العدد 130 - الإثنين 13 يناير 2003م الموافق 10 ذي القعدة 1423هـ

أوبريت «خيول الفجر»، محاولة لتقديم شيء مختلف

أثار أوبريت «خيول الفجر»، المقدم ضمن فعاليات مهرجان (الجنادرية) الثامن عشر في السعودية، الكثير من الجدل، والكثير من الآراء المختلفة حد التضاد، فيما الصحافة السعودية اعتبرته بمثابة «الخطأ الذي لا يُغفر» للمخرج السوري نجدت أنزور الذي قدم الرؤية الإخراجية لهذا الأوبريت.

القراءات النقدية المقدمة للعمل، ركزت في كلها - تقريبا - على السلبيات، وبشكل جعل العملية النقدية وكأنها موجهة شخصيا ضد أنزور، فيما الرؤية النقدية الموضوعية غابت عن الكثيرين، ما خلق سياقا نقدويا جعل أنزور يرد عليه ضمن حلقة استضافته على الهواء مباشرة في التلفزيون السعودي.

العمل يمكن قراءته من زاويتين مختلفتين، وضمن مستويين: الجنبة الموضوعية، والجنبة الفنية.

موضوعيا، قدم الأوبريت وجهة نظره عن القضايا العالقة عربيا وإسلاميا، وخصوصا عن موضعتي الإسلام وعلاقته بالغرب من جهة، والإسلام والغرب من جهة ثانية. هاتان الموضعتان، جاءتا ضمن إطار مسرحي، لكنهما على رغم اتصالهما بالعمل مسرحيا، فإنهما أتتا منعزلتين عنه بعض الشيء. كون الجنبة الموضوعية شكلت ضغطا وعبئا على المخرج وعلى رؤية العمل الفنية، وجعلت العمل فنيا مرهونا لها. هذه الرؤية الموضوعية أعدها الشاعر السعودي عبدالرحمن العشماوي، واشترك في كتابة المشاهد كل من: محمود عبدالكريم، ومحمود أبوالعباس، ونديم صوالحة، والسيد حافظ. وعلى رغم اشتراك خمسة كتاب في كتابة النص الدرامي، فإنهم ظلوا مقيدين بالنص الشعري الذي أعده العشماوي، محاولين قدر الإمكان الإفلات من الارتهان إليه، وخصوصا في مشهد «عائدون» الذي كتبه محمود عبدالكريم.

هذه الرؤية الموضوعية، ارتهنت لخطاب سياسي قدم ضمن قالب مسرحي، ما جعلها تعتمد الخطابية، والمباشرة، وتضمين الرسائل السياسية، وخصوصا أن العمل يقدم ضمن جو ومناخ دولي عام ضاغط، إلا أن هذا المناخ كان بالإمكان تجاوزه لو أوكل العمل لشخص أو شخصين فقط يقدمان النص الدرامي للعمل، بعيدا عن الإرباك الذي تسببه كثرة الكتاب واختلاف رؤيتهم للمسرح وأسلوب تعاطيهم مع القضايا.

شعر العشماوي الذي قدم «إنشادا»، من قبل السعودي محمد عبده، والسوري صباح فخري، والكويتي أحمد الحريبي، والمصري - لم يحضر - محمد الهلباوي، هذا الشعر وازاه شعر محمود درويش، الذي قدمه الفنان جهاد الأنذري الذي لعب دور مواطن فلسطيني يتحاور مع جندي إسرائيلي «زيناتي قدسية»، ضمن مشهد «مبادرة السلام»، اذ حضرت نصوص محمود درويش «حالة حصار» أساسا في هذا المشهد.

حضور مقاطع من «حال حصار» لدرويش جعل السؤال يذهب الى الاختيار الشعري المنشد أي الى نص العشماوي، ومدى مقدرته على أن يشكل «أساسا» للعمل، وماذا لو استبدل بنص درويش؟، الأمر الذي كان من الممكن أن يخرج النص الدرامي من مأزقه.

فنيا، كان العمل يقدم مسرحا حيا، وإن كان مختصرا، مقتصرا على عناصر محددة من عناصر المسرح، وهو أقرب ما يكون لـ «البانوراما المسرحية».

اعتمد أنزور على مجموعة من الفرق الشعبية الراقصة من: فلسطين، وأذربيجان، وإندونيسيا، والمغرب. أما الأدوار فقدمها: محمد الجندي، ويوسف المقبل، وأنطوان كرباج، ومروان أبوشاهين، وراشد الشمراني، ونديم صوالحة، وجهاد الأنذري، وزيناتي قدسية.

الممثلون أدوا أدوارهم على خشبة المسرح، فيما كانت الشاشة السينمائية خلفهم تعرض مشاهد لخيول عربية أو لقطات تتناسب والمشهد المقدم.

لا يمكن أن يقرأ العمل بكثير من النقدية، كون الجانب الفني أتى مكملا للجانب الموضوعي، وليس العكس، لذلك فقد العمل كثيرا من مقومات المسرح. وحتى أداء الممثلين كان يفتقد لانفعالات المسرحي، وتمثلاته للشخصية وتقمصه لدورها، عدا مروان أبوشاهين، الذي أجاد الدور عبر انفعالاته الجسدية والصوتية. فيما كان أداء أنطوان كرباج خطابيا وعظيا.

العمل تكون من أربعة مشاهد: سمرقند، عائدون، قصة بوابتين، مبادرة السلام. وكان مشهد «عائدون» أفضل المشاهد من حيث الأداء والترابط بين النص المكتوب والمشهد المسرحي. الفرق الراقصة، كان حضورها سلبيا ولم يقدم الى العمل إضافة تذكر، كونها لم تكن مرتبطة في حركتها جسديا بالموضوع من جهة، والطبيعة الدرامية للنص من جهة ثانية. وأتت ضمن رقصاتها «المتصوفة» أقرب الى الابتهال منها الى حال القوة والاستعداد. أضف الى ذلك كون هذه الفرق أتت غير متجانسة مع بعضها من جهة، وفاقدة لكثير من عناصرها من جهة أخرى، وخصوصا الحضور الأنثوي.

موسيقيا، غابت الموسيقى عن العمل، واقتصر حضور الآلات الموسيقية على «الدف» فقط، وبعض المؤثرات الصوتية، واستخدمت في بعض المقاطع «البلي باك».

الاقتصار على الدف، حوّل العمل من عمل غنائي، الى عمل إنشادي، كان فيه أداء المنشدين ضمن طبقة «ربع النوطة» في معظم الأوقات





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً