كانت ليلة مضنية وشاقة، غصت فيها بين أوراق المنهج «الدراسي» العتيق، ومفاهيمه التي يتعذر على آينشتاين فك نصوصها وفهمها. كانت الساعة الثالثة والنصف صباحا، والامتحان في الثامنة صباحا، لذلك كان لابد من حدوث «معجزة» لأتمكن من مضغ المقرر الدسم وهضمه بالكامل.
حان الوقت المخيف، ووزعت أوراق الامتحان. تمتمت بالآيات والطلاسم، وقطعت عهدا على نفسي بألا ينزل سقف المطالب عن الـ «A» وليس سوى الـ «A» بديلا. قرأت السؤال الأول، كان فضفاضا... يبدو أنه سؤال صعب، سأنتقل إلى السؤال الثاني، ولكن هذا الآخر مبهم. لا بأس سأعرِّج على السؤال الثالث وسأخفض من سقف المطالب قليلا، إلا أن الثالث والأخير صعب أيضا. إنها أسئلة تحمل من الشدائد ما لا يستطيع عنتر في زمانه تخطيها. لو كنت يا عنتر في جامعتنا لتجلت بطولتك الحقيقية. ألقيت نظرة سريعة على الطلبة لمعرفة الوضع العام ولقياس حرارة الجو، فشدني صاحبي «أبو جاسم» الذي لا يجيب عن الأسئلة إلا بطرقه الخاصة وبأساليبه الملتوية. إنه ماهر في تلقي وإرسال الإجابات في الامتحان، أما الأسئلة التي تتطلب «ماكينة حفظ» وليس عقل إنسان فيتبع معها استراتيجية قصاصات الأوراق الصغيرة «البراشيم». هل ثمة من يجرأ على لوم «أبوجاسم»؟! هل نلومه وهو في حضن أساتذة «دكاترة» ولا نعمم يجيدون فن التنويم المغناطيسي، والتلقين الأحادي الذي لا يعير اهتماما للطرف الآخر... هل نلومه وهو يرى التقييم في الدول المتقدمة يجري على أساس مدى فهم واستيعاب الطالب للمنهج وعلى مدى تفاعله وقدرته على النقاش والحوار مع الأستاذ لا على أساس امتيازات «ماكينة الحفظ» التي برأسه...؟ مساكين طلبة الآداب والتربية، فكم من الماكينات يحتاجون؟! أما طلبة العلوم والهندسة «كان الله في عونهم» إذ يتفنن الأساتذة في صدم وإدهاش عقولهم بالأسئلة الغريبة والمتحدية.
خرجت من قاعة الامتحان بعد أن أوشك سقف المطالب قطع عنقي، سألني صديقي عن أسئلة الامتحان «الثلاثة»! فصببت جُلَّ غيضي عليه: «ما بك؟! لا أتذكر شيئا... كل ما أتذكره أنني ألفّت موسوعة... وأية موسوعة؟!»
العدد 129 - الأحد 12 يناير 2003م الموافق 09 ذي القعدة 1423هـ