العدد 133 - الخميس 16 يناير 2003م الموافق 13 ذي القعدة 1423هـ

المال لكوريا... والحرب على العراق

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عرض الرئيس الأميركي على كوريا الشمالية مقايضة السلاح النووي بالمال. هذا العرض يشبه شكليا إلى حد ما تلك المقايضة التي أشرفت عليها الأمم المتحدة مع العراق: النفط مقابل الغذاء.

شكليا يتشابه العرض، ويختلف جوهريا. في الشكل هناك مقايضة وفي الجوهر هناك السلاح في كوريا مقابل النفط في العراق، وهناك المال لكوريا والغذاء للعراق. المقايضة مع العراق استبعدت السلاح. فكوريا لا تملك النفط والعراق يملك النفط والسلاح معا. وأميركا تريد النفط من العراق سلما، وتريد السلاح عنوة. بينما في حال كوريا الشمالية انها تريد السلاح سلما.

لماذا السلم مع كوريا والحرب على العراق؟ هذا التعارض حاولت الادارة الاميركية فك تناقضاته وشرحه وتفسيره من دون جدوى. فالتعارض فاضح بين السياستين إلى حد لا يمكن تبريره الا بوجود عوامل إقليمية مختلفة بين موقع كوريا الشمالية وموقع العراق. معركة كوريا مؤجلة بالنسبة للحسابات الأميركية الآنية... بينما معركة العراق من الصعب تأجيلها بوجود عوامل اقليمية (ضعيفة) غير مساندة للعراق في وقت تضغط «إسرائيل» وانصارها في البيت الأبيض على تبني الخيار الوحيد: الحل العسكري.

الاستراتيجية الاميركية واحدة ومتشابهة اجمالا الا في حال «الشرق الاوسط. هنا يضاف اليها اللون الاسرائيلي. فاسرائيل هي القوة الاقليمية (الحصان الثابت) والحليف الثابت في استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة العربية - الاسلامية. ورهان واشنطن التاريخي - الجغرافي كان ولايزال في مختلف العهود على تل ابيب وليس غيرها من عواصم عربية واسلامية.

هذه السياسة اللاعقلانية في «الشرق الاوسط» يمكن من خلالها قراءة جوهر سياستها المجنونة ضد العراق مقارنة بتلك السياسة المطروحة امام كوريا الشمالية للتوصل إلى صيغة حل لمشكلة السلاح مقابل المال.

فالولايات المتحدة لا تقدم العرض نفسه (المقايضة) للعراق بسبب العامل الاسرائيلي، ودور اللوبي الاسرائيلي في الضغط على الاستراتيجية الاميركية في منطقة الشرق الاوسط.

بينما تلجأ إلى اللين والتهدئة في منطقة الشرق الاقصى لاعتبارات اقليمية أبرزها وجود قوى كبرى تحيط بكوريا الشمالية وتقف على أهبة الاستعداد خلف حدودها الجغرافية - السياسية.

الاختلاف اذن بين السياستين يعود إلى سببين اقليميين لاعلاقة لهما بمخالفة القرارات الدولية أو غيرها من كلمات تطلقها ادارة البيت الابيض لتبرير حربها على بغداد. ففي الموضوع العراقي هناك مصالح «اسرائيل» وما تعتبره تل ابيب مجالها الجغرافي - السياسي في المستقبل.

وفي موضوع كوريا الشمالية هناك مصالح الصين وما تعتبره بكين مجالها الجغرافي - السياسي في المستقبل.

الا ان هذا التوافق الشكلي في منطق الاستراتيجية الاميركية تعترضه عقبات كثيرة. فالصين تاريخيا وحضاريا في الشرق الاقصى غير «اسرائيل» تلك الدولة الاصطناعية المفروضة بالقوة عن طريق المال والسلاح على شعوب المنطقة. والصين دولة عملاقة وأمّة لعبت سلسلة ادوار في سلم الحضارات العالمية وتطور البشرية ورقيها وهي الآن تعاود تجديد دورها ويتوقع لها ان تلعب نسبة معينة في درجة التقدم الانساني في القرن الجاري... بينما «اسرائيل» على عكس ذلك فهي في النهاية، مهما حاولت التبرج بالمساحيق، هي دولة عصابات مسلحة استولت على ارض الغير وطردت السكان بالقوة وخالفت القرارات الدولية (وهي بالعشرات) التي طالبت وتطالب بعودتهم إلى ديارهم. «اسرائيل» مهما فعلت ومهما دعمتها الولايات المتحدة بالمال والسلاح والقوة دولة غير حضارية وتنقصها الهوية المتجانسة مع محيطها فهي كتلة لا تاريخ لها. انها اساسا دولة لا تاريخية وضد تاريخ المنطقة. وبالتالي فإن مجالها السياسي - الجغرافي لا مستقبل له في الدائرة المحيطة بها الا اذا قررت الاستغناء عن سلاح الحرب وجنحت نحو السلم والتعارف مع شعوب المنطقة.

عرض جورج بوش المال مقابل السلاح على كوريا والحرب مقابل السلاح على العراق... والاختلاف بين المقايضتين يعود إلى وجود الصين في الشرق الاقصى و«اسرائيل» في الشرق الاوسط

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 133 - الخميس 16 يناير 2003م الموافق 13 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً