التقرير المبدئي الذي رفعه هانز بليكس إلى مجلس الأمن فيه الكثير من التعارضات عن موضوع «أسلحة الدمار الشامل» في العراق. في جانب منه يشير إلى عدم توصل فرق التفتيش إلى معلومة تؤكد مخالفة العراق للقرارات الدولية سواء على مستوى إنتاج الصواريخ (أبعد من مدى 150 كلم)، أو على مستوى أسلحة الدمار (كل المؤسسات والمصانع لم يعثر فيها على دليل يدين العراق بجرم واضح).
وفي الجانب الآخر يتهم العراق بإخفاء معلومات وبوجود نقاط غامضة في تقريره الضخم (12 ألف صفحة) الذي رفعه قبل أكثر من شهر إلى أعضاء مجلس الأمن.
والنتيجة، يطالب بليكس بتمديد فترة مهمة فرق التفتيش، وزيادة عدد المفتشين، وتوضيح بغداد لتلك النقاط الغامضة وتحديدا مسألة اخفاء 5 آلاف قنبلة يقال إنها تحتوي على «مواد ممنوعة».
التقرير طبعا، أزعج العراق وأغضب الولايات المتحدة ولم ينل رضى الدول الكبرى. فالعراق انزعج لأنه اتهم بالكذب وإخفاء معلومات على رغم عدم توصل فرق التفتيش إلى دليل يدينه، وبالتالي فهو مطالب بتوضيح نقاط يرى انه لا يملك المعلومات الكافية عنها. وأميركا أعلنت عن غضبها وعدم ارتياحها لأنها متأكدة - بناء على معلومات استخبارية تملكها ورفضت الكشف عنها - من وجود مخالفات عراقية في إنتاج أسلحة دمار. والدول الكبرى غير مرتاحة لأنها وجدت نفسها مرة أخرى تدخل في دائرة مقفلة لا مخرج لها سوى تلبية طلبات واشنطن وتنفيذ رغباتها في وقت تستمر إدارة البيت الأبيض في الحشد وارسال المزيد من القوات لتكون جاهزة حين تعطى إشارة البدء بالهجوم.
الوقت لا يلعب لمصلحة الولايات المتحدة، وتقرير بليكس يراهن على مسألة الوقت. فهو يطالب بتمديد الفترة النهائية (التقرير الأخير سيرفع في 27 يناير/ كانون الثاني الجاري)، وبتوسيع مهمات فرق التفتيش وهذا يتطلب سلسلة لقاءات واتفاقات دولية، وزيادة عدد المفتشين لتحسين أداء الفرق والإكثار من تفقد المواقع في وقت واحد يحتاج بدوره إلى وقت لتشكيل الفرق الإضافية واختيار عناصرها.
أميركا في سباق مع الوقت، فهي تريد من التقرير الأخير الذي سيرفع بعد أقل من ثلاثة أسابيع الكلام الواضح. والكلام الواضح برأي واشنطن هو ان العراق يخالف القرارات الدولية، وبالتالي عليه، وبناء على القرار 1441، ان يدفع الثمن.
والعراق بدوره في سباق مع الوقت. فهو يراهن على نتائج التحقيق والكلام الذي سيرد في التقرير الأخير لرئيس فرق التفتيش ويرى ان قرار الحرب والسلم في المنطقة بيد هانز بليكس وبالتالي فهو يستعجل ويضغط لإنهاء مهمات الفرق لا إلى زيادة عددها وتوسيع نشاطها وتمديد فترة وجودها إلى أسابيع إضافية.
الوقت إذن مسألة مهمة للطرفين: الولايات المتحدة لا تستطيع ان تبقي ثكناتها مفتوحة دائما لخروج القوات. والعراق لا يستطيع ان يبقي مصانعه ومؤسساته وجامعاته ومراكز أبحاثه مشرعة الأبواب لدخول فرق التفتيش وخروجها.
هانز بليكس يلعب ايضا لعبة الوقت ويراهن على ان شراء الوقت يعطي فرصة أفضل للتوصل إلى كشف نهائي عن حقيقة ما يجري في العراق سواء على مستوى التسلح أو على مستوى مخالفات بغداد للقرارات الدولية.
إلا ان لعبة الوقت ستصل إلى نهاية مقفلة إذا لم تخرج فرق التفتيش بقرار نهائي عن المسألة المكلفة بتوضيح بنودها ونقاطها الغامضة. فالدول الكبرى في مجلس الأمن تنتظر كلمة واضحة تزيل كل الالتباسات وهي: العراق يكذب ويملك تلك الأسلحة وبالتالي فهو يخالف القرارات الدولية، وعلى أميركا تربيته وتأديبه. أو العراق لا يكذب فهو لا يملك تلك الأسلحة وهو قدم كل المعلومات التي لديه عن الموضوع وبالتالي على الأمم المتحدة رفع العقوبات وبدء فك الحصار المضروب منذ 12 سنة.
بليكس يقول إنه لا يستطيع تقديم هذا الكلام الواضح في تقريره النهائي في 27 الشهر الجاري، فهو يحتاج إلى مزيد من المفتشين وتمديد فترة التفتيش إلى شهر أو أكثر. العراق يتهم الفرق بالجاسوسية والتجسس لمصلحة الولايات المتحدة و«إسرائيل» وبالتالي فهي تخرج عن مهمتها الأصلية وتقوم بتوظيف نشاطها ومعلوماتها وتقديمها إلى جهات معادية تريد الشر لبغداد. أميركا حتى الآن تعتبر موعد 27 يناير هو اليوم الأخير وهي بناء على تقديراتها الخاصة ستباشر بتنفيذ خطتها بموافقة الدول الكبرى أو من دون موافقتها وبغض النظر عما يرد في تقرير بليكس الأخير. فواشنطن ترى انها تملك معلومات مؤكدة عن مخالفة بغداد وهي غير مستعدة لتقديمها إلى فرق المفتشين ولكنها تريد من تلك الفرق تأكيدها. ولو تلميحا وإشارة.
إدارة جورج بوش في صراع مع الوقت فهي خططت للمعركة وحددت أهدافها وتريدها في الأسابيع القليلة المقبلة. إلا انها لا تستطيع الهجوم قبل تجميع عناصر القوة من القوات والقواعد إلى الذرائع التي تبرر القتل من دون تأنيب دولي
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 127 - الجمعة 10 يناير 2003م الموافق 07 ذي القعدة 1423هـ