العدد 129 - الأحد 12 يناير 2003م الموافق 09 ذي القعدة 1423هـ

كينيا تكرس ديمقراطيتها

علي العبدالله comments [at] alwasatnews.com

.

قادت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الكينية يوم (27/12/2002) ونجاح المعارضة في كسبها، إلى تثبيت قاعدة تداول السلطة، التي مهدت لها التعديلات الدستورية التي أقرت في العام 1991، إذ حل التحالف الوطني رينبو (قوس قزح) المؤلف من 12 حزبا وشخصيات انشقت عن حزب الاتحاد الوطني الافريقي الكيني (كانو) الحاكم، محل الحزب الحاكم منذ الاستقلال في العام 1962.

تعهد الرئيس مواي كيباكي بإحداث تغيير في البلاد، وبالقضاء على الفساد، آفة حكم الرئيس السابق الذي امتد 24 سنة، وبألا يكون الفساد اسلوب حياة في كينيا بعد الآن، وبجعل محاربة الفساد اولوية مطلقة.

فهل ينجح؟.

تسلم الرئيس كيباكي، ثالث رئيس للبلاد، تركة ثقيلة، حيث ثلاثية الفساد والجريمة والفقر، تفتك بالبلاد والعباد، وحيث سوء الادارة والتباعد بين الشعب والحكم، وبين اهتمامات الطبقة السياسية وطموحات الشعب سمة السياسة الرسمية.

خرجت كينيا من تحت الاستعمار البريطاني العام 1963 بإرث سياسي تمثل في نظام حكم برلماني ونظام اقتصادي رأسمالي، بالاضافة إلى وحدة اقتصادية مع جارتيها تنزانيا وأوغندا.

غير ان النظام الكيني، وخلال عقد ونصف العقد من الاستقلال، قوض وحدتها الاقتصادية مع جارتيها وأفرغ النظام البرلماني من محتواه عبر اعتماد نظام الحزب الواحد، لكن من دون تبني الشعارات الاشتراكية، كما حصل في دول اخرى، اذ لم يبال بدعاوى الاستقلال ورفض التبعية، بل ظـل يتبنى الرأسمالية غير المنضبطة، ولم يمانع في استضافة القواعد العسكرية الاجنبية والتعايش مع المصالح الخارجية، لم يطرد المستوطنين الاوروبيين ولم يؤمم المصالح الاجنبية، بل بالعكس حافظ على صلاته بالمتروبول (الدولة الأم) وأبقى على كثير من الموظفين الاستعماريين، القضاة خصوصا، وفتح اسواق البلاد للاستثمارات الاجنبية. لقد احتضن الامبريالية والرأسمالية وانحاز للمعسكر الغربي في الحرب الباردة. وقد جلبت له هذه السياسة المعونات الخارجية السخية والاستثمارات والدعم لنظامه السياسي والمناصرة ضد منافسيه الاقليميين.

لقد حوّل النظام الكيني، باتباعه الرأسمالية نهجا والفساد اسلوبا، كينيا إلى جنة للاجانب وجحيما لأكثر اهل البلاد الذين تعيش غالبيتهم حياة هي اقرب إلى الرق منها إلى الحرية في ظل عجز في الموازنة، تدهور في الناتج القومي، انهيار العملة الوطنية، ارتفاع اسعار الفائدة، تصاعد معدل التضخم، انهيار البنية الاساسية، وانكماش المساعدات الخارجية، إذ ادى الفساد وجرائم الكسب غير المشروع إلى امتناع الدول المانحة وصندوق النقد الدولي عن تقديم قروض أو مساعدات لانقاذ كينيا من الفقر، الفقر الذي جعل نسبة وفيات الاطفال في كينيا من اعلى النسب في العالم. كل هذا قاد إلى تآكل شرعية النظام وإلى انهيار الاستقرار السياسي، خصوصا بعد استخدام النظام للصراعات العرقية بتحريض قبائل الوادي المتصدع بعضها على بعض، باعتبارها وسيلة سياسية، وحصول اضطرابات اقتصادية (اضرابات واسعة).

لذلك شكك نقاد كثيرون في قدرة الرئيس كيباكي البالغ من العمر 71 عاما، على اعطاء كينيا حياة جديدة، فأمام نجاحه عدة تحديات كبيرة اولها التحدي السياسي اذ تفرض عليه بنية المجتمع الكيني القبلية (94 قبيلة) مراعاة الاعتبارات القبلية في قراراته السياسية وفي توزيع المناصب الرئيسية في الدولة، وخصوصا ان التحالف الذي أوصله إلى السلطة يعاني من نقاط ضعف خطيرة: انه لم ينجح إلا بعد ان ضم كثيرا من المنشقين حديثا عن حزب كانو، ان ما يجمع قواه - على رغم اعلانه ان ما يحركه هو الرغبة في تغيير كينيا بالقضاء على الفساد وتحسين الخدمات العامة واعطاء الشعب دورا اكبر في ادارة البلاد - الرغبة في التخلص من حزب كانو الحاكم. وهذا سيعقد عملية تشكيل حكومة ترضي كل اطراف التحالف ويثير مخاوف من حصول انفجار صراعات داخلية كبيرة بين اطرافه. وثانيها التحدي الاقتصادي، فإن مواجهته تحتاج إلى ادارة حكيمة لحملة مكافحة الفساد في الجهاز الحكومي والاداري للدولة، إذ يصعب ان يوجد سياسي في كينيا لم ينغمس في الفساد بما في ذلك الرئيس (سبق وشغل مناصب وزارية: التجارة، المالية، الداخلية. كما أمضى 10 سنوات نائبا للرئيس السابق، ويعتقد أنه واحد من اغنى السياسيين في كينيا، له استثمارات في الفنادقوالتأمين والزراعة) وأكبر أنصاره - من هنا يمكن فهم اعلانه ان من الافضل غض الطرف عن كل الاخطاء الانسانية الحاصلة في الماضي والتطلع إلى الامام، إلا ان التغاضي عن بعض المسائل المتعلقة بأعمال او سياسات متعمدة مستمرة انعكاساتها الخطيرة اليوم سيكون امرا غير عادل - كما يحتاج إلى تفهم الدول المانحة وصندوق النقد الدولي لظروف المجتمع الكيني وضرورة تقديم المساعدات الاقتصادية لتمكين مسيرة النظام الديمقراطي، إذ ثبت انه لابد للتحول الديمقراطي من اساس اقتصادي واجتماعي متين يحول دون وقوع اضطرابات اجتماعية تضطر معها السلطة السياسية إلى اجراءات القمع والقهر لضمان استمرارها في الحكم

العدد 129 - الأحد 12 يناير 2003م الموافق 09 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً