العدد 133 - الخميس 16 يناير 2003م الموافق 13 ذي القعدة 1423هـ

التعليم والتدريب وتقديس العمل سبيلنا إلى التنمية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الورشة التي رعاها سمو ولي العهد عن معوقات التنمية تحدثت عن أمور مهمة، من بينها ان مخرجات التعليم بحاجة إلى مراجعة لربطها باحتياجات السوق، كما تحدث المنتدون عن ضرورة إعادة النظر في أسباب فشل برامج التدريب المهني، وفيما إذا كان هناك مثال ناجح يمكن الاحتذاء به. وبالفعل فإن لدينا في البحرين مثالا ناجحا يتمثل في «معهد البحرين للدراسات المالية والمصرفية»، فهذا المعهد تموله المصارف المحلية في مقابل قيامه بتدريب الكوادر التي تحتاجها الأنشطة المصرفية والمالية.

ونجح المعهد في استقطاب متدربين من خارج البحرين وبدأ بتقديم برامج تدريبية متطورة في المصارف بشتى أنواعها، لاسيما الإسلامية والتأمين، وأصبح لديهم شهادات أكاديمية عالية معترف بها.

وسر نجاح المعهد أنه يدار من قبل القطاع المصرفي الذي هو جزء من القطاع الخاص، حتى أن مديري المصارف لهم مقاعد في مجلس الإدارة، ويرسمون برامج التدريب بصورة مباشرة.

أما مع مؤسسة النقد فدورها رقابي فقط، وليس إداريا، وهذا أبعد عن المعهد التدخلات السياسية التي يعاني منها معهد البحرين للتدريب وتعاني منها برامج التدريب الأخرى.

وما دامت مناهج التعليم والتدريب خاضعة لدائرة سياسية مغلقة تهتم بالوضع الداخلي للعمل الوزاري والتوازنات السياسية والشخصية، فإن برامج التدريب والإمكانات المتوافرة لا يستفاد منها جيدا. فالقطاع الخاص إذا فرض عليه (كما ينبغي ان يفرض عليه) دفع نسبة مئوية لدعم التدريب، فإنه يجب ان يكون للقطاع الخاص الإشراف الكامل على مشروعات التنمية، وان تتسلم الحكومة دور المراقبة فقط، فالحكومات أثبتت في كل أنحاء العالم انها غير قادرة على إدارة عمليات التنمية. والحكومة عندما تتحول إلى إدارة الأعمال التجارية والاقتصادية فإنها تتجه إلى الاتجاه الفاشل نفسه، الذي آمن بالتخطيط المركزي لينتهي الأمر به إلى خنق السوق واحتكار الخيرات لفئة محدودة من المجتمع.

إن إدارة الأعمال هي في الأساس عمل مؤسساتي محترف يحول المعطيات إلى نتائج بفاعلية تؤدي إلى نمو الحركة الاقتصادية. أما إذا كانت الحكومة هي التي تدير العمل الاقتصادي فإن الفاعلية الاقتصادية لا تصبح مهمة، لأن الأهم في مجال الحكومة هو فرض الأمور لأنها صاحب السلطة العليا، وهي تفرض قراراتها من دون ان تشعر بصورة مباشرة بالأثر التجاري والاقتصادي كما يشعر به القطاع الخاص، كما ان الحكومة لا تخضع للسوق بل ان السوق تخضع لها، وبالتالي إذا أصبحت هي صاحبة القرار لا حاجة إلى حركة السوق.

إضافة إلى ذلك فإن القرارات الحكومية هي في الأساس قرارات سياسية وليست اقتصادية، إذ انها تحاول دائما موازنة النفوذ لهذه الجهة أو تلك. أما النمو الاقتصادي فيحتاج إلى متنفس لكي يتحرك باتجاه تلبية متطلبات الناس بما يلائم قدرتهم الشرائية. وإذا غابت معادلة السوق المباشرة فإن إدارة الحكومة تتحول إلى محسوبية ومنسوبية كما حدث في الدول الاشتراكية التي آمنت بالتخطيط المركزي، وكما يحصل لدينا في أكثر الحالات. ولذلك، فإن الحديث عن اجتذاب الاستثمارات الأجنبية يجب ان يسبقه الحفاظ على الاستثمارات الوطنية وليس تشريدها إلى خارج الوطن.

يحق لنا ان نفخر ان لدينا نماذج ناجحة في التدريب، ويحق لنا ان ندعو الحكومة إلى السماح للقطاع الخاص بتسلم معهد البحرين للتدريب ومعاهد التدريب الأخرى بحيث يشرف القطاع الخاص على جميع البرامج التدريبية مع مراقبة الحكومة لتلك البرامج، تماما كما هو الحال مع معهد الدراسات المالية والمصرفية.

إن الحكومة ملزمة باتباع سياسة صارمة لتوسيع المجال وتوفير الفرص لجميع قطاعات المجتمع، ومن دون ذلك لا تتحقق العدالة الاجتماعية. وفي الدول الديمقراطية فإن العدالة الاجتماعية تعني توزيع الثروة بصورة عادلة، ولكن توزيع الثروة ليس توزيع المال، وإنما توفير الفرصة للمواطنين لتحصيل الكفاءة لتحصيل ثرواتهم من دون تمييز. ونحن نعيش في عصر أهم ثروة فيه هي «الخبرة»، والوسيلة لتحصيل هذه الخبرة هي التعليم والتدريب. والحكومة مطالبة بتوفير التعليم والتدريب واستثمار أفضل الطرق لتمكين المواطنين من تصعيد خبراتهم في شتى المجالات التي تحتاجها السوق. ولذلك فإننا جميعا لنا الحق في الحصول على الفرصة العادلة وعلى وسائل تطوير قدراتنا الذاتية إلى أقصى حد تتطلبه احتياجات التنمية الاقتصادية. وإذا ركزت الحكومة على دورها وركز القطاع الخاص على دوره، كما هو الحال في معهد الدراسات المالية والمصرفية، فإن النجاح هو حليفنا بالتأكيد

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 133 - الخميس 16 يناير 2003م الموافق 13 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً