العدد 128 - السبت 11 يناير 2003م الموافق 08 ذي القعدة 1423هـ

تحليل مناقشات مجلس النواب لحوادث «شارع المعارض»

عزت عبدالنبي comments [at] alwasatnews.com

عبّر مجلس النواب في جلسته يوم الثلثاء الماضي عن رفضه الشديد لما حدث من شغب وتخريب وممارسات غير حضارية وغير مسئولة تضير بشعب البحرين وسمعته الطيبة وقيمه وأخلاقه واقتصاده، وشدّد المجلس على ان الديمقراطية التي يتمتع بها المجتمع البحريني ليست مدعاة للاستهتار بالأنظمة والقوانين والأعراف المرعية، وأكد المجلس دعمه الكامل للأجهزة الأمنية للتعامل مع أية تجاوزات بالتطبيق الكامل للأنظمة والقوانين المرعية.

وهكذا جاء بيان مجلس النواب معبرا تعبيرا صادقا وأمينا عن آراء المواطنين بكل فئاتهم وطوائفهم واتجاهاتهم الفكرية وتنظيماتهم السياسية.

أسباب المشكلة

وفي ضوء ما جاء في الصحف اليومية قمنا بتبويب الآراء التي أبداها النواب عن حوادث الشغب والتخريب التي وقعت بشارع المعارض ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة واستخلصنا النتائج الآتية من هذه الآراء:

1- طالب عشرة من النواب بدراسة أسباب حوادث الشغب والتخريب، واقترح ثمانية آخرون تشكيل لجنة لبحث المشكلة وتحديد سبل العلاج، وتعددت اقتراحات النواب عن تشكيل هذه اللجنة، فمنهم من طالب بأن تكون نواتها مجلس النواب، ومن طالب بأن يشترك مع النواب علماء النفس والتربية والقانون أو مؤسسات المجتمع المدني. ومن المقترحات المهمة التي عرضت الاقتراح الخاص بإقامة مركز للبحوث الاجتماعية والجنائية تكون مهمته تحليل الظواهر المستجدة على المجتمع وتحديد سبل مكافحتها.

2- أشار خمسة من النواب إلى مشكلة البطالة باعتبارها أحد أسباب الظاهرة، وأرجع ثلاثة من النواب ما حدث إلى عدم توفير الوسائل الملائمة لاستغلال أوقات الفراغ لدى الشباب، وتحدث اثنان عن المغريات التي تمس تقاليدنا، وتحدث عضو واحد عن كل سبب من الأسباب الآتية: تهميش دور الشباب - دمج الأندية - الانفلات الأمني والتربوي - عدم قيام المؤسسة العامة للشباب والرياضية بدورها.

طرق العلاج

واحتلت قضية الاهتمام بالشباب الاهتمام الأول من جانب النواب باعتباره وسيلة أساسية من طرق علاج المشكلة، فطالب أحد النواب بإعداد استراتيجية جديدة للشباب، وطالب آخر بتقديم خطط رعاية الشباب للمجلس خلال ستة أسابيع، وقال ثالث إنه لابد من قيام المؤسسة العامة للشباب والرياضة بدورها مع الأندية والمؤسسات الثقافية والإعلامية وجهاز الأمن لبحث سبل الاهتمام بالشباب.

واحتل جهاز الأمن المرتبة الثانية من الاهتمام، فطالب أحد النواب بإعادة الهيبة إلى جهاز الأمن، وعبر عضو آخر عن ذلك بمطالبته بإيجاد آلية تعزز الثقة في رجال الأمن الوقائي تطبيقا صحيحا، وتضمن حديث عضو رابع مطالبة جهاز الأمن بأن يضع هذه القضية ضمن خططه المقبلة.

وتحدث عضوان عن أهمية تقوية وترسيخ الوحدة الوطنية، وقال عضوان آخران إن معالجة التمييز الطائفي هي الحل الواجب اتباعه لمعالجة هذه الظاهرة.

وتحدث عضو واحد عن كل وسيلة من وسائل العلاج الآتية: تأكيد الولاء للوطن - معالجة الفقر - معالجة الاحباط - وسائل روحية ودينية وتربوية - إعادة النظر في قانون العقوبات - وضع قوانين رادعة - توضيح مخاطر الخروج على القانون - نشر الأخلاق والفضائل الإسلامية الحميدة - نشر الوعي والتربية الصحيحة - العناية بالثقافة - مطالبة لجنة الرد على برنامج الحكومة بالمطالبة برفع مستوى المعيشة للمواطن وحماية الأسرة - التأكيد على ان الحل ليس حلا أمنيا فقط - قيام الأسرة بدورها في تربية أبنائها.

تشخيص المشكلة وتحديدها

وحين تحدث النواب عن أسباب المشكلة وطرق علاجها تناولوا جانبين أساسيين من الأسلوب العلمي لحل أية مشكلة، أما الجانب الأساسي الثالث وهو تحديد وتشخيص المشكلة فلم يتحدث عنه الأعضاء، وبمعنى آخر هل المشكلة هي حوادث الشغب والتخريب التي وقعت في شارع المعارض ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة، أم ان هذه الحوادث تعتبر جزءا أو عنصرا من مشكلة أكبر؟ فإذا كانت الإجابة ان حوادث الشغب والتخريب هي المشكلة فسيقودنا ذلك إلى الوقوع في منزلق سياسات رد الفعل التي تؤدي إلى تكرار ما حددناه من أسباب وطرق للعلاج في حال ظهور مشكلات جديدة، فمثلا تعدد السرقات بواسطة بعض الشباب ومخالفة أنظمة المرور وضياع الأرواح البريئة والتهاون في أداء العمل وعدم الانتظام فيه والنظر إليه باعتباره وسيلة للكسب فقط وليس وسيلة لبناء المجتمع وضعف قيم المشاركة في تطوير المجتمع والخدمة العامة واحترام الأنظمة والقوانين وظهور اتجاهات للتعصب والتطرف المذهبي وزيادة حالات التوتر العصبي والتمزق النفسي وانفصام الشخصية وانتشار المخدرات وغيرها من صور الضياع، بالإضافة إلى تحول بعض الأفراد إلى جمع المال أو المتعة المباشرة والفهم الخاطئ لحقيقة الولاء.

وفي تقديرنا ان المشكلة الرئيسية التي تواجهنا هي إغفال وإهمال حوادث التغيير الاجتماعي اللازم لمواجهة أنماط السلوك وأنواع العلاقات الاجتماعية غير المرغوبة وترسيخ المفاهيم والقيم الإيجابية وتعميق الاتجاهات وأنماط السلوك الجديدة والمتطورة، وبتعبير آخر لقد فقدنا التوازن بين معدلات النمو الاقتصادي ونوعية التغيير الاجتماعي، وإذا لم نشخص ونحدد المشكلة في هذا الإطار فسيكون تحديدنا لأسبابها وطرق علاجها خاطئا.

نظرة تاريخية

نالت قضايا التغيير الاجتماعي اهتماما متزايدا من جلالة الملك فتحدث عنها تفصيليا في كتابه «الضوء الأول» الصادر العام 1986 مبينا في الصفحات من (193 إلى 197) عناصر التهديد الاجتماعي التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي والمترتبة على فقدان التوازن بين النمو الاقتصادي والتغيير الاجتماعي، ثم أشار جلالته إلى مواجهة هذا التهديد (الصفحات من 210 إلى 219).

واهتمت وزارة العمل والشئون الاجتماعية بقضايا التغيير الاجتماعي ابتداء من العام 1977، إذ أشارت في السياسة العامة للرعاية والتنمية الاجتماعية التي انبثقت (1978 - 1982) والتي أقرها مجلس الوزراء في يوليو/ حزيران من العام 1977 إلى الأهداف العامة التي تسعى إلى تحقيقها ومن بينها الهدف الرابع وهو الإرشاد الاجتماعي والتوعية المقرر تحقيقه عن طريق رسم سياسة للارشاد الاجتماعي وصولا إلى نشر المفاهيم والقيم المرغوبة وتعميق الاتجاهات وأنماط السلوك الجديدة والمتطورة والاستفادة من جهود الجمعيات الأهلية في تعميق القيم الإيجابية وتوفير برامج الارشاد والتوعية الاجتماعية، وامتدت جهود الوزارة آنذاك إلى المستوى الخليجي، فتقدمت إلى المؤتمر التأسيسي لمجلس وزراء العمل والشئون الاجتماعة بالدول العربية الخليجية الذي عقد بالمنامة في فبراير/ شباط العام 1978 باقتراح تبني هذا الهدف، إذ وافق المؤتمر عليه وتضمنته وثيقة «المبادئ والأهداف والوسائل والبناء التنظيمي» تحت مسمى تنمية الوعي الاجتماعي لدى المواطن، وأعقب ذلك تقدم الوزارة إلى المؤتمر الأول لمجلس وزراء العمل والشئون الاجتماعية المنعقد في الدوحة العام 1979 بمشروع اتفاق لإنشاء المركز الإقليمي الخليجي للبحوث والتدريب الاجتماعي ليتولى إعداد الدراسات الخاصة بحجم المشكلات الاجتماعية الخليجية والعوامل التي تؤدي إليها ووسائل مواجهتها. وللأسف الشديد رفض المؤتمر هذا الاقتراح، ربما بسبب ظروف الانتعاش الاقتصادي الذي تمتعت به هذه الدول آنذاك، والتي أدت إلى فقدان الرؤية الاستراتيجية لمتطلبات التغيير الاجتماعي.

وفي مطلع الثمانينات وفي حفل افتتاح المركز الاجتماعي بمدينة عيسى وبحضور صاحب السمو رئيس الوزراء أعلن وزير العمل والشئون الاجتماعية ان المراكز الاجتماعية ستعمل بكل طاقاتها لدراسة الواقع الاجتماعي في المجتمع المحلي وتحديد حجم المشكلات الاجتماعية والعوامل التي تؤدي إليها ووسائل مواجهتها، كما أعلن انه سيشكل مجلس إدارة لكل مركز اجتماعي تمثل فيه بالإضافة إلى الوزارة ووزارات الصحة والتربية والتعليم والإسكان والمؤسسة العامة للشباب والرياضة والهيئة البلدية المركزية، بالإضافة إلى ممثلين عن الجمعيات الاجتماعية والتعاونية العاملة في المنطقة التي يخدمها كل مركز اجتماعي.

وفي العام 1997 أعادت وزارة العمل والشئون الاجتماعية عرض خطة لتطوير المراكز الاجتماعية على مجلس الوزراء، وأوضحت هذه الخطة ان المراكز المشار إليها أنشئت لتكون صيغة من صيغ التكامل الاجتماعي على المستوى المحلي تحقق إمكان تنسيق الجهود الحكومية والأهلية في الميادين الاجتماعية المختلفة، وانها تستهدف أداء المفهوم الجديد للعمل الاجتماعي باعتباره عملا إنسانيا تنظيميا يعنى بدراسة الأسباب الاجتماعية للمشكلات المتصلة بالتنمية ووضع البرامج اللازمة للعمل مع الأسرة من المجتمع المحلي لحل هذه المشكلات وتعظيم الاستفادة من الأموال التي تخصصها الدولة للتنمية الاجتماعية.

وكانت الوزارة قد عرضت على المجلس الأعلى للتدريب المهني في سبتمبر/ أيلول العام 1996 خطة وطنية للإرشاد والتوجيه المهني حددت فيه دور ومسئوليات المجتمع والأسرة ووزارات التربية والتعليم والإعلام وجامعة البحرين وغرفة تجارة وصناعة البحرين واللجنة العامة لعمال البحرين والمؤسسة العام للشباب والرياضة والمؤسسات الاقتصادية. والمساجد والمنابر الدينية والجمعيات والأندية ومجالس ومؤسسات التدريب وذلك من أجل تحسين وتطوير الخدمات التي توفرها للمواطنين قبل الدخول إلى سوق العمل وبعده.

... وأخيرا

تلك كانت نظرة سريعة على الجهود التي بذلت منذ العام 1977 لأحداث التغيير الاجتماعي المتوازن مع النمو الاقتصادي، فهل سنعود مرة أخرى بعد خمس وعشرين سنة لنقول إننا ناقشنا بمجلس النواب في يناير من العام 2003 حوادث الشغب والتخريب التي وقعت في شارع المعارض ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة، وان هذه الظاهرة وغيرها من قضايا التغيير الاجتماعي تكررت مرات متعددة ولم نتمكن من الوصول إلى حلول عملية لها؟ نتمنى ألا يسمع أولادنا وأحفادنا ذلك

إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"

العدد 128 - السبت 11 يناير 2003م الموافق 08 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً