بعد حفل التكريم، وكشف أسماء الفائزين في مسابقة الإبداع الأدبي التي نظمتها جامعة البحرين، غزت أروقة الجامعة فكرة انشاء ورشة الإبداع الأدبي، متمثلة في النشرات والملصقات الإعلانية التي كانت لعباراتها القوية والجذابة القدرة البالغة على استقطاب عشرات من الأسماء التي أحبت أن تكون رديفة للمعنى الكبير المطروح، وقد أدار الورشة بجدارة وتميز مدير العلاقات العامة السابق في جامعة البحرين والناقد الأدبي محمد البنكي.
«تبحث عنكم ، تجري وراءكم ، تقتحمكم... غايتنا إبداعكم»، بهذه الكلمات، استهوى الطلبة دخول تجربة الورشة، ومنها قرأت الملامح الرئيسية للمشروع. هكذا كانت «الورشة» تبحث عن الطلبة المبدعين أدبيا، وتحفزهم للاشتراك في الورشة والانخراط في برامجها. انفتحت أمام الطلبة أبواب كانت موصدة، وفي منتصف الحلم تركتهم مبهوري البصر ببهرجة الكلمات، ولهيب الانفعالات، وطرح المقترحات وملء الدفاتر بها... واكتظاظ احلام وانكسار أخرى .
قد يكون غياب الورشة غيابا جماعيا من عدة أطراف، ولعل أسباب الغياب تتوزع بين انشغال أو تشاغل الطلبة أو القائمين عليها، وقد وصفها البعض بأنها الوليد الذي لم يكتمل نموه والغصن الطري الذي لم يشتد عوده، والبعض الآخر اعتبرها «سحابة صيف عابرة». وعن هذا الموضوع قمنا بإجراء لقاءات مع الطلبة الذين شاركوا في الورشة خلال فترة الفصل الدراسي الثاني من العام الماضي.
توقف قبل البدء...
هكذا اختصرت الطالبة منى الصفار، الوضع الحالي لورشة الإبداع الأدبي، واعتبرت أن الفكرة متميزة جدا بحد ذاتها، إلا أن التنفيذ لم يكن بمستوى الفكرة، فكما ذكرت لنا أن «الورشة كانت تعاني الكثير من الثغرات في التنفيذ أهمها أنها لم تمض في طريقها بناء على خطة معينة، وعلى رغم وضوح الكثير من المقترحات فإن هذه الفكرة لم يكتب لها النجاح نظرا إلى تزاحم الأفكار وفوضوية التنفيذ».
وتتفق معها في ذلك الطالبة هناء حسن إذ تبدي إعجابها الشديد بفكرة الورشة والمقترحات التي وضعت فيها، إلا أنها تبدي استياءها الشديد من التنفيذ. ومن جانب آخر يوضح لنا الطالب محمود المبارك رأيه مشددا فيه على أن ورشة الإبداع «ضرورة لابد منها وهي ليست فكرة جديدة ، انما هي ضرورة لتحريك الوسط الأدبي في أي مجتمع أو منظومة بشرية معينة للحصول على المزيد من النتائج الجيدة والمفيدة». ويعتقد أن «فوضويتها» ميزة في حد ذاتها، إلا أنها لم تعط فرصة في تشكيل نفسها واظهارها .
الهدف المزحوم...
وتذكر لنا موظفة قسم العلاقات العامة بجامعة البحرين والقائمة على تنظيم الورشة جنات علي محمد أن الفترة الوجيزة التي عقدت فيها الورشة لم تكن كفيلة بتحقيق جزء من الأهداف المطروحة، والتي من أهمها خلق مناخ ثقافي بين الطلبة من ذوي المواهب. وتقول جنات: «تنظيم الورشة انيط بدائرة الإعلام والعلاقات العامة، أو بالأحرى بموظفين منشغلين بالأعباء الوظيفية أصلا...». وقد شددت في حديثها على ان هناك سببا آخر وهو قلة حضور الطلبة ، إلى جانب أن الطلبة الموجودين يفتقرون إلى المعرفة الأدبية الناجعة بالقراءة والمتابعة في علم الأدب.
ويقول الطالب ابراهيم الشاخوري عن رأيه في مشاركته في الورشة: «ورشة الإبداع الأدبي لم تكن تمتلك اللياقة الكافية لتحمل الجري الحثيث في أروقة الروتين الإداري، كما أن اللقاءات المحدودة والمقتصرة في جامعة الصخير، تعتبر دافعا قويا لعدم تواصل الكثير من الأعضاء مع الورشة».
سحابة صيف...
ويواصل الشاخوري حديثه: «لم تكن الجمل والفواصل الاعتراضية أسبابا وجيهة ليقف الشعراء على أطلال ورشة الإبداع الأدبي. ان الأفق الفاصل بين الحلم والواقع هو المساحة التي تجري وتحاول الخلق والإبداع فيها، هذه المنطقة المحدودة لم يكتب لها أن ترسم لأن الورشة خفتت بسرعة». ويوضح الشاخوري بصراحة عن موقفه من الورشة بقوله: «حين أكون قاسيا في نقدي فأنا أنتقد ذاتي، لأني جزء من هذه الورشة، لهذا سأقول لم تكن الورشة بحجم الحلم، فقد كانت أشبه بسحابة الصيف التي تتفيأ ظلها في الرمضاء لكنها سرعان ما تزول...». ولم يكن باديا على محمود المبارك الرغبة حتى في الحديث عن تصوره وواقع الورشة فقد اختزل قوله في : «انها تجربة من الصعب مقارنتها بالتصور الموضوع مسبقا، ولكل تجربة ظروفها الخاصة».
وقد جاء حديث موظفة دائرة العلاقات العامة بجامعة البحرين دعاء شرفي، معقبا على ما سلف ذكره اذ تقول: «غياب المكان المحدد لإقامة أنشطة الورشة، والإجراءات الطويلة التي نحتاج اليها لحجز مكان أو قاعة محددة كل أسبوع أو اسبوعين هو من الأسباب الرئيسية لانخفاض حماسة المنظمين».
عودة الورشة...
في وقت تتزايد فيه الأمور تعقيدا والمواقف تأزما والظروف تضادا، يعود الإنسان الى نفسه مجددا يبحث عن فسحة أو ضوء جديد يبعث من خلاله ما تبقى من حطام ليكون أكثر واقعية ومرونة في التغلب على المشكلات، وفي هذا توضح الطالبة منى الصفار موقفها قائلة: «أعتقد أنه من الجميل أن نخلق روح التوثب لدى من كان مشتركا في الورشة وان نعطي للورشة فرصة للظهور من جديد، فلو ان التجربة أديت بشكل صحيح لكان لها عميق الأثر على كل مشارك فيها ابتداء بالمنظمين وانتهاء بالمشاركين».
ويؤكد ذلك الطالب محمود المبارك بقوله: «أحبذ أن يكون وجود أي ورشة مترافقا مع أنشطة عامة، كأصبوحات شعرية وجلسات وقراءات نقدية يحضرها عموم الطلبة من المهتمين وسينمح ذلك حافزا لنمو التجربة والإضافة إليها سواء من ناحية المشاركين أو جودة الإنتاج». بينما تبين الطالبة هناء حسن ان مدى امكان انشاء ناد أدبي متوقف على الطلبة أنفسهم ومدى جديتهم في السعي وراء انجاح هذا المشروع.
البديل...
يأخذنا الحديث معهم وهم يتحدثون عن كيفية إحياء الورشة من جديد، الى ان يرتبط الطلبة بصورة أو بأخرى بالمشروع البديل أو الرؤية الجديدة، الرؤية الشرعية للنادي المرتقب، فإذا كان سبب غياب ورشة الإبداع الأدبي هو اناطة أعمال الورشة بقسم العلاقات العامة غير المتفرغ أصلا، فهل يعجز الطلبة المبدعون عن إدارة ناد أدبي متفرد بأنشطته بينما يقوى على ذلك طلبة الأندية والجمعيات الأخرى؟ هل لأن النادي الأدبي «انسان شاحب» يقف في آخر الصف ينتظر من يعمل عنه تحقيقا أو تقريرا لينهض إلى الوجود؟ أم أن أعضاء الورشة لا يزالون بين الهواية والانشغال؟ أم أن مسألة تأسيس النادي لم تطرح بعد؟ هل تكون تجربة ورشة الإبداع الأدبي تجربة أولى تستحق أن تكون مؤسسا حقيقيا لتجربة أكثر نجاحا متمثلة في النادي الأدبي بإدارة طلابية... أم أن الورشة سحابة صيف لا تمطر في الشتاء...؟
العدد 129 - الأحد 12 يناير 2003م الموافق 09 ذي القعدة 1423هـ