دور المصارف المركزية في الاقتصاد معقد ويزداد تعقيدا مع الأيام. ولكن مما لا شك فيه هو أن اهم دور هو توفير الأمن الاقتصادي. فالأمن الاقتصادي لا يقل أهمية عن الأمن الاجتماعي والأمن السياسي. وعالم الاقتصاد والأعمال والمال هو عالم المحاسبة والشفافية، وما يمكن إخفاؤه في مجالات اخرى من دون الشعور بالخطر المباشر لا يتحمل اي شيء من تلك الاساليب في عالام اقتصاد المعتمد على معايير المحاسبة والشفافية.
ويوم أمس نزلت قيمة أسهم البنك البحريني السعودي بعد اعلان المصرف مماطلة أحد زبائنه في تسديد قروض بلغت قيمتها 17 مليون دينار، وتعريض اكثر من 46 في المئة من صافي قيمة الموجودات في المصرف للخطر. ولا يمكن تصديق ان مثل هذا الأمر حدث في فترة شهور، فمثل هذا التراكم في القروض والمشكلات لابد انه حصل على مر سنوات ووقت طويل.
وعلى هذا الأساس، كيف يتمكن مصرف من التصرف في الموجودات من دون علم مؤسسة نقد البحرين، وهي المصرف المركزي المسئول عن رقابة المصارف حفاظا على أمننا الاقتصادي؟ كيف لم تتمكن الحسابات من التحقق من ملاءمة تلك القروض للقوانين والاجراءات المعتمدة والمقبولة؟ وكيف اخفقت المؤسسة في ارسال مفتشين إلى هذا المصرف وغيره لإجراء عمليات تدقيق مفاجئة كما هو حال المصارف المركزية في انحاء العالم؟
فعالم المال لا يتحمل اية ممارسة من هذا النوع، لأن المستثمر يجب ان يطمئن إلى أن المؤسسة التي تتعامل بأمواله لديها تقارير مدققة كل عدة شهور تسلمها للسلطات المعنية. وفيما لو كانت هناك تقارير هل اشارت تلك التقارير إلى قروض بهذا الحجم الهائل لأحد الزبائن؟ وهل تساءل احد كيف يمكن اقراض هذا الحجم من الاموال من دون اخذ الضمانات اللازمة؟
المصرف المركزي في اي بلد هو الضامن الاخير لودائع الناس الموجودة في المصارف المختلفة لانه صاحب السلطة العليا وهو الذي يوجه المصارف إلى تقليل مخاطر الاقتراض. وعندما تشعر ان هناك مخاطر على مستوى عام فانها تصعد سعر الفائدة للاقتراض كما تضع حدا للكمية والنسبة التي يمكن اقتراضها. اما اذا كان الوضع خاصا بمصرف محدد فان الاجراءات تكون مباشرة ولا تحتاج إلا إلى تدخل مباشر بعد تسلم اول اشارة عن خلل معين.
إن الوضع السياسي المتحسن في البحرين يجب ان نجد آثاره في مختلف المجالات، والمجلس الوطني مطالب بطرح الأسئلة على المصرف المركزي (مؤسسة نقد البحرين)، اذ لا يمكن لمثل ما حصل ان يحصل لو كانت الاجراءات والآليات متكاملة او انها طبقت بشفافية.
والبحرين ليست وحدها التي تواجه قضايا من هذا النوع وليس عيبا ان يحدث بين فترة واخرى امر ما، ولكن العيب هو عدم شرح اسبابه وعدم الدخول في تفاصيل الموضوع بشفافية مقنعة لمن يعنيهم الامر بحيث يتم تعلم الدرس وتتخذ الاجراءات المستقبلية اللازمة لمنع حدوث مثل هذا الأمر.
ان التدخل الحكومي في الاقتصاد مطلوب في جانب المراقبة والمحاسبة والموازنة، وليس في جانب منافسة القطاع الخاص وليس في تجيير مشروعات الدولة للصالح الخاص. اما التدخل الرقابي على المصارف هو سبب الحاجة إلى وجود حكومة تراقب وتنظم الامور. ولذلك فان عدم تدخل مؤسسة النقد (اذ لم يكن هناك تدخل) امر غير مقبول وبحاجة إلى تفسير وايضاح. فالدور الاقتصادي للحكومة يجب ان يتواجد لتنشيط المنافسة، وهذه المنافسة تعتمد على مبادئ الكفاءة والشفافية وحكم القانون بغض النظر عمن سيطبق عليه القانون. واذا استثنى القانون فئة معينة فان وجود القانون وعدمه يتساويان.
ان الدعوة إلى الشفافية ليست دعوة إلى إفشاء اسرار المصارف والمؤسسات التجارية، فالمصرف المركزي له ضوابطه التي تحكم طريقة تعامله مع الاسرار، ولكن حفظ الاسرار ينتهي دوره عندما تحدث مشكلات كبيرة. فالمستثمرون واصحاب الاسهم والسوق والمصارف والمواطنون جميعهم يطالبون بمعرفة تفاصيل ما حدث ولماذا حدث مثل هذا الامر
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 131 - الثلثاء 14 يناير 2003م الموافق 11 ذي القعدة 1423هـ