العدد 132 - الأربعاء 15 يناير 2003م الموافق 12 ذي القعدة 1423هـ

الشعـــر هو غنـــاء ضــد الرعـــب

الشاعر محمد علي شمس الدين لـ «الوسط»:

أجرى الحوار - موفق حيدر 

تحديث: 12 مايو 2017

كان اللقاء مع الشاعر محمد علي شمس الدين في بيته في بيروت مستجيبا لرغبته هو، بيت متواضع لرجل لا يحب الضجيج. شربنا الشاي الجنوبي من «طابقين» كما هو دارج هذا التعبير الجنوبي وقلت له أنت تعبر بالشعر عما تريده، عما ينتابك من حالات. لقد قرأت أكثر دواوينك وأريد أن أسألك في البداية:

* ما الشعر؟

- هل أستطيع أن أقترح التعريف التالي للشعر: «هو غناء ضد الرعب»!

ولذلك فالشعر ليس شعرا بذاته بل هو شعر تبعا لزمنه. انني الآن لا أستطيع أن أعتبر الشعر الوصفي مثلا الذي كان رائجا في العصر العباسي شعرا بمقاييسي المعاصرة.

فالشعر ليس شعرا بذاته بل هو يتبع زمانه وليس صحيحا ما قاله الجاحظ من ان المعاني مطروحة على الطريق أي محايدة ومبذولة للجميع، المعنى يتغير. فإذا كان الشعر شعرا... بجوهره ونهائيا بهذا المعنى فلماذا نحن نعتبر المغامرة أساس الشعر والحياة؟ إذ ما المغامرة؟ انها الضرب في المجهول مع احتمال الخطر والاجتراح الدائم لكل جديد. لا ديمومة في الشعر ولشيء البتة. هناك أنواع من الشعر سقطت. وكل شاعر كبير هو نسيج ذاته والتنوع في الابداع يترك للشاعر حرية كتابته فعلى سبيل المثال بدر شاكر السياب وصلاح عبدالصبور متحايدان وكل منهما شاعر عظيم في أسلوبه الخاص به، أضيف أيضا ثالثا من الجيل نفسه كبير في إبداعه ومختلف عنهما جذريا في أسلوبه هو محمد الماغوط ولابد من ذكر نقطة سجالية في هذا الصدد. فقد يحدث اختلاف كبير بشأن شاعر من الشعراء. بعضهم يخرجه من دائرة الشعر نهائيا وبعضهم يصفونه في المرتبة العليا وهناك نسأل عن المقياس والميزان في الشعر ما هو؟ الشعر افتراضات على الوجود واللغة مرتبطة بالطاقة الحلمية للإنسان من جهة وبالحرية: حرية الاعتقاد والتعبير وبالطاقات الدلالية للغة من حيث هي اشارات ورموز تتماوج فيها الحقبة الواقعية والأقنعة. انظر إلى مدى الاجتهاد في هذا الكلام لترى كم هو صعب تحديد الشعر من جهة وكم هو صعب ربطه بوجهة نظر وحيدة واجندة تحبسه فيها حتى لو كان ذلك تنسيبا له في جوهره فكما يرفضنا الكثير من الشعراء والنقاد الكلاسيكيين، نرفضهم. أنا شخصيا لا أعتبر، على سبيل المثال، لا الحصر: أنسي الحاج وعباس بيضون وشوقي أبوشقرا شعراء. كذلك لا يمكن أن يكون الشعر كلاما موزونا ومقفى كما يقولون. فالبحور الستة عشر تراث وقد انفجر هذا العمود الشعري كما انفجر سد مأرب. أما الغموض في الشعر العربي الحديث فليس مطلوبا لذاته كما ان الوضوح الكلي يجعل الشعر نثرا تقريريا أشبه بمقالات سياسية. خذ بابلو تبرور: شعره السياسي سخيف. كذلك ناظم حكمت كان سطحيا في شعره السياسي... يعني ربما كان حماسيا، بهذا المعنى يكون الشعر شكلا من اشكال رفض العالم والوجود والدخول في مباهلة أو مباهاة معه وكما ذكرت لي انت فالشاعر الكبير هولدرين كان على حق إلى حد ما حين اعتبر ان الشعر مسكن في وجه من وجوهه.

* كيف تحدد برأيك هذا النص شعري أو نثري؟ وأكثر لماذا نختلف بشأن الشعر بينما النثر تحديده أسهل؟

- احدده تبعا لمقاييسي الشخصية. السجال سيبقى بشأن تحديد الشعر إلى ما لا نهاية. ليس هناك ناطور للشعر الشعر حدّ وسائب والشعر السائب يجر الابداع. انه ينسى ربط المخيلة بالتاريخ بتعبير آخر لا أستطيع تحديدا نهائيا لماهية الشعر. هناك ذوق ومزاج. الشعر فن الحركة الدائمة وافلات الثوابت. الشعر ثورة دائمة. هو أكثر من شغب. انه زلزال دائم.

* لماذا تكتب الشعر بالذات؟

- منذ ان وعيت أحسست أن هناك فراغا في حياتي لا يردمه إلا الكلمات. فحاولت في بداية الأمر أن أملأ هذا الفراغ بكتابة الأمثال وقد كتبت مجموعة من الأمثال والحكم وقد عدت إليها الآن في كتابي الجديد الذي سيصدر عما قريب «حلقات العزلة». اما لماذا أكتب أو كتبت الشعر فلأن نفسي مرهونه له.

* قلت أن أهم ديوان لك هو «الشوكة البنفسجية» لكن ما هو الرابط بين دواوينك؟

- الهزات القلقة، المبهمة الآسرة في حياتي الشخصية علاقاتي غير مستقرة لا بمحيطي ولا بعائلتي.

* «قصائد مهداة لحبيبتي آسيا» فيه مسحة من اللامعقول. ما علاقتك به؟

- موازين العقل والمنطق غير كافية. تعطيك اجوبة ولكنها غير نهائية، ويبقى الغامق سيد العالم. قال لي صديق ذات يوم انه رأى امرأة شعرها اخضر وعيناها صفر وفمها في جبينها. اليس هذا غريبا؟ لا معقولا؟ خذ حكايات الجدة. حكايات جداتنا لنا أليست من منبع اللامعقول. الأخّاذ الذي كان يستحوذ على مخيلتنا. اللامعقول في قاع الكائن البشري.

* ماذا عن ديوانك «أجدال الطيور»؟ ألبس التعبير فيه سورياليا؟

- الطير حائر بين الهواء واليابسة والطير ايضا رمز ديني قرآني «كل انسان الزمناه طائرة في عنقه» الإسراء/13. واللامعقول باب السوريالية، بهذا المعنى السوريالية مذاق عندي، لكنني لا انتمي إلى أية مدرسة شعرية.

* لنعد إلى شعرك عموما. اراك بنيويا بعض الشيء؟

- لا. انما اللغة تحاول تفسير الوعي لكنها تعجز عن احتوائه ويبقى بينها وبينه مسافة يردمها الصمت، أو الألفة واعتقد ان مسافة الصمت ـ في الشعر خصوصا ـ اهم من مسافة الكلام. واعني بذلك على وجه الدقة ان للغة تموجات تطلقها في المخيلة وهذه التموجات هي تموجات الصمت، الذي تلعب عليه المخيلة (مخيلة الشاعر ومخيلة القارئ). لست بنيويا. فأخذي على البنيوية انها تجرد المعطى من تاريخيته تجريدا مطلقا وتغرق في الظواهرية - تأثير القصيدة بهذا المعنى اهم من نصها، فالموسيقية والوحدة العضوية اساس قصيدتي انما الآخرون يكتبون سطرا سطرا (ساخرا).

* هل تعتبر الشعر وحيا؟ مرضا؟ وما علاقته بالطفولة؟

- لا أعرف من أين يأتي ولا مصدره ولا يمكن لاي شخص ان يحدده. موهبة إلهية. فحين اكتب الشعر اشعر بنفسي خارج العالم الحسي. ادخل في حلقة معزولة في ذاتي وبمعنى القصيدة ويمنحني لهذا أن آكل وأشرب ولا أستيقظ الا عندما تنتهي القصيدة حينها يحل التعب علي، اما عن علاقته بالطفولة، فأنا اطردها وهي تتسلل.

* ماذا تريد أن تحقق أنت من شعرك؟

- انا في الحقيقة شديد الاعتزاز وشديد الانكسار في النص الشعري لذلك اعيش في حال من الفزع بين وبين النص الشعري وشروط الحياة. الآن الشعر تعويض واقتحام.

* ما مستقبل الشعر الحديث؟

- الآن هو في عزلة كبيرة. اعز دورة كثيرا من الناحية الافقية . لم يعد ديوان العرب. صار عزلتهم وانكسارهم ومخيلتهم ولا يستنهض الناس إلى الثورة. الشعراء الكبار في عزلة . هناك سوء تفاهم كبير بين الشاعر والناس، الشعر ضد السياسة. والمجتمع العربي في حضيض لاسباب تاريخية. لذلك فالشعر العربي الحديث والمبدع هو صدامي مع السياسة لانه يعتبر ان هذه السياسة مسئولة عن تملك المجتمع العربي. ان هناك ازمة فكر سياسي، فبعد سقوط الماركسية والقومية، يبدو الاسلام اهم عنصر من عناصر الاستنهاض وله مستقبل كبير فيما اذا احسن تأويله عمليا وسياسيا، هو قادر على تحرير الانسان، وهذه قناعاتي.

* قلت أنك معجب بالنبي محمد (ص). لكن من هم الشعراء الذين تحبهم؟

- جبران وأبو العلاء المعري وبدر شاكر السياب ومحمد الماغوط. وانطونيو ماشللو بابلونيرودا (في سبق اللهب) ورسول حمزتوف. وصلاح عبدالصبور (شر الحافي ـ ومجنون ليلى). وحسن العبدالله ومحمد العبدالله.

* ونزار قباني؟

- شاعر مؤسس

* وأدونيس؟

- شاعر له أسلوبه. أنا متميز عن الآخرين.

* لماذا لم تكتب شعرا وطنيا على الرغم...

- (مقاطعا) الشعر الوطني بالمعنى الحديث هو شعر تغلغل في الحال في طقوس الشعب وعناصر الطبيعة وشعري ينضح بذلك.

* في هذا الزمن الرديء ماذا تحب ان تقول للقارئ؟

- ان يكون شديد الانتباه للحرية، لست متشائما بمستقبل العرب. أؤمن بالانقلابات الاجتماعية والسياسية لتحرير الطاقات العربية. عندنا مزيج مشتعل وبئرا من نفط وشمس وماء واسلام. سيكون هناك مستقبل للعرب. وباعتقادي ان اسرائيل ستنكر في المستقبل.

اما على صعيد الشعر فلا استطيع التفريط بالمكتسب التاريخي للموسيقى في الشعر العربي. انا اعتبر كلمة افلاطون مازالت صحيحة. كلما تغيرت المدينة تغيرت الموسيقى. وعليه فالشعر في تطور موسيقي دائم مادامت المدينة تتغير. فشعرنا اليوم غير شعر الامس وسيكون غدا غيره اليوم. فليس للجمال صفة ازلية ونهائية. انه معنى ذو احتمالات. فإذا كان للجمال أو الشعر تحديد جامد فذلك يصادر المستقبل ويصادر الحرية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً