عندما أصدرت المؤسسة العامة للشباب والرياضة تعميما مستندة فيه إلى قانون صادر في العام 1989 تطلب من النوادي أخذ الرخصة قبل السماح بعقد اجتماع، كانت الأحاسيس تتوجه إلى نية موجودة لدى بعض المسئولين لمنع انعقاد اجتماع جمعية الوفاق الوطني الإسلامية. ذلك لأن الجمعية كانت ستعقد اجتماعها في مركز المعارض في أواخر شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلا أن وزارة التجارة اعتذرت لهم في آخر الأمر، وهذا دفعهم إلى اللجوء إلى النادي الأهلي، الذي وافق بدوره على السماح بالاجتماع ليفاجأ بتعميم صادر عن المؤسسة العامة.
الإلغاء يحمل الكثير من المعاني غير الصحيحة وغير المتلائمة مع الانفتاح السياسي الذي تعيشه البحرين. فعندما شاركت الوفاق في العملية السياسية كانت قد انتقلت من العمل خارج النظام الذي لم يكن يسمح بالمعارضة أو الرأي الآخر. فالانفتاح السياسي أنقذ الأوضاع وسمح لجميع الاتجاهات بالعمل من داخل النظام. ومع أن «الوفاق» كانت من ضمن المقاطعين فإن معارضتها ومقاطعتها حازت احترام الجميع لانضباطها وعدم انجرارها إلى التصعيد، بل إن «الوفاق» ساهمت في عقلنة جماهيرها التي كانت تتحرك طوال التسعينات باتجاه صِدامي مع الحكومة. وفي الاجتماع الذي عقده سمو ولي العهد مع رؤساء تحرير الصحف المحلية قبل عدة أسابيع أشاد بالمعارضة المتعقلة، مشيرا إلى أن القيادة السياسية شكرتهم على تعقلهم.
وخارج البحرين نظر إلينا المراقبون بإعجاب، وكيف أن المعارضين والمؤيدين للدخول في الحياة النيابية استطاعوا التعايش مع بعضهم الآخر، وكيف أنهم تحاوروا واختلفوا ثم اتفقوا على مبادئ التعايش السلمي ودعم التوجه الإصلاحي الذي يقوده جلالة الملك.
القانون الذي استخدمته المؤسسة العامة للشباب والرياضة صدر في أوج قانون أمن الدولة عندما كان المرء يُرمى في السجن لمجرد ذكر كلمة «برلمان» أو «دستور» بصورة علنية، ولم تكن الصحافة تشير من قريب أو من بعيد إلى أيٍّ من هذه الأمور، بل جرت عملية تحنيط الناس في قوالب ساكنة وميتة كالمومياء، وأصبحنا أجساما جامدة في متاحف عفى عليها الزمان. وتحولت النوادي التي كانت البحرين تفتخر بها منذ مطلع القرن الماضي إلى غرف مهجورة، لا تسمع فيها إلا بعض الصرخات المتعلقة بلعب كرة القدم أو كرة اليد أو الكرة الطائرة أو كرة السلة. وانتهت الحركة المسرحية لأن كل مسرحية يجب أن توافق عليها المؤسسة، كما انتهت الحركة الثقافية، لأن كل سطر يُكتب يجب أن توافق عليه المؤسسة، وحتى الصحف الحائطية بدأت تختفي وتم استبدالها بالشعارات الحائطية التي كتبها الناشطون الذين كانوا في سجال مع أجهزة الأمن.
انتهت تلك الحقبة السيئة مع التصويت على ميثاق العمل الوطني، واعتبر الناس أن مرحلة استنشاق الحرية قد بدأت وأن المعارضة أثبتت حسن نيتها في دعم خطوات جلالة الملك. ومن جانبها غضت الحكومة الطرف عن القوانين غير العادلة التي تفرعت عن قانون أمن الدولة، وبدأت الحياة السياسية تتنفس وبدأ الناس يعيشون أحلى أيامهم. فعلى رغم الاختلافات بين الأطراف السياسية، لا يمكن إنكار السعادة التي تغمر الجميع وهم يمارسون حقهم في التجمع السلمي والتعبير عن رأيهم من دون الإضرار بالميثاق أو بدستور المملكة. فمهما اختلفنا على كثير من التفاصيل، فإن البحرين عاشت عصرا ذهبيا على المستوى العام.
ولكن هذا العصر الذهبي مهدد الآن بالانقراض. فمنذ الحادي من شهر يناير/ كانون الثاني وإذا بالأقلام التي انتعشت في عهد أمن الدولة تعود وبشراسة، وإذا بالأقلام شبه المجنونة تعود بجنونها وسمومها وعنصريتها لتبث ما في جعبتها من عبارات لا تمت إلى الذوق الإنساني السليم بصلة. وإذا بنا نفاجأ بسحب حق التجمع السلمي من النوادي أيضا. فأين تذهب الجمعيات المرخص لها رسميا؟ وما هي الخطوة المقبلة لمنع انعقاد الاجتماعات؟ وهل لدينا برلمان يدافع عن حقوق الناس ويطلب إلغاء القانون الصادر في العام 1989؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 132 - الأربعاء 15 يناير 2003م الموافق 12 ذي القعدة 1423هـ