جرت العادة على أن تنشر الصحف الأميركية في نهاية كل عام جردا لأفضل حوادث العام وأسوئها. كما اعتاد الصحافيون طرح توقعاتهم للسنة الجديدة وتعداد الفرص والتحديات. وفيما يلي عرض لحوادث العام ضمن ثلاث خانات للأفضل والأسوأ والأبشع. وقد ضمت الخانة الأولى أشياء يعتقد الأميركيون أن لها فضلا عليهم والثانية تحديات سيواجهونها والثالثة قضايا تبدو عصية على الحل في المدى القصير ومن الصعب تقييم مدى اضرارها بالمصالح الأميركية وتستقطب بعض هذه القضايا حاليا اهتمام وسائل الإعلام أكثر من غيرها.
خانة الأفضل:
1- مرت أميركا خلال العام 2002 بظروف صعبة لكنها لم تتعرض لهجوم إرهابي خطير. ويعد ذلك في ذاته نجاحا في وقت يجري فيه الحديث عن نقاط الضعف التي تعاني منها الولايات المتحدة. ومن بين هذه النقاط: فشل السلطات الأمنية في تفتيش جميع الحقائب التي تدخل الأراضي الأميركية فضلا عن أن أكثر المطارات توظف رجال أمن اجراء يفتقرون إلى التدريب الكافي ولا يعرف أيضا ما إذا كان الأمن في أكثر من 60 محطة نووية منتشرة على ضفاف الأنهار والبحيرات مضمونا. وهل يستطيع رجال الأمن الأميركيون تفتيش أكثر من 1 في المئة من مئات الآلاف من الحاويات التي تدخل الموانئ الأميركية كل سنة؟ وإذا كان الاقتصاد الأميركي أفاد من عولمة التجارة وحرية تنقل رؤوس الأموال فإن الطريقة المثلى لتحقيق الأمن لبلد مترامي الأطراف كالولايات المتحدة لم يتم التوصل إليه بعد. وفي ضوء هذه الحقيقة قد يسعى الأميركيون أكثر من أي وقت مضى إلى البحث عن الأسباب الرئيسية للإرهاب وفي إمكان حلها سياسيا. لأن الحلول العسكرية والأمنية تظل قاصرة عن ذلك.
2- إن الوضع في أفغانستان بات أفضل بكثير من عهد نظام طالبان القمعي على رغم المشكلات الكثيرة التي يعاني منها البلد. ويبدو مستقبل البلد أكثر إشراقا مما كان عليه قبل سنة أو سنتين وإن كانت الحاجة واضحة إلى بذل مزيد من الجهود.
3- المد الديمقراطي ينتشر في العالم باطراد. وأحدث مثال على ذلك كينيا إذ كان فرح الكينيين بتقاعد دانيال أراب موي الرجل القوي الذي حكم طويلا مشهدا لا ينسى. وقد ذكر «فريدوم هاوس» وهو مركز دراسات عن الميول الديمقراطية في العالم أن العدد الأكبر من سكان العالم ينعم اليوم بالحرية بينما كانت النسبة في العام 1972 لا تتعدى 35 في المئة فقط. وقد ارتفعت النسبة الأن إلى 44 في المئة إضافة إلى 21 في المئة يعيشون في بلدان «شبه حرة»بينما يفتقر 35 في المئة الحرية. فمن بين 48 بلدا جنوب الصحراء، نظم 42 بلدا انتخابات تعددية استنادا إلى احصاءات البنك الدولي. ففي سيراليون مثلا نظمت انتخابات برلمانية ورئاسية بعد حرب أهلية مروعة. ولكن ثمة بلدان لا تبعث أوضاعها على التفاؤل مثل فنزويلا التي تغرق في الفوضى مع ما يترتب عليه ذلك من آثار على أسواق النفط. وزيمبابوي اذ نجح روبرت موغابي في تمديد فترة حكمه الذي استمر طوال 22 سنة عبر اجراء انتخابات مزورة. وأمر المزارعين البيض بوقف انتاجهم الزراعي في بلد يعاني من المجاعة. وربما يكون الحدث الأهم تقدم الصين، البلد الأكبر من حيث عدد السكان، نحو المزيد من الحرية لمواطنيه بما يتناسب مع المستوى المعيشي الذي تحسن. ويحتل العالم العربي بحسب ترتيب مركز «فريدوم هاوس» ذيل قائمة البلدان التي تحولت إلى الديمقراطية. وعلى رغم وجود بعض الاستثناءات كالكويت والبحرين وقطر على سبيل المثال لا الحصر، ثمة نقائص تعاني منها البلدان العربية نذكر منها تهميش المرأة في عملية التصويت، وضعف التجارة العربية البينية، وانخفاض تدفق الرساميل العالمية. إذ لا يتعدى حجم الاستثمارات العالمية في العالم العربي 2 في المئة، اضافة إلى ضعف النشاط الفكري على مستوى الجامعات. وأثار تقرير صندوق الأمم المتحدة للتنمية استغراب الأميركيين عندما كشف أن عدد الكتب المترجمة من الانجليزية إلى العربية لم يتعد 330 كتابا أي ما يعادل خُمس عدد الكتب المترجمة إلى اليونانية مثلا إن لم يكن أقل. ومن المؤكد ان الديمقراطية لا تقدم حلولا لكل المشكلات. وهي تتخذ اشكالا متعددة. وقد قال عنها ونستون تشرشل: «تمثل الديمقراطية شكلا سيئا من أشكال الحكم، إلا أن كل البدائل الأخرى تبقى أسوأ منه». وربما كان العراق «الديمقراطية الجديدة» في المنطقة فلننتظر ونرى.
4- أشارت دراسة حديثة أعدها مركز «سيرش فور كومون غراوند ستادي» وهو مؤسسة غير ربحية مقرها في واشنطن إلى أن الإسرائيليين والفلسطينيين سئموا سفك الدماء في صراعهم من أجل الأرض. وتعلل ذلك بالقول ان واحدا من كل خمسة فلسطينيين فقط يريدون دولة فلسطينية داخل الحدود التاريخية لفلسطين، وواحد من كل خمسة اسرائيليين يدعمون فكرة «إسرائيل الكبرى». أي دولة تقوم على جانبي نهر الأردن. والأهم من ذلك أن ما يزيد عن 70 في المئة من الفلسطينيين أعربوا عن استعدادهم لوقف العنف إذا وافقت «إسرائيل» على إقامة دولة فلسطينية داخل حدود 1967. لكن المشكلة تكمن في كون معظم الفلسطينيين والاسرائيليين فقدوا الأمل في نبذ الطرف الآخر للعنف. وفي غياب أي مؤشر على وجود النية لدى إسرائيل في الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، لا يبدو أن الفلسطينيين مستعدون لإلقاء السلاح. ولذلك نجد أن 70 في المئة منهم يؤيدون العمليات الاستشهادية فيما يؤيد 80 في المئة من الاسرائيليين العمليات التي نفذها لجيش الاسرائيلي في الشهور الأخيرة. ولكن ينبغي ألا تغطي هذه الأرقام على مؤشرات السأم والاستعداد للتنازل إذا طرح خيار السلام. وبينما يتضاءل في ظل شروط شارون الستة للتفاوض مع سلطة فلسطينية تأتي بعد عرفات، ولا ننسى أن شارون يعتبر أكثر اعتدالا من غيره من قادة الليكود، تبقى نتائج الدراسة عن آراء رجل الشارع الاسرائيلي والفلسطيني بارقة أمل صغيرة في مشهد قاتم.
خانة الأسوأ
1- ما تزال «اسرائيل» وفلسطين بعيدتين عن التسوية السياسية أكثر من أي وقت مضى. ولذلك تظل الجهة الشرقية من البحر المتوسط قابلة للاشتعال في أية لحظة في ظل استمرار التصعيد بين «إسرائيل وحزب الله من جهة وبينها وبين الفلسطينيين من جهة أخرى بشأن قضية مثل انهيار الحائط المتداعي في المسجد الأقصى ومن غير المستبعد أن يحدث هذا بعد حل المشكلة العراقية مباشرة. وفي هذه الحال، سيجر حتما إلى أزمة إقليمية ذات تداعيات عالمية. فليصلي المراقبون من أجل أن تتحرك اميركا لحل هذه الأزمة بالاضافة إلى الازمة مع كوريا الشمالية وإن كان من المستبعد أن تبذل واشنطن أية جهود لحل النزاع العربي - الاسرائيلي في الوقت الحالي. لأنها لا تشغل نفسها عادة بأكثر من أزمة واحدة. والمسألة العراقية كافية لشغل الساسة الأميركيين. ويبدو أن بوش لا يملك الاستعداد لحل الأزمة قبل دخول فترة ولايته الثانية إذا افترضنا إعادة انتخابه. ولا شك في أنه لن يضغط باتجاه الحل إذا كان سيواجه السيناتور الديمقراطي المقرب من «اسرائيل» جو ليبرمان في الانتخابات. وبالتالي فإن ملف الأزمة مرشح ليظل بيد مساعد وزير الخارجية برنز وفريقه في الوقت الراهن.
2- تقول مجلة «إنسايت» ان مدير إدارة الشرق الأدنى وشمال افريقيا في مجلس الأمن القومي إليوت ابرامز المعروف بتأييده القوي لاسرائيل أعد اقتراحا يدعو الولايات المتحدة إلى السيطرة على حقول النفط في عراق ما بعد صدام. وأثار الاقتراح غضب بقية أعضاء الادارة. ويبدي بعض الأميركيين استياءهم من هذا النوع من الاقتراحات لتنافيها مع التقاليد الأميركية. ويشيرون إلى أن الولايات المتحدة مكنت الألمان واليابانيين بعد الانتصار عليهم في الحرب من تدبر أمورهم الداخلية. وينقل مقال «إنسايت» عن مصادر في البنتاغون قولها ان أبرامز يتمتع بدعم النائب المحافظ لوزير الدفاع وولفويتز الذي يدعم كذلك ديك تشيني، نائب الرئيس المحافظ ايضا. ويقول احد حلفاء وزير الخارجية كولن باول ان ما يجري هو نوع من الادارة الخفية يقوم بها صقور وولفوتيز باستخدام الوسائل البيروقراطية المتاحة لترك بصماتهم على السياسة. ويخشى حلفاء باول أن تكون مجموعة أبرامز جزءا من جهود خفية ومنظمة يبذلها «الصقور» للاستحواذ على خطط إعادة البناء وإبقائها بعيدة عن وزارة الخارجية والأمم المتحدة. ومع أن مجموعة أبرامز تدعو إلى سيطرة أميركا على النفط العراقي لفترة انتقالية فقط في انتظار أن تقف الحكومة الجديدة على قدميها، فإن مجرد صدور مذكرة كهذه يزيد من المخاوف في الشرق الأوسط.
ويقال ايضا ان الصقور يسعون إلى تقليص دور السعودية في أسواق النفط. وهي خطوة من شأنها أن تلحق الضرر بشركات النفط الأميركية والدول المنتجة بحسب رأي الكثير من السياسيين. وتقول «إنسايت» ان «باول ومعه قائد القوات المركزية الأميركية الجنرال تومي فرانكس يفضلان استمرار برنامج الأمم المتحدة النفط مقابل الغذاء بعد عزل صدام. كونه يسمح للعراق باستخدام عائداته النفطية لشراء المواد الغذائية والأدوية. كما يمكن: استخدامه في عملية الانماء ثم زيادة الانتاج بشكل متواصل وعلى مراحل خلال سنوات عدة. ولحسن الحظ، هناك احتمال كبير ان تتغلب نظرة باول وفرانكس لأن التخطيط في مرحلة ما بعد الحرب سيكون بيد موظفيها.
3- وبينما يأمل الكثيرون ألا تتعدى الإدارة الأميركية المسألة العراقية، ثمة أحاديث مخيفة عن خطة ضد حزب الله. فقد نشرت «نيويوركر» و«فانيتي فير» وهما من المطبوعات الرئيسية في نيويورك، مقالات مطولة ومثيرة عن نشاطات حزب الله في أميركا الجنوبية. كما بدأ أصدقاء «إسرائيل» في وسائل الاعلام الاميركية وفي مراكز الأبحاث بكتابة مقالات تدعي أن حزب الله بات يشكل خطرا أكبر من تنظيم «القاعدة» على المصالح الأميركية. وكانت مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس صرحت بذلك فعلا لكن الكاتب المحافظ بوب نوقاك رد قائلا إن ذلك التصريح منحاز لاسرائيل ولا يعكس المصالح والاهتمامات الأميركية الحقيقية. ويقول نوقاك في مقال نشره في «الواشنطن بوست» ان حزب الله يعتبر مشكلة بالنسبة إلى اس
العدد 127 - الجمعة 10 يناير 2003م الموافق 07 ذي القعدة 1423هـ