بدت وتيرة الاستعدادات العراقية لمواجهة الحرب الاميركية المرتقبة في مراحل العد العكسي بانتظار ساعة الصفر. وتصاعدت وتائر هذه الاستعدادات لدى الافراد مع الاستعدادات الحكومية. اذ اخذ العراقيون بتخزين الوقود بعد ان امنت البطاقة التموينية لهم تخزين المواد الغذائية بعدها قامت وزارة التجارة خلال الايام الماضية بتوزيع الحصة الغذائية لشهري فبراير/شباط ومارس/آذار المقبلين كما ستتم خلال ايام توزيع حصتي أبريل/نيسان ومايو/آيار، وبهذا توفر خزينا لاكثر من أربعة أشهر لكل عائلة عراقية من المواد الغذائية الرئيسية... ولذلك فإن العوائل انصرفت خلال الايام الماضية الى تخزين النفط والغاز السائل كما ذهب بعضها الى اقتناء المزيد من الفوانيس.
وعلى نحو غير مألوف سابقا، بدأ العراقيون حملة لحفر آبار مياه في المناطق السكنية، إذ تشترك كل ثلاث دور او اربع في حفر بئر في الحديقة المنزلية لاحدهم مع توفير معدات سحب المياه منه بطريقة ميكانيكية. هذا وانتشرت في الاسواق العراقية على نحو غير مسبوق اجهزة منزلية لتصفية وتنقية المياه واخذت بعض العوائل باقتنائها. عبدالله نوري محامي متقاعد يقول: «ان استهداف الطائرات الحليفة في حرب 1991 لمنظومات شبكات المياه والمجاري تسبب في اوضاع متعبة للناس، الآن نحاول قدر الامكان بحفر هذه الآبار ان نتلافى النقص الذي يمكن ان يحدث اذا ما اصاب شبكة المياه الضرر».
وكان العراقيون خلال الاشهر الماضية وفروا قدرا من الفواكه الجافة والبقوليات بالاضافة الى بعض الادوية الرئيسية. كما اتجه بعضهم الى توفير حتى الدومينو والطاولة، ويقول أبوسمير مبتسما:«لقد ساعدتنا هذه الوسائل في تحمل ظروف الحرب العام 1991». وكانت امتحانات منتصف العام الدراسي بدأت مبكرا وللمراحل كافة (من الابتدائية وصولا الى الجامعة)، ومن المنتظر ان تسارع العوائل العراقية بانتهائها بعد اسبوعين من التحضيرات الاساسية كافة لمواجهة ظروف الحرب المنتظرة.
اما على المستوى الرسمي، فلم يكتف الجهد الحكومي بتوفير سلة الغذاء للشعب، بل انتقل الجهد الى ترتيب أعمال الدوائر الرسمية للاستجابة لطوارئ الحرب، والاهتمام الواضح بشبكات الدفاع المدني، وتوزيع واجبات خطط الطوارئ التي وصلت الى حد اقتناء وسائل الإنارة البديلة التي لم تستثن الفوانيس. ويقول المعنيون ان خطة الطوارئ التي أخذت تطبق في كل الوزارات العراقية لن تقتصر على مجرد تواصل الوجود الحكومي العراقي في ظروف انقطاع وسائل الاتصال والمواصلات، بل تتعدى ذلك الى اعتبارات مهمة للحكومة العراقية تأخذ في الحسبان تجربة حوادث ما بعد الصفحة العسكرية في حرب 1991.
وترى مصادر مطلعة ان الخطط العراقية للطوارئ ستحاول التقليل - الى الحد الأدنى الممكن - من خسارة خطوط الاتصال والمواصلات ببدائل عراقية، سبق وان تم التدريب عليها خلال تقسيم العراق الى مناطق تُحكم كل واحدة منها من قبل عضو في قيادة حزب البعث وقائد عسكري كبير، ومنظومة من الوسائل اللوجستية التي تعوض في إدارة هذه المنطقة من دون الحاجة الى قرار من بغداد، فضلا عن تقليل عدد الأفراد الذين لهم صلاحية إصدار الأوامر وتكوين منظومة اتصال فيما بينهم عبر الاتصال الشخصي، فأجريت عدة تمارين ميدانية على هذا الطراز من القيادة الميدانية التي قسمت العراق الى منطقة شمالية، ومنطقة جنوبية، ومنطقة غربية وأخرى شرقية فضلا عن منطقة بغداد. الآن - على ما يبدو - يتم توسيع التجربة عبر تقسيمات أقل حجما وأوسع عددا.
وهذا ما صارت تلامسه اللقاءات الأخيرة الموسعة التي أجراها الرئيس العراقي صدام حسين مع نجليه قصي (المسئول على قوات الحرس الجمهوري) وعدي (المسئول على قوات الفدائيين)، وهي تنظيمات شبه عسكرية، ومع أركان الجيش وقياداته العليا. وفي خانة التحضيرات التي شرعت بغداد - ميدانيا- بإجرائها، تكثيف «جيش القدس» من تدريباته وانتشاره في داخل المدن العراقية، بينما قامت كوادر حزب البعث الحاكم في العراق بتدريب عناصرها على اسلوب حرب العصابات، الامر الذي يعني ان القيادة العراقية تفكر في مقاومة طويلة الامد للقوات الاميركية، اذا ما فكرت بغزو الاراضي العراقية وجرها الى حرب المدن اذ يمكن ان يدور القتال من شارع الى شارع ومن دار الى دار. واذا كانت لقاءات الرئيس العراقي خرجت من إطار المناسبة التي تمت بها أو بسببها، وهي تقديم التهاني بالعيد الـ 82 لتأسيس الجيش العراقي، لاعطاء التوجيهات للجيش وللميليشيات العسكرية الاخرى (جيش القدس وفدائيو صدام) كل حسب اختصاصه ودوره في المواجهة المتوقعة، فإنه من جانبهم حرص الضباط على إشاعة الاطمئنان لدى الرأي العام العراقي بأن جنودهم قادرون على مقاتلة الآلة الحربية الأميركية وإن كانت متفوقة عليهم تقنيا في مجال الطيران والصواريخ، مذكرين باستراتيجية ميدانية مفادها أن أي معركة لا تحسمها سوى القوات البرية والمشاة. وأكد الضباط، أن قدرتهم على المقاومة عالية وأنهم لن يفرطوا في عقيدتهم القتالية أمام الهجوم الأميركي المتوقع.
ولاحظ المراقبون ان الاتجاه العام لاسلوب المواجهة العراقية للقوات الغازية يقوم على ان تقوم كل قوة من هذه الميليشيات بدورها وفق اختصاصها وبالتنسيق والاسناد من الاخرى، إذ تم تشكيل قوات طوارئ في كل شارع ومنطقة سكنية لمواجهة أي حالة او متغير طارئ ومعالجته على الفور. وتزامنا مع هذا التطور، شهدت عدة مدن عراقية تظاهرات لاستعراض القوة نفذتها قوات طوارئ محلية وأجهزة حزبية، في عملية غير مسبوقة تهدف إلى توجيه رسالة واضحة مؤداها أن الجبهة الداخلية مهيأة للطوارئ والتطورات المرتقبة. وقد عكست خطة الطوارئ حجم الاستعدادات العراقية والجو النفسي المحتسب الذي يستجيب للتصعيد الأميركي
العدد 130 - الإثنين 13 يناير 2003م الموافق 10 ذي القعدة 1423هـ