انتهت حديثا الجولة الثانية من الحوار السوري - الاميركي في دمشق، التي استمرت ثلاثة أيام، شارك فيها سوريون وأميركيون من السياسيين والدبلوماسيين والاكاديميين ورجال الاعمال في محاولة غير رسمية، ينظمها ويديرها معهد جيمس بيكر للسياسات العامة من اجل اقامة تفاهم مشترك، يتصل بالعلاقات السورية - الأميركية في جوانبها المختلفة، كما يتصل بالمواقف السياسية التي يتبناها الجانبان حيال قضايا السياسة الدولية الساخنة ولاسيما العراق والصراع العربي - الاسرائيلي والحرب على الارهاب.
وطبق البيان الذي وزعته وزارة الخارجية السورية، فإن جولة الحوار وصفت بأنها «بناءة ومفيدة تم خلالها تبادل وجهات النظر والتوصل إلى تفاهم واضح عن الكثير من القضايا المهمة جدا للمنطقة والعلاقات بين سورية والولايات المتحدة وبين العرب والولايات المتحدة»، وهو وصف لا يتعارض في جوهره مع الوصف الذي قدمه الأميركيون لنتائج الحوار بأنه «حوار ايجابي» و«مؤيد على مستوى عال في الحكومة الأميركية ويجدونه مفيدا».
وبطبيعة الحال، فإن النظرة الايجابية السورية - الأميركية إلى الحوار، ليست معزولة عن محتويات الحوار، التي أكد المشاركون فيها انها تناولت في جانب منها العلاقات الثنائية السورية - الأميركية مع التركيز على العلاقات الثقافية والاقتصادية والتبادل والحوار الثقافي، كما بحثت الوضع في الاراضي الفلسطينية، والازمة العراقية وقرارات مجلس الامن الدولي في جانب آخر، وبحثت الحرب على الارهاب والتطرف في الجانب الثالث والأخير.
وكما هو واضح في موضوعات الحوار، فإن هناك وجهات نظر تتقاطع وتتعارض، وان تكن الصفة الأخيرة هي الأكثر حضورا في موضوع العلاقات السورية - الأميركية، كما هو معروف، و لم يكن معولا على جولة الحوار الوصول إلى توافقات بين وجهات النظر، التي يتبناها الجانبان، لكن تقدما تحقق، كما قال مدير معهد جيمس بيكر للسياسات العامة والسفير الأميركي السابق في دمشق ادوارد دجيرجيان الذي اعتبر أن لقاء الحوار الأول في هيوستن العام الماضي، ساهم في كسر الجليد، فيما أدت جولة الحوار الاخيرة إلى ايصال «الحوار إلى مستوى أعلى، سواء في التعمق بالموضوع أو الدفع باتجاه إيجاد الحلول»، وانه تم إحداث تقدم «في مجال مفاوضات السلام، ومجال الأعمال والمجال الثقافي والعلاقات الثنائية وفي الموضوع العراقي كان الحوار الأول معمقا، ووجد كل طرف تفهما واضحا لدى الآخر».
غير ان «التقدم» الذي يراه دجيرجيان متحققا في جولة الحوار الثانية، تقدم جزئي، وهو أمر متفق عليه نتيجة الافتراق في المواقف والسياسات السورية - الأميركية وخصوصا في الموضوع العراقي وفي موضوع الحرب على الارهاب، الذي وإن أكدت جولة الحوار الاختلاف بصدده، فإن دجيرجيان اشاد بتعاون دمشق الامني مع واشنطن في هذا المجال.
ان الطابع العام للحوار، انه غير حكومي، وبالتالي فهو من طبيعة استشارية، يمكن ان تتلمس من خلاله الحكومتان السورية والأميركية كل مواقف الأخرى ووجهات نظرها في تحقيق تقدم في العلاقات الثنائية، وتقارب في المواقف والسياسات، وهو أمر سيكون على جدول أعمال الجولة الثالثة للحوار، التي تحدد مكانها في مدينة هيوستن الأميركية، من دون ان يتحدد زمانها، لكن التوقعات قدرت انها ستكون في غضون الأشهر المقبلة.
واذا كانت مجريات الحوار وموضوعاته في دمشق، أكدت وجود خلافات سورية - أميركية، فإن من غير المنتظر، ان يعقبها حدوث تطورات دراماتيكية في علاقات البلدين وفي مواقفهما، اذ من المتوقع استمرار قضايا الخلاف السورية - الأميركية، لكن مع احتمال حدوث تغيرات في بعض موضوعاتها وحيثياتها نتيجة التطورات السياسية المحتملة.
ومما يعزز استمرار علاقات دمشق - واشنطن في سياقها الحالي، حدوث أمرين اثنين رافقا نهاية الجولة الثانية للحوار السوري - الأميركي، اولهما، تجديد وزير الخارجية السوري فاروق الشرع تأكيد موقف سورية القائل، ان قرار مجلس الأمن (1441) لا يعطي تفويضا لأحد بضرب العراق، وضرورة الحفاظ على استقلال العراق ووحدة أراضيه وسلامته الاقليمية وتجنيب دول المنطقة كل ما من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار فيها، وذلك في اشارة واضحة إلى معارضة الموقف الأميركي من موضوع العراق، والثاني، كان رسالة اميركية موجهة إلى سورية من خلال اذاعة محتويات تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إي» الذي يتهم سورية بالسعي إلى الحصول «على عناصر تمهيدية وخبرات تسمح بتطوير برنامج للاسلحة الكيماوية».
خلاصة جولة الحوار السوري - الأميركي، أكدت الاختلاف، لكنها أكدت استمرار التواصل بين الجانبين، وهي في هذا انما تكاد تكون انعكاسا مباشرا لسياسة ومواقف كل من دمشق وواشنطن سواء في العلاقات الثنائية أو في السياسات الاقليمية والدولية، التي كانت أساسا موضوعات الحوار الأخير
العدد 128 - السبت 11 يناير 2003م الموافق 08 ذي القعدة 1423هـ