هناك أكثر من طلب رسمي عربي يقترح تأجيل موعد انعقاد القمة العربية في مملكة البحرين. وهناك أيضا أكثر من طلب يقترح تقديم الموعد.
التأجيل والتقديم يرتبطان بمخاوف عربية مشتركة تشير إلى وجود مخاطر أمنية إقليمية يتوقع ان تحصل في حال ساقت الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي إلى «معركة فاصلة» على العراق ستتجاوز تأثيراتها السياسية الحدود الجغرافية لدولة الرافدين.
نمو مشاعر الخوف المشترك على أهميته ليس جديدا. فالدول عادة تقرأ التطورات، وتحاول التقاط عناصر القوة والضعف وتحاول التعامل معها بميزان العقل وترجيح الايجابيات على السلبيات. الا ان القراءة ليست كافية في ظل تهور دولي تقوده الولايات المتحدة على أكثر من جهة في آن... القراءة مهمة الا انها غير كافية، فالمطلوب هو فعل القراءة أو الآليات التي ستتوصل إليها الدول العربية في وضع برامجها المشتركة لمحاصرة المخاطر والحد من تداعيات الزلزال السياسي الذي سينجم عن ضرب العراق وتحطيم كيانه.
حتى الآن تبدو الأمور سارية من دون قيادة مشتركة تقود الحد الأدنى المشترك من المصالح العربية نحو سياسة متوازنة تستفيد من الثغرات التي أخذت تتسع في جدران التحالف العسكري الذي تعمل الولايات المتحدة على تركيبه منذ صدور القرار 1441 الدولي.
وحتى الآن تبدو الأمور تتجه نحو أهداف متفرقة لا يجمعها سوى الخوف على الماضي لا المخاوف من المستقبل. فالدول العربية - عموما - مشغولة بهمومها الداخلية. وكل دولة منعزلة اجمالا على نفسها تحاول معالجة «قضاياها» بمعزل عن القضايا العربية الا في حدود نسبية لا ترتقي في كل الحالات إلى مستوى التحديات التي تطلقها الولايات المتحدة.
الإدارة الأميركية تلمح أحيانا وتشير أحيانا أخرى، من خلال تسريبات صحافتها، إلى وجود خطة شاملة لدى واشنطن تطال مجمل الدول العربية وتحديدا تلك التي تحيط بالعراق. التنبيهات الأميركية واضحة، ولم تعد سرية: الحرب على العراق هي البداية وليست النهاية. هي خطوة كبيرة تعقبها سلسلة خطوات صغيرة تمتد لسنوات وتهدف في النهاية إلى تغيير خرائط المنطقة حتى تنشغل الدول العربية أكثر بهمومها الداخلية، وتنسى تلك الجوامع التي استمرت حتى الآن على رغم ما قيل وفعل على امتداد نصف قرن من الحصار والحروب.
السؤال ليس بماذا تفكر الدول العربية؟ بل ماذا ستفعل امام مثل هذه الموجات المتتالية من التحديات. المشكلة ليست في عقد القمة في موعدها أو تأجيل انعقادها أو تقديمها... المشكلة في خطة العمل واستعداد الدول العربية للتعاون لمواجهة المخاطر المشتركة هذه المرة ومثل كل مرة.
الخوف ليس من «المؤامرة» الأميركية - الإسرائيلية فقط. الخوف أيضا من تقلص عناصر وعي المؤامرة عند الدول العربية وانشغال كل دولة بمشكلاتها في وقت تكون الخطة العامة هي عزل العرب عن بعضهم بعضا وكسر إرادة كل قوة من دون حماية إقليمية ودولية.
سؤال «ماذا نفعل؟» في حال قررت أميركا الحرب على العراق لايطاول دولة واحدة بل انه يتجاوز هذه المرة حدود الدول ويتعامل معها من منطلق مشترك في وقت تظن كل دولة عربية انها في منأى عن مخاطر الحرب وتداعياتها.
التحديات هذه المرة أكبر بكثير مما تتصوره الكثير من الدول العربية. وانعقاد القمة يتطلب مهمات تتجاوز حدود اللقاء والحوار والبحث والاتفاق على صيغة «بيان ختامي». البيان الختامي عادة هو خطة عمل للمستقبل في وقت تحول في السنوات الأخيرة إلى «بيان نهائي» ينتهي التحرك العربي فور صدوره. البيان هو خطة عمل وليس نهاية العمل. والمشكلة ليست في الاتفاق على صيغة مشتركة تختتم بها القمة، بل في عدم تحويل الصيغة إلى خطة عمل تتحرك الدول العربية في ضوء نتائجها إلى وضع آليات لتنفيذها.
في قمة بيروت الأخيرة اتفقت الدول العربية على تبني مبادرة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله وتحويلها إلى مبادرة عربية مشتركة. وصلت الرسالة إلى واشنطن وغادر الزعماء العرب العاصمة اللبنانية. وفي اليوم التالي شنت حكومة ارييل شارون حملتها التدميرية الكاسحة على رام الله وسلطة ياسر عرفات وحتى الآن لم تتوقف الحملة ولم تفعل الدول العربية الحد الأدنى المطلوب منها لحماية ما تبقى من «المشترك العربي».
والآن يبدو تكرار السيناريو هو المرجّح. تنعقد القمة العربية وتتفق على نقاط محدودة بشأن العراق وما بعده في صيغة مشتركة للبيان الختامي. وبعد الاختتام يبدأ الهجوم... على العراق هذه المرة.
والسؤال: هل تنتظر واشنطن نهاية القمة العربية كموعد للحرب أم انها تستبق الوقت، فتنقلب النتائج إلى أسباب تستدعي معالجة عربية متأخرة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 132 - الأربعاء 15 يناير 2003م الموافق 12 ذي القعدة 1423هـ