما سيقرره صدام، سيحدد من يفوز بالمعركة على قلب وعقل الرئيس بوش. وبالتالي ما اذا كانت أميركا، ستختار الحرب أم السلام.
واستغرب ويليام رازبيري في «واشنطن بوست» أن عددا كبيرا من الذين يشعرون بالارباك والاحباط بسبب نجاح الرئيس بوش، في تسويق منطقه المتعلق بالحرب ضد العراق، لم يتطرقوا حتى الآن الى دستورية هذا المنطق. فقد تصرفوا كما لو أن مسألة الحرب هي مسألة تقدير رئاسي ورأى رازبيري، أن مسألة الحرب ضد العراق، ليست أو على الأقل، لا ينبغي أن تكون مبنية على تقدير رئاسي.
مشيرا الى وجود فقرة في الدستور، تعطي للكونغرس وليس للرئيس سلطة اعلان الحرب. موضحا أن الجميع في أميركا، تقريبا يفترضون أن الرئيس الأميركي، هو من سيدعو للحرب، فصقور الحرب تفترض هذا الأمر ودعاة السلام العصريون يفترضونه حتى أن الكونغرس نفسه يفترضه. واعتبر رازبيري، أن هذا يعني أن القول إن قرار الحرب ضد العراق هو بيد بوش، هو حقيقة واستدرك رازبيري، ليقول إن هذه حقيقة لكنها ليست مطمئنة. فزعماء الكونغرس، مسنون بالقدر الكافي لتذكر القرار المتعلق بخليج تونكن، والذي وضع اسبابا زائفة، لقيام الرئيس جونسون، بتصعيد النزاع في فيتنام. واوضح رازبيري، ان حرب فيتنام، كانت حربا اخرى لم يعلنها الكونغرس. واضاف رازبيري، ان ما يقلقه هو شرعية منطق بوش الدستورية، وليس المنطق بحد ذاته الشبيه بمنطق جونسون، الزائف، ورأى رازبيري، أنه ظاهريا فإن الحرب على العراق، ليست من النوع الطارىء المماثل للذي دفع أميركا، إلى الدخول في الحرب العالمية الثانية، وهي آخر حرب أعلنتها أميركا. واعتبر أن أقرب هجوم شبيه ببيرل هاربور، على الولايات المتحدة، كان هجوم 11 سبتمبر/أيلول الذي لا علاقة له أبدا بالحرب ضد العراق، على رغم من محاولات بوش، الحثيثة لربط الأمرين ببعضهما. ورأى رازبيري، أن اي اجراء عسكري تتخذه أميركا، ضد العراق وزعيمه المكروه بحسب وصف رازبيري، صدام حسين يجب أن يأتي نتيجة حسابات هادئة. وتساءل رازبيري أنه في ظل هذه الظروف، لماذا يجب ألا يستعمل الكونغرس امتيازه الدستوري؟ واعتبر ان الاجابة الممكنة على هذا السؤال هي أن بوش ردّا على منتقذيه، سحب مسألة العراق، من يد الكونغرس عندما طرحها أمام الامم المتحدة، أن تسمح برد عسكري، على صدام حسين، اذا قام بأي مخالفة للقرار الدولي. لكن رازبيري، بين أن بوش، لم يحصل على كل ما كان يريده من الأمم المتحدة. فقد كان في الواقع يريد السماح بتخاذ اجراء عسكري بحق العراق، ما ان يظهر خرق مادي عراقي للاتفاقات التي سبق ووقعتها بغداد. واشار رازبيري، إلى أن ثمة من يقول ان قدرة أميركا، على شن الحرب، تكمن فعلا في البيت الأبيض، بغض النظر عما يقوله الدستور. موضحا أن هذا هو تفسير محتمل لعدم طلب بوش، من الكونغرس، إعلان الحرب على العراق. مضيفا ان ثمة تفسيرا آخر وهو تذكر بوش الابن، ان قرار بوش الأب العام 1991 في اتخاذ اجراء عسكري ضد العراق، مر على مجلس الشيوخ، وحصل على خمسة أصوات فقط. ورأى رازبيري، ان الاساس المنطقي لضرب العراق، سيكون اضعف هذه المرة. موضحا ان هذا الأساس سيكون الانتهاك العراقي لقرارات الأمم المتحدة. ورجح أن يكون بوش الابن، خائفا من أن يحصل على اصوات أقل من الأصوات التي حصل عليها بوش الأب العام 1991. ولاحظ أنه في السنوات الأخيرة كان السياسيون يحاولون تجنب الجدل ما أمكن، موضحا انهم يفضلون مهاجمة اقتراحات الخصوم على اطلاق وجهات نظرهم. لذلك رأى رازبيري، أنه من المستبعد أن يقول الرجال والنساء في الهيئة التشريعية القومية الأميركية، لرئيس الجمهورية أنه بناء لمبدأ فصل السلطات، فإن اعلان الحرب مسئولية الكونغرس. الا أنهم يجب أن يفعلوا ذلك.
لكن (مدير مركز كار التابع المدرسة كنيدي في جامعة هارفرد) مايكل اغناتيف في نيويورك تايمز، كان أقسى على إدارة بوش، من رازبيري، إذ اعتبر ان ما من كلمة تصف الشيء المخيف والمرعب الذي تتحول الية أميركا سوى كلمة «امبراطورية» فهي الدولة الوحيدة التي تدير العالم، والتي تملك اسطولا عسكريا في كل محيط، والتي تضمن سلامة العالم من اسرائيل إلى كوريا الجنوبية، التي تدير محركات التجارة العالمية، والتي تملأ قلوب وعقول كل شعوب الكرة الارضية باحلامها ورغباتها. وعلى رغم ان اغناتيف، لاحظ ان الولايات المتحدة ورثت عالما خائفا ليس فقط من أخطاء الامبراطوريات السابقة، ولكن ايضا من اخطاء الحركات القومية التي فشلت في تشكيل دول حرة وآمنة. فالعالم خائف اليوم من نزعة الاسلاميين لبناء نظام ثيوقراطي على انقاض الاحلام القومية الفاشلة كما اعتبر اغناتيف، ان حوادث 11 سبتمبر وضعت العالم الاسلامي في بداية صراع طويل ودامٍ لتحديد شكل الحكم الذي سيسوده: الفاشتي، أو الاسلامي، او ربما الديمقراطي، رأى ان باستطاعة الولايات المتحدة المساعدة في احتواء هذا الصراع
العدد 133 - الخميس 16 يناير 2003م الموافق 13 ذي القعدة 1423هـ