العدد 129 - الأحد 12 يناير 2003م الموافق 09 ذي القعدة 1423هـ

آن الاوان لثقافة وطنية تجمع ولاتفرق

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

ليت الجميع يستمع لحديث جلالة الملك حول احداث رأس السنة الميلادية ويتوقف عن التصريح بما لا يخدم البحرين وأهلها. وليت أصحاب السياسية في جمعياتنا السياسية يفهمون مسألة بدت واضحة للعيان، أن هناك طبقة عازلة من المتشفعين يهمهم كثيرا تلك القطيعة أو شبه القطيعة ما بين الجمعيات والسلطة، وإن هناك أناسا استغلوا ضعف التواصل واللقاء المفتوح ما بين كل رمز وطني والسلطة فراحوا يهمسون بتلك النغمات الخطيرة طمعا في عودة الماضي واستثمارا لبقية تجاراتهم التي ما بنيت الا على حساب قطع تلك العلاقة.

فمن عقدت نطفته عبر قانون أمن الدولة فإنه يحن إليه «فإن العرق دساس».

اننا بحاجة إلى مثقفين متوازنين وسياسيين حكماء يزنون الامور بطريقة معرفية، علمية قادرة دائما على ضبط ايقاع الخطاب والاداء السياسي بما يصب في تمتين وتعميق تجذير العلاقة ما بين المجتمع وخصوصا الطبقة المثقفة الواعية وجلالة الملك. لان جلالة الملك اثبت وعلى طول الخط سعة الصدر واحتضان الجميع، فهو الرمز الوطني الذي يمكن ان يلتقي امامه الجميع بمن فيهم السلطة. لهذا ادعو الطبقة المثقفة الواعية ان تخطف المبادرة في تمتين علاقتها مع جلالة الملك، وتزيدها ارتباطا ورسوخا، اولا: لما في ذلك من خدمة للوطن ولان الملك هو الرجل الذي استطاع ان ينقل البلاد نقلة نوعية إلى بر الامان وثانيا: لاحتياج الامة إلى مترافعين اكفاء يمتلكون هم المجتمع ونبض الشارع ونحن لا نعدم مثقفين وكتابا ونوابا من الشعب البحريني قادرين على اداء مثل هذا الدور. وثالثا: لقطع الطريق على الوشاة الذين يحاولون دائما النفخ في نار الفتنة وكما يقول المثل العربي «رب ضارة نافعة» كما حدث في شارع المعارض. فلعل المنفعة الاولى هي كشف الزيف الثقافي لدى بعض الكتاب والمثقفين الذين ساهموا في كشف ما يبطنونه - ليس من طائفية - لا نهم لا يمثلون طائفة بعينها. مازلت اصر على تلك القناعة ان الانسان العنصري لا يمكن ان يحسب أو ان يقبل من اي طائفة لهذا الفهم بهذا الموقف العنصري الاستعدائي في إلقاء التهم جزافا، اصبحوا منبوذين من الجميع لان المجتمع، كل المجتمع، تفاجأ بحجم تلك الحجارة العنصرية التي القيت عبر الصحافة تماما كتفاجئه بحجم التكسير والتخريب الذي حدث في شارع المعارض، لهذا جاء الاستنكار من الجميع ومن كل المثقفين، فهم هؤلاء العنصريون محرجون من الجمعيات السياسية، والجمعيات المدنية ونبض الشارع وحتى من ورش العمل التي عقدت سواء من المؤسسات الحقوقية أو الاجتماعية التي اتفقت كلها ان الحادث اجتماعي ثقافي بحت وليس ذا بعد سياسي، وخيرا فعلت جمعية الاجتماعيين البحرينية عندما عقدت تلك الجلسة الحوارية النخبوية وعندما قامت بدراسة الموضوع من جوانبه الاجتماعية والثقافية فهي بذلك احرجت كل من حاول ان يعطي الحدث بعدا تآمريا أو فئويا ذا نكهة مؤدلجة بايقاع قروي أو مدائني خاص. هذه قرائتي لرؤية الجمعية وان لم تقصد إحراج أحد ولكن كل هذه الورشات وهذه الجمعيات أثبتت موقفها الوطني الواضح من عدم قبولها تجيير الحدث باتجاه عنصري نفعي شوفيني. واظن ان الكثير أصبح أمام مساءلة الناس والجمعيات والنخب بعد ظهور مزيد من الحقائق وذلك بعد اكتشاف ان بعض المتهمين أو الموقوفين هم من الجالية الباكستانية والعمانية والسعودية والتي غابت صورهم من على صفحات الصحافة البحرينية في اليوم الاول ولم تخرج اسماء بلدانهم الا على استحياء بعد أيام من تشبع الجو بالعزف الاتهامي العنصري وخصوصا بعد غياب صور أبناء الاغنياء، لأنه من الغريب والملفت للانتباه ان الطبقة الاستقراطية والتي عرف بها شارع المعارض غابت تماما عن الحدث ولو بإشارة في الصحيفة.

لست هنا في مقام التشكيك بقدر ما انا محبط من هذا التعاطي الفج. الآن أصبح عندنا كتّاب يمتلكون صلاحية جديدة ايضا تخولهم بالتحدث حتى عن كبار المسئولين في الدولة، حتى لو كان كلامهم وراءه إحراق وطن بأكمله. ولا أعلم كيف سمحوا لانفسهم بالتحدث نيابة عن الدولة؟ فكان من الاولى توزيرهم ماداموا على هذا المستوى من الكفاءة التي لا تخفى على احد وخصوصا في لغتهم «الجميلة».

ولكن بعد كل ما حدث وبعد شعور الجميع بوجود طبقة مثقفة عنصرية مازالت منبثقة وهي عبارة عن ترسبات مرحلة أمن الدولة، بعد شعور الجميع بذلك وجب الآن تكاتف مثقفي الطائفتين لتعرية أي خطاب فئوي من أي كان وفضح كل ممارسة قائمة على النزعة العنصرية وتعمل على اللعب الفئوي على حساب مصلحة المجتمع. وكل الرهان يقع على الشباب التوعوي المثقف الذي لا يرى في الجنس والانتماء الايديولوجي ميزة في الغاء أو تبني الآخرين. وهذه الثقافة يجب ان تبلور عمليا في كل حياتنا وفي اداراتنا ووزاراتنا، ويجب ان يفضح كل توجه يدعو إلى الطرح الطائفي من أي طرف كان، فالطائفيون يجب فضحهم عبر الصحافة والإعلام ويجب كشف كل أساليبهم وتعرية كل حركاتهم لانهم يخطئون في حق الطائفتين الكريمتين. فليس من صالح المجتمع كل هذه الدعوات التجزيئية والتقسيم الحاد. فالمصلحة الوطنية تقتضي نشر ثقافة الحب الوطني والوئام الانساني القائم على تكافؤ الفرص والمواطنة الحقيقية. فمن كان كفؤا ووطنيا مخلصا يجب احتضانه وتكريمه. فالوزير الطائفي من أية طائفة يجب فضحه. ولنعلم ابناءنا وشبابنا واجيالنا الطالعة ان الاسلام أكبر وأعظم من كل هذه التقسيمات التي لم يأكل منها المسلمون الا الفرقة والشتات.

فنحن بحاجة إلى استقطابات ثقافية من كل الاطراف لبراليين أو اسلاميين شورى أو نوابا، شيعة أو سنة، وزراء أو فلاحين يقومون على دعم مشروع المواطنة القائمة على الكفاءة والاخلاص الوطني وليست القائمة على الانتماء العائلي أو المحسوبيات ويجب ان يقوم هذا التوجه على مواجهة كل من يعمل على تقسيم المجتمع فيتصدى هؤلاء بالقلم والكلمة والمؤسسة. ونحن في المجتمع البحريني لا نعدم وجود شباب ثقافي جديد يطمح في خلق مواطنين جدد متنورين يحترمون انسانية الانسان وثقافته وولاءه واخلاصه الوطني مهما كان انتماؤه.

وهؤلاء وجدتهم وان كانوا مغيبين تحت أستار تلك القطط المنتفخة والنائمة أمام أوساخ الطائفية الا انهم يمتلكون هذا الطموح التصحيحي ويحملون همه، ومازالوا يعملون باتجاه خلق مثل هذا التيار. ونحن هنا في البحرين وبدعم من الملك سنعمل على خلق تيار متوازن مثقف وطني غير مؤدلج باديولوجيات حزبية ومن جميع الفئات لكي يقوم بتصحيح المسار والصورة القاتمة السابقة التي زرعتها تلك الاقلام الشزفرينية الانفصامية أو تلك الكتابات القائمة على عقدة الانتماء وغياب الهوية وضياع الجذر بحثا عن اصطياد انتساب عربي هنا أو هناك. وهذه يجب الا تصبح عقدة عند الانسان وان ضعفت لغته أو لهجته فالله تعالى يقول: «ان اكرمكم عند الله اتقاكم» سورة الحجرات: (13) فالانسان يقيّم بضميره، بانسانيته، بوطنيته، بثقافته، بمواقفه، فالجغرافيا التاريخية لا يمكن فرضها بالقوة فالجغرافيا قاهرة فمنا من ولد بين أحضان نخلة عربية، ومنا من ولد في ميناء أو على ساحل بحر وكل هذه الولادات يجب ان لا تشكل عقدة عندنا ويجب ان نخفف من حدتها فالانسان كلما بالغ في نزعها من ذاته بالغ في لصقها إلى نفسه.

دائما ما أردد وأقول: «إن الشعب البحريني سيبقى بخير ما دام مبتعدا عن أولئك المثقفين العدائيين وكلما افشل الشعب هذه الطبقة سيبقى المجتمع محتفظا بلآلئه وجواهره واصدافه». وما ردود الفعل التي حدثت والمكالمات المتنوعة المتتالية سواء للصحافة أو الاذاعة أو التلفزيون منددة بتلك الكتابات العزلاء الا دليل على ان الشعب البحريني مدرك وواع لتلك التنويمات القطبية التي يعيشونها.

وأقول القطبية لاني على يقين من ان هؤلاء - حقيقة - ينامون تسعة أشهر كالحيوانات القطبية، ويستيقظون على قرع طبول الفتنة... ولعل القضية لا تحتاج إلى عمق ذكاء فمن يقرأ لهم يجد حجم اجترار الافكار المستهلكة التي عادة ما يلفظها الجسد الثقافي للقارئ وحجم الاجترار الشخصي القائم (عادة) على القصص الشخصية، كـ (شخص اتصل بي، رأيت في الانترنت، وصلتني رسالة و... واحد يتكلم عن اطباق وليمة جلس يأكل منها في ضيافة صديق).

والاشكالية والنقد ليس في القصة او الاتصال فذلك ليس عيبا ولكن المشكلة تكمن في انك تريد ان تخرج من كل ما قيل بفكرة او فائدة فلا تجد غير اجترار أفكار شخصية. فإن أمثال هؤلاء يجن جنونهم يوم يرون حادثا مثيرا كالحادث التخريبي في شارع المعارض وهنا تقف لتضحك على حجم التحليلات «العملاقة»، وذلك الفيض من التعليمات... ولكن وبعد كل الذي حدث وكل النفخ بدأت تتكتشف قضايا وقضايا وراح المجتمع البحريني باكيا ومتألما وهو يكتشف حجم ذلك المخزون (السادي والنازي) في قلوب هؤلاء المثقفين الأميين وكيف كانوا يريدون توريط الناس في لعبة قذرة بدأوا هم انفسهم بالتبرؤ منها عندما اكتشفوا ان الحدث صبياني بحت وليس محسوبا على احد والا كيف سيقنعون الناس ان هناك فئة وراءها وقد تكشفت الاخبار سراعا ان من المتهمين سعوديين، وعمانيين، وباكستانيين فهل هؤلاء ايضا من القرى أو مشحونين بعقد الاضطهاد (البرانويا)؟

ولكن للاسف الشديد كل هؤلاء غيبت صورهم منذ الايام الاولى وتلك لعنة السياسة وخستها ووضاعتها إذ راحت تنشر صورا لاناس ولما يقاضيهم القضاء وراح آخرون يلعنونهم في الملأ ومن ثم بكوا عليهم عندما قال الحقوقيون كلمتهم وراح أناس يتمنون قطع أيديهم وأرجلهم في حين تغافلوا عن ان هؤلاء مازالوا متهمين، ونسوا ان هناك متنفذين سرقوا ملايين الدنانير، هربوا ثم عادوا ولم نسمع عن آيات قطع الارجل والايدي ولربما هذا لا يعد افسادا ولله في فتاوي الخلق شئون.

لست أدافع عن التخريب فهو مدان ويجب ان لا نبرره ولكن كل ذلك شيء وخلط الاوراق والعنصرية شيء آخر وليس كل من وضعت صورته مجرما مادام القضاء لم يقل كلمته والدليل ان منهم من ثبت عليه ومنهم من مازال التحقيق مستمرا معه واتمنى - ونحن في عهد الشفافية - ان تفصح الحقائق عن الجميع بمن فيهم - العمانيون والباكستانيون والسعوديون - وان يقدم عذر لاصطياد صور خاصة عرضت في الصحافة وغيبت صور هؤلاء اصحاب الجنسيات الاخرى فهل ذلك من استحقاقات المواطنة؟ لا أعلم. وان ما ظهر على السطح أقل بكثير مما هو باطن

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 129 - الأحد 12 يناير 2003م الموافق 09 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً