الأنبياء والرسل والحكام العادلون تميّزهم صفة الرحمة بالآخرين لعلمهم بأن رحمتهم لغيرهم هي طريقهم إلى الحصول على رحمة ربهم. وهناك من يستغلون امكاناتهم المادية وسلطاتهم في الاستهانة بغيرهم وظلم الضعيف ممن كتب له قدره أن يعيش في مكان يتسلَّط عليه أو يكون فيه نفوذ لمن لا رحمة لديهم ولمن لا يستشعرون آلام غيرهم وبدلا من تخفيف آلام الآخرين يتلذذ البعض بالإيذاء ظنا منه أن في ذلك تعزيزا لمكانته وسلطانه.
صفة الرحمة تجدها في كثير من المؤسسات الحاكمة في البلدان المتقدمة. فمثلا، عندما يتم اعتقال أحد مواطني تلك الدولة التي يمتلك المسئولون فيها رحمة بأهل بلادهم، تراهم يهرعون إلى نجدته ومساعدته وتمثيله وطلب مقابلته حتى لو كان ذلك الشخص مذنبا. فعندما يتم اعتقال أوروبي في ماليزيا أو سنغافورة أو تايلند بتهمة تهريب الحشيش ترى مسئولي تلك الدولة يهرعون إلى نجدته ومساندته على رغم علمهم بالخطأ الذي ارتكبه ذلك الشخص. وكذلك الحال عندما تقع حوادث داخل بلاد يمتلك مسئولوها الرحمة، ترى المسئولين شديدين في تطبيق القانون بصورة صارمة وغير منحازة ضد الفقير أوضد الذين اضطهدهم الزمان، وفي الوقت ذاته تراهم يتحدثون عن «الأبناء الأعزاء الذين أخطأوا الطريق»...
هذه المثل والقيم ليست خيالية ولا تدعو إلى التخلي عن حكم القانون أو التساهل مع العابثين، وانما هي ميزة مصاحبة لمن يحكم بالعدل. وهذه الميزة كانت لدى أفضل البشر رسول الله (ص) وقد أوصى بها أصحابه والمسلمين من بعده. فهو الذي دخل مكة مستشعرا الرحمة بمن اعتدوا عليه في الماضي ولم يشعر بالحاجة إلى الانتقام لأنه حاكم عادل ورحيم وهو عبدالله ويطلب رحمة الله وهو رسول الله.
هكذا تراثنا وهكذا الحال مع المؤسسات الحاكمة العادلة القائمة على أسس ديمقراطية تحترم شعوبها. ولكن مع الأسف اننا نشاهد في بلادنا من لا يملك رحمة في قلبه ويود أن يسلط أجهزة الدولة على الذين لا يحبهم ولا يشعر برحمة في قلبه تجاههم. فبعد أن عجز من التلميح والإشارة والتسريب إلى الصحافة الأجنبية سعيا وراء تحريض الأجهزة الرسمية ضد فئة من المجتمع انتقل إلى التشهير والتهديد والوعد والوعيد. هذا الأسلوب غير انساني، فهو من جانب يضخم الأمور ويبعث الخوف في نفوس المستثمرين الذين قد يصدقون أحاديث الذين لا يمتلكون رحمة في قلوبهم. من جانب آخر فإن الحديث بهذا النوع يتعارض مع الدستور ويتعارض مع المواثيق الدولية التي تنص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وهذا المبدأ الدستوري العادل كان من المفترض أن يحظى باهتمام خاص من قبل المسئولين لأن البحرين عانت سنوات كثيرة من اتهام لفئات من المجتمع واعتبارهم مجرمين ومذنبين حتى يثبت العكس. كان المفترض أن يسارعوا إلى مساندة مشروع جلالة الملك الإصلاحي الداعي إلى تأسيس الحياة الدستورية المعتمدة على الضوابط الدولية. لقد كان المفترض من الذين يتهمون الناس جزافا وبصورة عشوائية غير رحيمة وغير انسانية ان يسترشدوا بحديث جلالة الملك الذي نقله عنه خمسة رؤساء بلدية انتخبهم الشعب. فهؤلاء المنتخبون هم أصدق من المسئولين الذين انهالوا علينا خلال الأيام الماضية يتهمون فئات من أهل البحرين بتهم واهية.
ثم ماذا يستفيد أولئك الذين شهروا أسلحتهم ضد قسم من المجتمع على رغم علم الجميع وشهادة العالم أجمع بأن ما حدث في رأس السنة الميلادية كان حادثا عبثيا شاركت فيه أنواع مختلفة من الناس بمن فيهم خليجيون وأجانب.
كان المفترض من المسئولين في عهد الاصلاح أن يتخلوا عن أساليب الماضي التي لم تنفعهم ولم تنفع البحرين في شيء. كان من المفترض أن يقرأوا القرآن «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى» (المائدة: 8) ... كان من المفترض أن يقارنوا بين ما يقومون به بما يقوم به المسئولون في الدول الديمقراطية عندما يحدث مثل ما حدث في البحرين ... كان من المفترض أن يحترموا حديث جلالة الملك الذي نقل عنه رؤساء المجالس البلدية أنه لا يرى بعدا سياسيا لما حدث في رأس السنة الميلادية.
نقول هذا ونحن نشعر بالفخر بأن أهل البحرين هم الأوعى من كل تلك الأساليب، فقد أثبت أهل المحرق أنهم في صدارة الوعي وفي المقدمة للحفاظ على مصلحة الوطن، ولذلك فإن عدم استجابتهم لتسييس الأعمال العبثية وعدم خروجهم في مظاهرة استهدفت إثارة الطائفية في البلاد يدخل في السجل الذهبي لأهالي المحرق الأعزاء
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 128 - السبت 11 يناير 2003م الموافق 08 ذي القعدة 1423هـ