العدد 132 - الأربعاء 15 يناير 2003م الموافق 12 ذي القعدة 1423هـ

وقفة مع الصفَّار... في نظرته إلى السلم الاجتماعي

صدر حديثا كتاب «السلم الاجتماعي: مقوماته وحمايته»، وهو في الأصل محاضرة ألقاها الشيخ حسن الصفار.

ويتمحور الكتاب الصادر عن دار الساقي على عدد من القضايا نجملها فيما يلي:

الأمن والتقدم

إن تحقق السلم الاجتماعي عامل أساسي لتوفير الأمن والاستقرار في المجتمع، وإذا ما فقدت حال السلم والوئام الداخليين أو ضعفت، فإن النتيجة لذلك هي تدهور الأمن وزعزعة الاستقرار. ولقد أحسن الصفار بإشارته لهذه العلاقة المتبادلة بين السلم والتقدم، فبغير وجود حال من الأمن لا يمكن لمجتمع أن يتقدم، أو يتطور، أو يتطلع نحو مزيد من الانجازات التي من شأنها أن تصل به إلى شاطئ الرفاه، إذ سينشغل المجتمع في حال كهذه مع مشاكله الداخلية وستعمل كل جهة من فئات الصراع من أجل الاستحواذ على أكبر مساحة ممكنة من ساحة المعركة، لتفرض بالتالي شروطها على الآخرين، وما حدث في لبنان وأفغانستان والجزائر والصومال، وليس خافيا على إنسان وعن الرؤية الإسلامية بشأن مسألة السلم، يمكننا القول بأن الإسلام يمثل أكبر واشمل دعوة للسلم والسلام، والآيات التي تتحدث عن ذلك تجاوزت خمسين آية، كما يشير المؤلف، كما يوجه الاسلام الأمة المسلمة إلى إنشاء العلاقات السلمية القائمة على البر والقسط والاحسان مع الأمم الأخرى. أما المواجهة فهي محصورة في حدود من يمارس العدوان ضد الاسلام والمسلمين، أو يمنع حركة الدعوة إلى الله تعالى.

فإذا «كانت هذه دعوة الإسلام على المستوى العالمي وفي العلاقة بين الأمة وسواها، فمن الطبيعي أن تكون أكثر تأكيدا وإلحاحا على الصعيد الداخلي».

مقومات السلم الاجتماعي

وقد حددها الباحث في ثلاث، هي: السلطة والنظام، العدل والمساواة، ضمان الحقوق والمصالح المشروعة لفئات المجتمع فلا يمكن الحديث عن سلم اجتماعي في حال غياب الدولة، بل ستعم حينها الفتنة والاضطراب والدمار ولا حصانة لدولة إن لم تعمل بالعدل والمساواة، «فالمجتمع عائلة كبيرة. وعدم المساواة بين أبنائه، وتمييز بعضهم على البعض الآخر، جور يزرع الضغائن والأحقاد، ويضعف حالة المودة والإخاء».

والأمثلة على ذلك كثيرة، وأمامنا مثال إيجابي تحكيه تجربة دولة (سنغافورة)، فبالرغم من أنها تتكون من أربع مجموعات عرقية، وتتعدد فيها الديانات إلى ست ديانات، إضافة لتعدد الأحزاب إذ تصل إلى عشرين حزبا، إلا أنها ومع ذلك تعيش حالا من السلم والاستقرار الداخلي، «وهما ثمرة طبيعية ناتجة عن حال المساواة والاحترام المتبادل بين الأطراف التي يتشكل منها الشعب هناك». بينما الصراع والنزاع في دولة (رواندا) هما نتيجة حتمية لسياسة الاقصاء والتمييز والاضطهاد، على رغم وجود مجموعتين عرقيتين فيها، الأولى: الهوتو 90 في المئة، والثانية: التوتسي 9 في المئة. علما بأنهما ينتميان إلى أصل واحد، ودين واحد، إذا يتبعون الكنيسة الكاثوليكية.

وفي خاتمة البحث تطرق الصفار بإيجاز إلى ثلاثة محاور وضعها تحت عنوان: (الحصانة والوقاية)، وهي: نشر ثقافة السلم، والتربية الأخلاقية، وإصلاح ذات البين وهي محاور ينبغي التركيز عليها وترجمتها علميا بعيدا عن واقع التنظير، وهنا يلزم أن نتكلم بصوت مسموع، لنقول: ما هي البرامج المعمول بها من قبل الحكومات العربية والاسلامية، والتي نستشف منها نشرا لثقافة التسامح والسلم بين أفراد المجتمع الواحد؟ وعلى سبيل المثال: ماذا قدمت حكوماتنا من برامج وخطوات عملية من أجل تجسير الفجوة بين السنة والشيعة؟ وما هي خطتها الحكيمة في التعامل مع الأقليات كالمسيحيين أو الأقباط... الخ. وأين وسائل الإعلام الحكومية عن هذه المسائل؟. وهل يعنيها شيء من ذلك؟ أخشى أن تأتي الاجابة لتقول إن هذه الرؤى في واد، والحكومات العربية والاسلامية في واد آخر وقبل أن نكف ألسنتنا عن سياسة الأنظمة الرشيدة أقول: متى سنضع مناهج تعليمية تتناسب مع معتنقي كل مذهب؟ لنشهد على سبيل المثال دروسا دينية تنسجم مع المذهب الشيعي في البيئات الشيعية، ومناهج وفق المذهب السني في البيئات السنية وهكذا... متى يتحقق ذلك؟ عسى أن يكون قريبا.

وللاقتراب من الفكرة بشكل أوضح أنقل لكم معاناة مرب للأجيال يعمل في دولة عربية، يقول ما ملخصه: باعتباري مدرسا شيعيا لمادة (التربية الوطنية) في المرحلة الثانوية في (...) فقد تعرضت لأسئلة من قبل الطلاب يسألونني خلالها عن حقهم بوصفهم طلابا شيعة في دراسة مواد التربية وفق معتقدهم الشيعي!! وقد أستفز من قبل البعض، عندما يقولون لي: أوليس هذا الأمر من جملة حقوق الوطن؟

فتحقيق مطلب السلم الاجتماعي - الذي ينادي به الصفار وآخرون - لن يتم في أي بلد من البلدان، إلا بعد أن نعطي المواطن حقوقه كاملة، ولنطلب منه بعد ذلك القيام بواجباته، وبلداننا ليس خارجة عن هذا السياق. فنحن بحاجة للقدوة في هذا الشأن.

ولن يكتب للتربية الأخلاقية النجاح، إن هي سطرت مواعظَ وقصصا على الأوراق، ولم تجد لها في الواقع العملي مجالا للتطبيق. والقدوة التي أعني: تتمثل في الساسة والعلماء، ولنا في الإمام علي بن أبي طالب (ع) خير قدوة وأسوة، فهو - وعلى الرغم من كونه الحاكم المهاب، إلا أنه، مع ذلك- سمح لمعارضيه (الخوارج) أن يدخلوا المساجد ليقولوا ما يشاؤون، كما أنه لم يمنع عنهم العطاء، ولم يبدأهم بقتال... أليس في هذا المثال العلمي تربية أخلاقية لمن يحمل شعار الاسلام في هذا الزمان؟

العدد 132 - الأربعاء 15 يناير 2003م الموافق 12 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً