العدد 128 - السبت 11 يناير 2003م الموافق 08 ذي القعدة 1423هـ

ما العمل أمام ظاهرة العبث في «شارع المعارض»؟

الشباب البحريني والتأثر بالمذهب الفوضوي الغربي

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

الجدل الدائر الآن عن مسببات حوادث الشغب العنيفة في شارع المعارض، واتهام البعض جهات سياسية معارضة بالتخطيط لتلك الحوادث، اتهام لا يمكن أن يوصف بالصحة، وهي تلميحات تصطاد في المياه العكرة لأنها تفتقد الدقة والموضوعية لعدم وجود دليل دامغ. حقيقة الأمر أن انتشار المذاهب الفوضوية بين الشباب في جميع انحاء العالم ظاهرة لم يسبق لها مثيل منذ حرب فيتنام. وإذا كان المقياس الذي يستند إليه الاتهام تنظيم وتسلسل حوادث الشغب في شارع المعارض، فان المتابع لاحتفالات العالم في مناسبة رأس السنة يجد حوادث مشابهة تتسم بالقسوة والعنف في ليلة رأس السنة من كل عام في برلين وشارع الشانزليزية في باريس وميدان الطرف الأغر في لندن وميدان التايمز في نيويورك، بل ان العنف امتد إلى مدن آسيوية رئيسية مثل مانيلا وسيدني وكوالالمبور.

الجدل الدائر الآن عن مسببات حوادث الشغب العنيفة في شارع المعارض، واتهام البعض جهات سياسية معارضة بالتخطيط لتلك الحوادث، اتهام لا يمكن أن يوصف بالصحة، وهي تلميحات تصطاد في المياه العكرة لأنها تفتقد الدقة والموضوعية لعدم وجود دليل دامغ. حقيقة الأمر أن انتشار المذاهب الفوضوية بين الشباب في جميع انحاء العالم ظاهرة لم يسبق لها مثيل منذ حرب فيتنام. وإذا كان المقياس الذي يستند إليه الاتهام تنظيم وتسلسل حوادث الشغب في شارع المعارض، فان المتابع لاحتفالات العالم في مناسبة رأس السنة يجد حوادث مشابهة تتسم بالقسوة والعنف في ليلة رأس السنة من كل عام في برلين وشارع الشانزليزية في باريس وميدان الطرف الأغر في لندن وميدان التايمز في نيويورك، بل ان العنف امتد إلى مدن آسيوية رئيسية مثل مانيلا وسيدني وكوالالمبور.

ولدراسة ظاهرة اعتناق الشباب المذاهب الفوضوية، وتمرد الشباب في العالم على مجتمعاتهم وثقافتهم القومية، لابد لنا من التعرف على حقائق اساسية عن المذاهب الفوضوية ومسبباتها واسباب انتشارها في أوساط الشباب في كل انحاء العالم.

تعريف الفوضوية

مفهوم (الاناركيسيم) أو الفوضوية يؤمن بالمبدأ القائل إن الحكومة مؤذية للشعب بما فيه الكفاية ولا حاجة إليها. دعاة ومؤيدو المذهب الفوضوي أو(الاناركيست) وظفوا أقلامهم ونشاطهم ضد الحكومات القائمة، وطالبوا قبل كل شيء بتغيير السلوك البشري. بعض مفكري المتمردين على النظام السياسي، يتعاطفون مع المضمون الفوضوي، ولكن من دون الاعتقاد بالمبدأ الفوضوي في حد ذاته.

من أسباب ظهور المذهب الفوضوي شعور الطبقات الدنيا في المجتمع بالظلم والإهانة وعدم المساواة في الحقوق والواجبات، وتبلورت هذه الأفكار في كتابات المفكرين الثوريين والفوضويين في الأدبيات الآتية:

معارضة بوخانين لكارل ماركس (11 إلى 551)، مبدأ بوخانين الثوري (2 إلى 607)، نقد الحكومات المركزية (14 إلى 692)، التقييم الثقافي للمجتمع (6 إلى 967)، التقييم التاريخي (16 إلى 967)، كروبكتين كمنظر وقائد (10 إلى 537)، مبدأ التحول الماركسي في القرن العشرين (14 إلى 694)، منظمة الثورة المكسيكية (12 إلى 84)، تأثير كتابات برودهون (15 إلى 130)، نمو الحركات الأسبانية (17 إلى 438)، أساليب الدولة في الاستغلال (17 إلى 612).

تكور المذهب الفوضوي

المفكرون والكتاب اليساريون لم يكونوا وحدهم الذين ساندوا النظرية الفوضوية لمواجهة الدولة، بل ان العمال في تنظيماتهم ونقاباتهم تبنوا المبدأ الفوضوي الراديكالي الخاص بهم والذي يسمى «اناركوسينديكالزم» أي الفوضوية النقابية.

وهذا المبدأ يؤمن بأن على الحركات العمالية عدم السعي للتنافس السياسي للوصول إلى السلطة، بل يجب عليها العمل للسيطرة على التنظيمات المؤسسية للعمال. ووردت هذه الأفكار في كتاب النظرية والتطبيق (1 إلى 801)، والانحياز للراديكالية الاسبانية (17 إلى 439)، هذه الأدبيات العمالية تطالب العمال بتحقيق هدف إلغاء السلطة السياسية تماما، والسيطرة على ملكية المصانع لتصبح الملكية خالصة للعمال وليس للدولة.

الهامشيون أيضا جزء من المذهب الفوضوي لا يؤمنون بسلطة المجتمع المقيدة لحرية وتصرفات الفرد بحسب قناعته بوجوده، لذلك فهم خارج هامش المجتمع، لهذا لا يقيدون أنفسهم كما يقولون بأغلال المجتمع والسياسة التي تحد من حقهم في التصرف واختيار الأسلوب الحياتي الذي يعتقدون أنه الأصلح لهم. الهامشيون يعتقدون أن وجود الإنسان يملي عليه العيش بحدسه وسليقته وعلى رغم أنهم يعيشون في هذا العالم، فانهم يشعرون بوجودهم ومساهماتهم للإنسانية والبيئة التي يعيش فيها الإنسان، والفرد مسئول عن وجوده سواء رغب أم لم يرغب في تنمية أو تطوير ذاته.

إذا مذهبهم الفكري ما هو إلا مزيج من المذهب الفوضوي والوجودي وأفكار كولن ولسون عن اللاانتماء، والاسترسال في شرح أفكار وسلوكيات الهامشيين لابد لنا أن نتطرق باختصار إلى النظرية الوجودية لارتباطها الوثيق بالفكر الهامشي.

وضع النظرية الوجودية الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر (1905 - 1980). سارتر عبر عن آرائه في الكثير من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة والأعمال النظرية التي كتبها، كانت مسألة الوجود المجرد للأشياء خاصة وجوده هو شخصيا مصدر قلقه وإعجابه ما دفعه إلى البحث عن الذات، وبدا له انه لا مبرر لوجود أي شيء. وفي روايته الأولى «الغثيان» الصادرة سنة 1938 وصف الرعب والغموض اللذين يواجههما الانسان عندما يفكر في حقيقة وجود الأشياء، بأنها الحقيقة التي لا يمكن تغييرها.

الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران تعاطف معهم وساعدهم على إنشاء جامعة خاصة بهم سميت بجامعة فان سان في باريس. الرئيس ميتران يعتبرهم اشتراكيين وان كانت افكارهم يسارية متطرفة، وأطلق عليهم السياسيون الفرنسيون تسمية «غوشيست» أي اقصى اليسار. إلا أنهم كانوا قوة تصويت مؤثرة للحزب الاشتراكي الفرنسي. أما الرئيس الحالي جاك شيراك فقد قرر إغلاق جامعتهم وتشريدهم بعد ان ضعف تنظيمهم وذلك عندما كان عمدة لباريس، واعتبر الهامشيين مجرد جماعات فوضوية لا قيمة سياسية لها وأطلق عليهم تسمية (الاناركيست). شيراك كان يعتقد أن همّ الهامشيين الأكبر هو زعزعة النظام والأمن. كراهية الديغوليين للهامشيين سببها مشاركتهم في إشعال ثورة الطلبة في باريس في العام 1968 وتهديد النظام الديغولي الذي ينتمي إليه شيراك. بل انهم كانوا السبب الرئيسي في تقلص نفوذ الديغوليين السياسي بعد أن استطاعوا التخلص من الرئيس ديغول وتولي جورج بومبيدو السلطة.

الحركات الشبابية الفوضوية كانت أيضا سببا لظهور حركات شبابية متمردة في أوروبا وأميركا ثائرة على القيم الاجتماعية والسياسية القائمة، وتطورت ثورة الطلبة إلى درجة أنها أصبحت ما يشبه الانقلاب الشبابي على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الغرب لعدة اسباب كان أهمها: إفرازات حرب فيتنام وتأثيرها على الشباب الأميركي والأوروبي الذي رفض اشراك الشباب في حرب ليس لها هدف غير تدميرهم.

تأثر الشباب بالحركة الهامشية إلى حدّ الرفض التام للحياة المادية السائدة في الغرب إلى درجة تحول الشباب إلى النمط الهيبي البوهيمي غير المنتج، والرافض للتقاليد والعرف والدين، بغرض تغيير الموروث الشعبي للأمم الغربية، حتى أن نجوم الموسيقى المشهورين عالميا أمثال جون لينون من البيتلز، وجيمي هاندركس وجون بيز ورولينغ ستون وبوب مارلي وغيرهم... كانوا قدوة للشباب وموسيقاهم شجعتهم على التحول إلى السلوك الفوضوي. ولا هم سوى الاستمتاع بالموسيقى وممارسة الجنس وتدخين الماريغوانا.

من المفكرين الذين حاولوا بجدية تفسير الظاهرة الكاتب والفيلسوف الانجليزي المعروف كولن ولسون (1931)، وهو كاتب بريطاني حقق شهرة واسعة عند صدور كتابه «اللامنتمي» في العام 1956. والكتاب دراسة غير تقليدية للاستقلالية في الثقافة والمجتمع. ومن كتبه ايضا «الدين والمتمرد» صدر في العام 1957 و«عالم العنف» في 1963 و«ما بعد اللامنتمي» الصادر في العام 1964، كما كتب روايات ومسرحيات كثيرة.

أفكار ولسون ألهمت الطلبة الشباب وكانت احد اسباب ثورتهم على الاوضاع الاجتماعية في اوروبا ورغبتهم في الاستقلال الاجتماعي والثقافي والسياسي ولتحقيق ذلك لجأوا إلى العنف لإظهار نقمتهم على السلطة، واصبحوا جماعة من اللامنتمين بعد أن سئموا من القيود الاجتماعية والسياسية التي لم تحسن من أوضاعهم المعيشية، كما أنها ولدت عندهم الشعور بالاحباط.

الشاب بمجرد وصوله إلى سن الرشد وشعوره بالمسئولية تجاه أسرته، لا بد له ان ينتمي إلى فكرة أو عقيدة أو دين يدافع عنه بكل جوارحه، ويصبح من اصحاب المبادئ واطلق على هذه المرحلة مرحلة ما بعد اللاانتماء. الغريب أن معظم اللامنتمين في شبابهم اصبحوا من المنتمين النشيطين في الاحزاب السياسية وأصبحوا مؤثرين في سياسة بلدانهم، لكن المزيد من الحركات الشبابية الرافضة للمجتمع تظهر يوما بعد يوم لشعور الشباب بالظلم الاجتماعي والفراغ أو بسبب الانقسام الأسري، الذي نتج عنه هروب الشباب من بيوتهم وتشردهم، للبحث عن الحرية في مكان آخر مثل «حركات البنكس» التي ظهرت بقوة في انجلترا وبعض البلدان الأوروبية، وهي من حركات الخروج على المألوف، التي تفتعل العنف على الأجانب والميسورين من البريطانيين.

وانتشرت بذلك حركات فوضوية أكثر عنفا من سابقتها، وكانت سببا لعدم الاستقرار بين الطوائف وخصوصا في ألمانيا، وتعرف تلك الفئات «بالسكن هبد» او النازية الجديدة، وكانت وراء حوادث هانوفر العنصرية في ألمانيا. كما ان هذه الحركات العنصرية انتشرت في أوروبا وبعض المدن الاميركية.

كيف نوقف انتشار الظاهرة في البحرين؟

السؤال هو كيف نوقف انتشار هذه الظاهرة بين الشباب البحريني؟ وكيف انتقل «المذهب الفوضوي» إلى عقول شبابنا إلى درجة ان بعض الشباب البحريني أصبح يقلد بشكل أعمى الحركات الفوضوية في العالم من دون ان يفهم او يستوعب مذهبهم الفكري؟ الحقيقة ان الفراغ الذي يعيشه الشاب البحريني، وشعوره بالاحباط والظلم الاجتماعي والاقتصادي كالبطالة، عوامل مشجعة للتمرد بعنف ضد مجتمعه. أوروبا استطاعت التغلب على هذه الظاهرة ومعالجتها، عن طريق تفعيل برامج الانشطة الشبابية وتقوية مراكزهم، وخصوصا في ألمانيا وفرنسا. في هذه الدول تجد المراكز الشبابية منتشرة في كل حي ومقاطعة وقرية ومدينة، كما ان ألمانيا على سبيل المثال تخصص برامج للشباب في العطل الصيفية، إما عن طريق ايجاد اعمال لهم في المصانع الالمانية او تنظيم رحلات جماعية تثقيفية عن بلادهم. كذلك الحال في فرنسا يجد الشاب في كل مركز شبابي ببلدته اعلانات برامج وانشطة الحكومة لسد فراغ الطلبة في العطل الدراسية، ويستطيع أي شاب قضاء مدة من العمل في المزارع الفرنسية بأجر رمزي، بعد تأديته اعمالا في تلك المزارع، او الاشتراك في الأنشطة الثقافية او الرياضية التي تعدها المراكز الشبابية.

الواقع ان عدم وجود برامج حكومية لسد فراغ الشباب البحريني وخصوصا في العطل، سيجبر الشباب على تبني الأفكار الفوضوية التي يتلقاها من وسائل الاعلام المرئية والسمعية، وتكون سببا في انتشار الامراض والمخدرات والشذود وتصاعد العنف والحوادث المميتة بين أوساط الشباب.

الحركات الشبابية الفوضوية دخلت اراضينا عبر ثقافة الاتصالات الحديثة، تأثر الشباب بالموسيقى الغربية العنيفة وأفلام العنف والانترنت والتقليعات الغربية التي يتلقاها الشباب عن طريق وسائل الاتصال السريعة. لا شك في ان اعتناق الشاب ثقافة العنف سببه حاجته إلى الشعور بالرجولة المبكرة.

من ناحية اخرى فإن ثقافة المذاهب الفوضوية استطاعت أن تعبر إلى الهيكل الاجتماعي لشباب البحرين وتركيبته الاجتماعية بدخول ثقافات مستوردة استطاعت ان تنسخ الموروث الثقافي البحريني المتوارث عن اجدادنا؟ هناك عدة منافذ تستطيع هذ الحركات الدخول الينا عبرها، سواء عن طريق الموسيقى او الموضة او وسائط الاعلام التي تدخل كل بيت، او عن طريق المدارس الاجنبية التي تدرس مناهج دخيلة على اعرافنا وتقاليدنا وديننا. اذن هناك مسئولية مشتركة أمام المجتمع المدني والحكومة للحد من هذه الظواهر الغريبة عن المجتمع البحريني، عن طريق دراستها بتعمق من قبل مؤسسات حكومية ومدنية، لتحديد الأفكار التي تناسبنا ولا تحول مجتمعنا الى مجتمع منحل اخلاقيا تماما مثل المجتمعات الغربية. اننا لسنا ضد التطور والرقي ونمو المجتمعات الحديثة، مادام ذلك التطور يتدرج عبر سلم اجتماعي وثقافي على أسس سليمة ومتينة

العدد 128 - السبت 11 يناير 2003م الموافق 08 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً