إلى اين تتجه تركيا؟ الانقلاب/ الزلزال الذي احدثته الانتخابات التركية وسيطرة الاسلاميين على غالبية المقاعد في البرلمان، يشير إلى ان السياسة الخارجية التركية وتوجهاتها لا علاقة لها بوصول حزب اسلامي أو علماني أو يساري بغض النظر عن درجة الاعتدال أو التطرف التي تسم تلك الاحزاب، اذ ثمة مرجعية تحكم تلك السياسة سواء كان تحديد تلك السياسة مرتبطا بالمؤسسة العسكرية أم في ظل (حياد وترقب مصطنع)، اذ تظل المرجعية الام في تحديد موقف تركيا من الصراعات في منطقة الشرق الاوسط، خصوصا فيما يتعلق بالعراق، بيد الولايات المتحدة، واجندة المكافآت التركية متنوعة، سواء بالضغط على الاتحاد الاوروبي بقبول تركيا في عضوية المجلس، أو التغاضي عن الملف الاسود لانتهاكات حقوق الانسان، مرورا باطلاق يد تركيا للعربدة في شمال العراق، عدا عن مصير آبار النفط في الشمال التي ستكون تركيا بحسب تقارير وتحليلات عدد من الاستراتيجيين الدوليين، ورقة رئيسية في تلك اللعبة، كما يشير مارتن هوفمان في مقال له في مجلة (فورين أفيرز)... اذ يشير: إذا ما قررت حكومة الرئيس بوش المضي قدما في ضرب العراق - وذلك امر واقع لا محالة - وفرض وجود عسكري (احتلال) على العراق واقامة حكومة انتداب عسكري عليه (مع استبعاد مثل ذلك التوجه لاعتبارات اقليمية) إلا ان اشكال الوجود العسكري بصيغته المدنية ستكون ماثلة في الشمال، الامر الذي يرشح تركيا عبر وكلائها وحلفائها في الشمال للامساك بتلك البزة في صورة علنية.
الذين راهنوا على الحكومة التركية الجديدة في التخفيف من حال التوتر في المنطقة - على اقل تقدير - ذهبوا بعيدا في رهانهم، ففيما يتعلق ببؤر التوتر في المنطقة يحدث بشكل آلي تجميد للخيار السياسي التركي من قبل اميركا، خصوصا اذا ما جاء ذلك الخيار متعارضا مع توجهها ومصالحها، واذا ما اخذنا مسألة العراق في الاعتبار لا تحتاج تركيا إلى أن تبدي مرونة تجاه هذا الملف بحكم تداخل مصالحها من جهة والتهديد الذي يشكله الاكراد في الشمال وتطلعهم إلى إقامة وطن قومي لهم. إلا ان ملف العلاقات التركية الاسرائيلية هو الملح في الوقت الراهن في ظل التنسيق والروابط الامنية والعسكرية التي دشنتها الحكومات التركية المتعاقبة، من دون ان ننسى ان ذلك التنسيق ظل على درجاته من التميز حتى في ظل حكومة رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان، الذي دشن فترة ترؤسه للحكومة بزيارة دول ظلت ضمن المربع المغضوب عليه من قبل واشنطن اضافة إلى توقيعه عددا من الاتفاقات الاقتصادية بلغت مليارات الدولارات، وعلى رغم تصريحاته المتكررة باستحالة زيارة «اسرائيل» والتقاء مسئوليها، فإن درجة العلاقات ظلت في تصاعد مستمر من دون ان تكلف «اسرائيل» نفسها عناء تحريض اميركا على خلخلة الواقع الجديد الذي خلقته تلك الانتخابات.
لن تتقلص اجندة المكافآت، اذ على العكس من ذلك ستحصد تركيا مزيدا من الانتصار في ظل سنوات من الاخفاق على المستويين الاقتصادي والسياسي، وستكون شريكا فاعلا في إخفاق آخر ستشهده المنطقة بعد ان يصل الزلزال ذروته بتدمير العراق... ليتم بعد ذلك تدشين اجندة الابتزاز لدول المنطقة لاعمار ما ساهمت في تخريبه بصورة مباشرة أو غير مباشرة
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 131 - الثلثاء 14 يناير 2003م الموافق 11 ذي القعدة 1423هـ