نقلت صحيفة «الوسط» وغيرها من الصحف البحرينية صبيحة الجمعة 10 يناير/ كانون الثاني الخبر الآتي: «اعلن المصرف البحريني السعودي حدوث تجاوزات فيه تم بموجبها منح تسهيلات ائتمانية لأحد عملائه بمبلغ 17 مليون دينار من دون ضمانات تغطي هذه المبالغ وان هذا العميل يماطل في الاستجابة إلى مطالبات المصرف له بإتمام الوفاء وتخفيض ارصدته المدينة».
والخبر هو نتاج مؤتمر صحافي عقده رئيس مجلس إدارة المصرف ومديره العام بحضور ممثل من مؤسسة النقد. وبالنظر إلى التفاصيل القليلة التي جاءت في المؤتمر وتصريح مؤسسة النقد أو المتوافرة في اوساط رجال الاعمال والدوائر المصرفية وبالرجوع إلى التقارير المالية للبنك البحريني السعودي وإلى التعاميم التي تصدرها «مؤسسة النقد» لتنظيم العمل المصرفي يمكن ملاحظة الآتي:
أبطال هذه العملية المصرفية يبدو أنهم من الاشخاص الذين كانت لهم علاقات مالية انتهت بخصومة مع بعضهم الآخر. وصدم المصرفيون ورجال الاعمال بحجم القروض التي منحت . الشائعات كثيرة في هذا المجال ولكن من الذي الذي سهل الحصول على تسهيلات مالية وقروض ضخمة في حين امتنعت المصارف التجارية الكبيرة عن منح اي تسهيلات مماثلة لعدم اقتناعها بالضمانات.
أرباح باهرة ولكن
حقق المصرف ارباحا باهرة خلال العام 2001 بلغت 4,5 ملايين دينار بزيادة اكثر من 50 في المئة عن العام السابق.
وقال المصرف إنه «يمتلك مستندات مالية عبارة عن شيكات مؤجلة بمبلغ 20 مليون دينار سارية تمكنه من فرض استحصال ديونه». والمطلعون على العمل المصرفي يعرفون تماما بأن الشيكات لا تعتبر ضمانات، ولو كانت كذلك لما تردد في تحصيلها. لذلك فالغالب بأن مبلغ الـ 17 مليون دينار من الائتمانات (ويبدو أنها قروض) هي في واقع الحال غير مضمونة ومن المحتمل ان يخسرها المصرف.
خسارة 17 مليون دينار تعني 80 في المئة من رأس المال أو 46 في المئة من قيمة المصرف واحتياطاته التي بلغت 37 مليون دينار في نهاية سبتمبر/ ايلول 2002. وامام مثل هذه الخسارة، وبافتراض عدم وجود قروض معدومة اخرى، فإن وضعه سيضطرب أكثر وخصوصا إذا ما علمنا أن قروضه في السوق تجاوزت الـ 100 مليون دينار.
قد تكون هناك قروض معدومة اخرى. فالمصرف معروف لدى المطلعين بسياسته الائتمانية المتساهلة مقارنة بالمصارف الوطنية الاخرى كما ان طاقمه الاداري ربما اقل خبرة من غيره. التجربة المصرفية في العالم تعلمنا بأن ممارسات من هذا النوع عادة ما تكون جزءا من ممارسات اخرى قد تكون اكبر حجما. ففي نهاية سبتمبر 2002 كانت لدى المصرف قروض بحوالي 122 مليون دينار، وعلى مؤسسة النقد، التي تعهدت بضمان المودعين، القيام بتدقيق شامل للمصرف بما فيه إعادة تقييم محفظة قروضه وجميع الضمانات والرهانات الموجودة لدى المصرف ضمانا لقروضه وائتماناته.
إن خسارة مثل هذه لا تحدث بين ليلة وضحاها إلا في حالات الاحتيال فيما يتعلق بالضمانات ولا يبدو من المؤتمر الصحافي أن شيئا من هذا القبيل حدث. المدير العام قال إن: «هذه التجاوزات حدثت قبل عدة اشهر». وهذا امر لا يعقل، فكيف تستطيع شركة في عدة اشهر ان ترفع ائتماناتها إلى اكثر من 17 مليون دينار وهو ما يصعب على كبريات الشركات فعله حتى بعد مرور عدة سنوات على تعاملاتها المصرفية؟ وكيف يقوم مصرف صغير بإقراض 46 في المئة من رأس ماله واحتياطاته لشركة واحدة في حين تمنع انظمة مؤسسة النقد ان يتجاوز الائتمان للعميل الواحد 15 في المئة من رأس مال المصرف واحتياطاته؟
ويؤكد المدير العام منصور السيد «متانة الوضع المالي» للمصرف قائلا: «إن المصرف لن يلجأ إلى الاقتراض في اي حال من الاحوال». واضاف: «في اسوأ الحالات يمكن ان نلجأ إلى الاحتياطي القانوني». ويبدو لي بأن كل هذه التأكيدات لا معنى لها امام فداحة الخسارة والوضع المالي المهزوز الذي نتج عن هذه الخسارة. فالعمل المصرفي مبني في الدرجة الاساسية على ثقة المودعين بقدرة المصرف على سداد ودائعهم فإذا تعرض مصرف لهزة مالية قوية فإن المودعين سرعان ما يتخلون عنه، الامر الذي يجعله عاجزا عن السداد لهم إذ ان تحصيل المصرف لقروضه يستغرق وقتا اطول بكثير من سداد الودائع.
مؤسسة النقد قالت في بيانها الصحافي: «ان تلك التجاوزات بلغت حوالي 17 مليون دينار منحت على شكل تسهيلات مصرفية من دون اتباع الاسس والانظمة المصرفية المعتادة». ولم تجب مؤسسة النقد في بيانها المقتضب عن ماهية التجاوزات ودور الادارة التنفيذية ومجلس الادارة، ولا تاريخ هذه التجاوزات. ولا يبدو واضحا فيما اذا كانت التجاوزات هي لانظمة المصرف أم لانظمة المؤسسة أم لكليهما. مخالفة تجاوز الـ 15 في المئة من رأس المال والاحتياطات ربما قد تم بالتدرج فهل وافقت المؤسسة على هذه التجاوزات، ولماذا؟ لن يعيب المؤسسة ولا النظام المصرفي في البحرين ان تكون المؤسسة اكثر تفصيلا في نشر ما حدث.
نظم حماية الودائع لا تكفي
أكدت «مؤسسة نقد البحرين» في بيان صحافي «استعدادها التام لتقديم الدعم المالي اللازم عند الحاجة للحفاظ على سلامة الوضع المالي للمصرف وعدم تعرض اموال المودعين لأي مخاطر». هل يعني هذا الحديث قيام المؤسسة بضمان الودائع؟ لا يبدو الامر واضحا إذ ان نظام حماية الودائع Deposit Protection Scheme الذي اصدرته المؤسسة في يوليو/ تموز 1994 حدد ضمان الودائع في المصارف التجارية بـ 75 في المئة من قيمتها فقط وبحد اقصى يبلغ 15 ألف دينار، واستثنى من الضمان ودائع المساهمين الذين يملكون اكثر من 5 في المئة من الاسهم واعضاء مجلس الادارة وودائع الحكومة والمصارف الاخرى وبعض الفئات الاخرى.
ويقول البعض إن التكتم عن كامل الحقيقة هو لصالح الحفاظ على النظام المصرفي، والحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك، فالتكتم ربما يكون أحد أسباب عدم إنهاء الموضوع قبل أن يستفحل، والمؤسسات الدولية تقدر شفافية النظام وأمانته ولا ترحم من تثبت عليهم تهمة التستر
إقرأ أيضا لـ "علي خليفة الكواري"العدد 131 - الثلثاء 14 يناير 2003م الموافق 11 ذي القعدة 1423هـ