العدد 127 - الجمعة 10 يناير 2003م الموافق 07 ذي القعدة 1423هـ

إن شاء الله... قطة!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

الولايات المتحدة تحاول المس بنا وتهديد بلادنا لكنها لن تهاجمنا عسكريا.

هذا الكلام هو لوزير الخارجية الإيراني كمال خرازي في رد له على أسئلة أحد الصحافيين عن احتمالات أن تكون بلاده مستهدفة بعد العراق.

وهو كلام قد يعبر بالمناسبة عن حال الكثير من الدول المجاورة أو المعنية بالشأن العراقي التي تبدو للمراقب في هذه الأيام مسترخية متسلمة بقدر العراق وربما بقدرها.

لو كان هذا الكلام قد ورد على لسان محلل صحافي يحاول تقديم تقرير اخباري عن الوضع لما اثار أحدا من المراقبين لكنه أن يصدر عن رئيس الدبلوماسية الإيرانية فقد استوقفني كثيرا وأظن أنه قد استوقف الكثيرين وأثار عندهم الكثير من الأسئلة عن سر هذا الاسترخاء الدبلوماسي الإيراني وأيضا صديقه وشقيقه العربي!!

وأقول صديقه وشقيقه العربي أولا لأنني أعتقد جازما طبعا إلى حد كبير بأن حال الإيرانيين والعرب الآن باتت واحدة مهما حاول اظهار عكس ذلك أو خلافه الكثير من المحللين من الطرفين، وثانيا لأن الأمر بات مستقطبا بين الإيرانيين والعرب مجتمعين كقوة منكفئة مسترخية وبين الإسرائيليين والأتراك كقوة مندفعة فاعلة وثالثا وأخيرا فان النفط «النقمة» بات يجمعهم في مصيبة واحدة مهما حاولوا التملص من هذه الحقيقة بعد أن تبين بما لا يدع مجالا للشك بأن النفط بات هدفا تكتيكيا وآنيا ملحا للمخطط الأميركي المرسوم للعراق وما بعد العراق.

القارئون بالدقة والتفصيل والتأني والمثابرة لما يراه الأميركيون شفاهة وكتابة تحليلا صحافيا أو تقارير يتم تداولها في الأروقة الخلفية للسياسة والدبلوماسية باتوا متأكدين ان المواجهة المفتوحة باسم ملف العراق اليوم تشمل ما يلي من الأهداف:

أولا: وضع اليد على العراق من قبل الولايات المتحدة، نفطا ومقدرات تاريخية ومستقبلية بشكل تام ونهائي.

ثانيا: تقديم العراق كمثل حي وتجربة ملموسة لجيرانه مجتمعين ولمن يهمه الأمر في الخريطة الأبعد بان مصير من يفكر بالخروج على «الإرادة الدولية والمجتمع الدولي» وهو مصطلح غالبا ما بات يعني القرار الأميركي، فإن مصيره بات واضحا ومرسوما منذ الآن.

ثالثا: ان هذه التجربة «الديمقراطية والتقدمية الأولى في العالم العربي» كما يقول عنها منظر الإدارة الأميركية العتيدة توماس فريدمان انما هي مقدمة «لتغيير خرائط العالم» كما قال جورج بوش الابن مبكرا.

وأما فيما يخص ايران بشكل خاص فليس سرا أيضا أن يقال ان الإدارة الأميركية قد حسمت أمرها بخصوص امكان الرهان على رجل الاصلاح المعتدل الرئيس محمد خاتمي عندما كررت أكثر من مرة بأنه «لم يف بالتزاماته!» بينما دعا توماس فريدمان بشكل أوضح أن المطلوب «تثليج رجال الدين ومن بينهم الرئيس خاتمي - الذي يقدم غطاء ديمقراطيا لهم لا أكثر، نعم تثليجهم النفط! وعند ذلك فقط نستطيع التأكد من مدى جدية تلك المجتمعات في توجهها الديمقراطي!».

ثمة من يقول هنا وهو كلام يصدق هنا بالنسبة إلى العراق على الأقل: «من يأتي بالدب إلى كرمته عليه أن يتحمل نتائج ضياع الكرم والحصاد الخاسر».

لكن الأمر ليس هكذا بالمطلق، إذ ثمة «معادلة غلبة» عسكرية قد تحرق الأخضر واليابس إذا لم نستعد لها ليس فقط بعدم تقديم الذرائع وارتكاب الحماقات بل ومن خلال القراءة الدقيقة المبكرة للاحتمالات والتقدير الصحيح للموقف والأهم من كل ذلك وهذا اتخاذ الآليات والأساليب والوسائل المناسبة قبل وقوع الواقعة أو حتى قبل اقترابها منا.

نعم وإلا ما معنى أن تقف الآن كل دول الجوار العربي وإيران المعنيون الأكثر بالملف العراقي من غيرهم مسترخين ينتظرون الحدث الأكبر وهم يستقبلون ويودعون المندوبين من الفريق الآخر المشتبك عمليا في ساحة العراق بمن فيهم الأتراك.

ثم فيما يخص إيران بالذات ثمة من يتساءل بجد، إلى متى هذا التسقيط المتواصل لبعضهما بعضا وهما على أبواب مواجهة كبرى قرب حدودهما، بل في قلب الدار وبين السريرين وأعني هنا سرير المحافظين وسرير الاصلاحيين. حتى يصل الأمر إلى وزير الخارجية ورئيس الدبلوماسية الإيرانية يبدو للعالم وكأنه غير قادر حتى على إعمال وجهة نظره الخاصة بهذا الملف الخطير والمهم فيضطر عمليا وبسبب تشابك الخطوط وشدة احتكاكها وتداخلها وتشعبها وتجاذبها وتنافرها إلى آراء دبلوماسية أقل ما يقال عنها انها غامضة وضبابية ومبهمة كما بدأ يصفها الكثيرون في الداخل كما في الخارج. والمشكلة ليست في وزير الخارجية بالمناسبة، بل مجموع سياسة الأحزاب والأجنحة والتيارات المستغرقة في «مستنقع الداخل» بشكل يثير الدهشة والريبة!

ثمة مثل إيراني معروف يصور حال الذين يحاولون التقليل من الخطر الداهم المقبل على أهل الدار يقول: «إن شاء الله قطة...!» وهو اشارة إلى صاحب الدار الذي كلما يريد عياله ايقاظه والطلب إليه مواجهة الحرامي الذي يصدر أصوات تحركه فوق سطح الدار كلما كان يرد عليهم: «إن شاء الله قطة...!» هي التي تصدر مثل هذه الأصوات؟؟

في حرب أفغانستان كنت من أوائل الذين قالوا بأن نصب الأميركيين خيمتهم هناك هدفها السيطرة النهائية على النفط ومصادر الطاقة في بحر الخزر. وهو أمر بات الآن حقيقة وليس تحليلا فقط لمن يتابع بعمق ودقة ما يحصل اليوم هناك، وعندما بدأ الحديث عن ملف العراق قلت منذ اليوم الأول أنه النفط ومصادر الطاقة واليوم يقولها توماس فرديمان وغيره صراحة «وما العيب في ذلك نعم انها معركة من أجل النفط، لكن لا بأس بأن نحتسيه بشكل أخلاقي وتستغله من أجل اقامة أول دولة عربية متقدمة»!!

كل هذا وأهلنا وأهل جيراننا لا يزالون يصرون:

«إن شاء الله قطة!» أو «بسيتة» كما يقول اللبنانيون

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 127 - الجمعة 10 يناير 2003م الموافق 07 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً