العدد 129 - الأحد 12 يناير 2003م الموافق 09 ذي القعدة 1423هـ

مجرد سؤال

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كيف يمكن قراءة سياسات حكومة عبدالله غول التي يسيطر عليها نواب حزب «العدالة والتنمية» الاسلامي؟ حتى الآن من الصعب تصنيف تلك السياسات ووضعها في زاوية محددة. يمكن القول انها حائرة أو ضائعة بين خيار الهوية (المجتمع الاسلامي) وشروط الدولة ( المجلس العسكري الاتاتوركي الحاكم). الهوية تضغط نفسيا باتجاه البحث عن بدائل عن الاتحاد الاوروبي والتحالف مع اميركا دوليا و«اسرائيل» اقليميا. والمجلس العسكري يهدد مصلحيا بأن استراتيجية الدولة ومصالحها اقرب إلى اوروبا من العالم الاسلامي. فأنقرة، كما يرى الضباط الاتاتوركيون، ربطت امنها القومي منذ 50 سنة بالحلف الاطلسي ورهنت مستقبلها السياسي بالدعم الاميركي والعلاقات العسكرية الخاصة بآلة الحرب الاسرائيلية. فالدولة «العلمانية» مستفيدة من حاجة اوروبا حتى لو رفضت دولها انضمام تركيا إلى الاتحاد. وهي مستفيدة من تحالفها مع الولايات المتحدة لأن الاخيرة تضغط على الاتحاد الاوروبي لقبول عضويتها. و«اسرائيل»، الحليف الثابت لواشنطن، تلعب دور الوسيط بين المثلث الاميركي - الاوروبي - الاطلسي فهي مستفيدة من أنقرة تجاريا (صفقات دبابات وصيانة طائرات). وأنقرة محتاجة إلى تل ابيب لأن الاخيرة تتمتع بنفوذ خاص في الادارة الاميركية (البيت الابيض والكونغرس) يعطي تركيا حصانة سياسية لمواجهة خصمها التقليدي المتمثل في اللوبي اليوناني. العالم العربي - الاسلامي يشكل بالنسبة إلى المجلس العسكري الحاكم نقطة ضعف لمصالح انقرة، وأية خطوة يتخذها حزب «العدالة والتنمية» باتجاه تحسين العلاقات مع العرب ودول الجوار الاسلامية يراها ضباط اتاتورك خطوة سلبية إلى الوراء. فهي ستكلف تركيا الكثير مقابل كسب القليل.

المجلس العسكري تحرك اخيرا ووجه انذارات ضد حكومة عبدالله غول. فحزب الاخير تحرك سياسيا ورسميا باتجاهات متعاكسة تخالف النهج العام لمصالح الضباط. وحكومته فتحت سلسلة خطوط على اكثر من جبهة: زار عواصم اوروبا، وفتح قنوات الحوار مع اليونان، ودق باب اكثر من عاصمة عربية، وأخيرا ارسل من يمثله إلى بغداد للبحث في مصير المنطقة عشية حرب تهدد اميركا بإشعالها.

كل هذا يعاكس مصالح المجلس العسكري الحاكم. فالاخير يقرأ مستقبل تركيا من زاوية مختلفة ومخالفة للنهج العام لحزب رجب طيب اردوغان وحكومته على رغم ما قدمه رئيسها عبدالله غول من تنازلات اساسية على حساب المبادئ.

إلا ان المجلس العسكري يفكر بعقلية «الثكنة» لا المجتمع، ويرى ان مصلحة تركيا (الدولة) هي الوقوف إلى جانب التحالف الاميركي- الاسرائيلي للضغط على اوروبا وادخال انقرة عنوة إلى الاتحاد. والوقوف جانبها في الحرب على العراق لنيل حصة أو لكسب قطعة ارض غنية بالنفط تسهم في حل مشكلات الاقتصاد.

حكومة عبدالله غول تقرأ المصالح التركية بعقلية المجتمع (الهوية) لا من زاوية «الثكنة العسكرية». فالحزب الحاكم على رغم حيرته وضياعه بين العرب والغرب وميله نحو تفضيل اوروبا على دول الجوار الاسلامية، فإنه يدرك ان دخوله في الحرب على العراق خطوة تدفع تركيا نحو المجهول. فأنقرة لا تمتلك ضمانات ثابتة لموقعها ودورها ومستقبلها «الاوروبي»... وكذلك لوحدتها الداخلية القلقة والممزقة بين العمق الاناضولي (الشرقي) والجناح الاوروبي (اسطنبول) وانكشافه امام الغرب.

والسؤال: اين ستقف حكومة غول ومعها حزب اردوغان في نهاية المطاف؟ الاجوبة حائرة وضائعة ومشتتة بين الماء والنار. فكل موقف له ثمنه.

اذا وقفت مع الحرب وفتحت حدودها لعبور القوات البرية الاميركية فإن مستقبل تركيا يصبح رهينا لحسابات واشنطن ومزاجها ومصالحها. فقرار ادخال القوات الاميركية اسهل بكثير من قرار اخراجها. اليوم اميركا بحاجة إلى قرار من انقرة للدخول... وغدا بعد دخولها تسقط تركيا من حساباتها الاستراتيجية وتصبح ثانوية في درجة اهميتها الامنية والجغرافية.

واذا لم توافق على الحرب ورفضت الدخول أو على الاقل امتنعت عن اعطاء اذن لعبور القوات الاميركية فإن واشنطن تهدد بوضع تركيا على لائحة «الدول المارقة»... وهي في معناها البعيد ان دورها سيأتي بعد الانتهاء من العراق.

ادارة البيت الابيض تقول انها تستطيع كسب الحرب على العراق من دون تعاون تركيا. المعركة ستكون اصعب وأعلى كلفة إلا انها مضمونة النتائج عسكريا وسياسيا حتى لو لم تقدم انقرة اية خدمة لوجستية.

انها مشكلة حين يقف السياسي بين خيارين: المصلحة أو الهوية... والمشكلة الاصعب حين نأتي إلى سؤال: هل جاء دور تركيا في لعبة تمزيق الدول التي تخطط ادارة الحزب الجمهوري في واشنطن لها؟ مجرد سؤال

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 129 - الأحد 12 يناير 2003م الموافق 09 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً