العدد 127 - الجمعة 10 يناير 2003م الموافق 07 ذي القعدة 1423هـ

الزراعة في مقدمة خسائر الاقتصاد الفلسطيني

دأب الإرهاب الصهيوني، الذي يعود في جذوره الى عقود طويلة، في البحث عن أساليب مختلفة من أجل كسر إرادة الشعب العربي الفلسطيني، ولاسيما في أعقاب انتفاضة الأقصى المبارك، فحكومة الجنرال السفاح «ارييل شارون» لم تكتف فقط بقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وإنما وسعت من عمليات الإرهاب لتطول كل ما من شأنه مساعدة الشعب العربي الفلسطيني على الاستمرار في صموده، فقامت بتجريف الأراضي الزراعية وإعدام عشرات الآلاف من الأشجار المثمرة وغير المثمرة، لتحقيق الكثير من الأهداف، وفي المقدمة منها إمكان تهجير الفلاحين الفلسطينيين عن أراضيهم وبناء المزيد من المستعمرات واستقدام قطعان جديدة من المهاجرين الصهاينة.

وبغض النظر عن الأهداف السياسية من الممارسات الإرهابية للحكومة الإسرائيلية الحالية ومن سبقها، فإن رصد الخسائر الاقتصادية للانتفاضة الفلسطينية الباسلة، يشير إلى أن حكومة الإرهاب ترمي إلى تدمير جميع البنى التحتية التي تساعد الشعب العربي الفلسطيني على مواصلة نضاله المشروع.

فبعد أكثر من عامين على اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة، وصلت فاتورة الخسائر الحالية إلى حدود (10) مليارات دولار لغاية أواسط أكتوبر/ تشرين الأول 2002، والأمر الملفت للنظر ان فاتورة الخسائر الزراعية تستحوذ على رقم لا يستهان به من إجمالي الرقم المذكور.

وبحسب تقديرات وزارة الزراعة في السلطة الفلسطينية لا يقل نصيب القطاع الزراعي عن (700) مليون دولار، منها (356) مليون دولار ناجمة عن اتلاف المحاصيل قبل حصادها أو قطافها.

ولابد من الأخذ في الاعتبار ان الأرقام الصادرة عن مؤسسات السلطة الفلسطينية تشير فقط الى الغلات الزراعية التي يتوقع إنتاجها واستهلاكها محليا، من دون النظر الى عائداتها المالية في حال تصديرها الى الأسواق الخارجية، ومن دون النظر الى القيمة المضافة التي يمكن تحقيقها في حال دخول الإنتاج الزراعي الى دورة التصنيع وتصدير ما هو فائض عن الحاجة من المنتجات الزراعية المتخلفة التي تشكل مصدرا أساسيا لشريحة واسعة من الشعب العربي الفلسطيني، وقد لا تتبدى صورة الخسائر الزراعية على حقيقتها إلا في حال اللجوء إلى لغة الأرقام، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تقدر صادرات قطاع غزة خلال السنوات التي سبقت الانتفاضة بنحو (1700) طن من الخضراوات و(600) طن من الحمضيات وحوالي (2) مليون زهرة أسبوعيا يتم تصديرها الى الأسواق الأوروبية، وتقدر قيمة صادرات الزراعة السنوية بنحو (300) مليون دولار.

وفيما يتعلق بعلميات تجريف الأراضي الزراعية وقطع الأشجار، فالأمر الواضح أن مؤسسات السلطة مازالت تشير إلى أرقام تقديرية لجهة الخسائر نظرا لتعاظمها في أعقاب قيام الجنرال السفاح «ارييل شارون» وحكومته ببناء السور الذي يفصل أراضي الضفة الغربية عن مناطق ما يسمى بـ (الخط الأخضر) والذي يضم مئات الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة.

وبحسب الأرقام الأخيرة الصادرة عن مؤسسات فلسطينية مختلفة، فإن قوات الاحتلال قطعت ما يزيد عن (600) ألف شجرة، معظمها من الزيتون والحمضيات، وجرفت ما يزيد على (40) ألف دونم من الأراضي الزراعية الخصبة، و(45) ألف دونم مزروعة أو قيد الزراعة أو قيد الزراعة لمحاصيل حقلية مختلفة، ودمرت نحو (165) بئرا للمياه وشبكات الري والمشكلات، و(214) منزلا للمزارعين، إضافة إلى تدمير ما يزيد على (100) مزرعة ومحطة للبحث الزراعي العلمي وحظائر لتربية الدواجن والأبقار.

وقد وصل عدد المزارعين المتضررين حتى أكتوبر إلى ما يزيد على (6) آلاف مزارع، وهذا الرقم الأخير قد لا يعطي معناه الحقيقي إلا في حال علمنا بأن الزراعة الفلسطينية تقوم بتشغيل نحو ثلثي السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتسهم في رفع الناتج المحلي بنسبة لا تقل عن 20 من إجمالي الناتج، وفي عودة إلى أوضاع الفلسطينيين المعيشية من شريحة الفلاحين سنلحظ أن أوضعاهم كانت الأشد سوءا طيلة العامين الماضيين.

ولعل الأمر المعروف أن سياسات حكومات العدو الصهيوني المتعاقبة كان قد شهدت في عقود ماضية الكثير من الممارسات التي طالت القطاع الزراعي وجعلته هدفا لها، وهذا ان دل على شيء فهو أول ما يدل على ان استراتيجية الصهيونية تقوم، ومنذ عقود من الزمن، على مفهوم التهجير بهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي، فحين كان الجنرال الجزار «ارييل شارون» وزيرا للدفاع في العام 1981 أصدر أمرا عسكريا يقضي، وفي معانيه المتعددة، الى طرد الفلاحين ومحاصرتهم في لقمة عيشهم من خلال منع زراعة أراضيهم ، الأمر المذكور يقول حرفيا: «يمنع أي مزارع فلسطيني من زراعة أنواع الخضراوات والأشجار المثمرة إلا بعد الحصول على موافقة رسمية من الحاكم العسكري».

ولأن الفلاحين الفلسطينيين كانوا، ومازالوا، يجدون مثل هذه الأوامر بمثابة سياسة لاقتلاع الشعب العربي الفلسطيني من أرضه، فان هذه السياسة لم تلق استجابة، بل زادت الفلسطينيين تحديا، وفي مواجهة ذلك فإن رموز السياسة الصهيونية باشروا البحث عن أساليب أخرى كان من بينها إشهار سلاح المياه بوجه الفلسطينيين من خلال آليات وطرق مختلفة، جميعها تندرج تحت عنوان حرمان الفلسطينيين من موارد المياه ومن مصادرها.

فبحسب بعض الأرقام التي تعترف بها المؤسسات الصهيونية في منابرها الإعلامية الرسمية، فإن الجانب الفلسطيني يتلقى سنويا نحو (250) مليون متر مكعب من المياه، منها (135) مليون متر مكعب للضفة الغربية و(115) مليونا لقطاع غزة، فيما يستهلك الجانب الإسرائيلي في مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة (ألفي مليون) متر مكعب من المياه سنويا، وهذا الرقم وإن كان يدل على العنصرية في مسألة توزيع المياه، فإن الأهداف الاقتصادية أيضا بدورها حاضرة، ومن خلال معادلة حسابية لتوزيع مصادر المياه سنلحظ ان الفرد الإسرائيلي يتمتع بخمسة أضعاف ما يتمتع به الفرد الفسطيني، وهذا الأمر بالذات دفع بالفلاحين الفلسطينيين للاعتماد وبشكل كبير على مياه الأمطار لسقاية مزروعاتهم، حتى أن كميات المياه المتوافرة في بعض المناطق والمدن الفلسطينية القريبة من الأحواض المائية قامت الحكومة الإسرائيلية بسرقتها واستجرارها بوسائط مختلفة ومتعددة من خلال حفر الآبار بطرق علمية مدروسة، فعلى الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة، قامت الحكومة الإسرائيلية خلال عهد الجنرال وقاتل الأطفال «ايهود باراك» فقط بحفر أكثر من (40) بئرا.

وكل ذلك كي تتمكن الحكومة الإسرائيلية من استجرار المياه القادمة إلى قطاع غزة من جبال الخليل، وواقع الحال لا يختلف كثيرا في الضفة الغربية، ومثل هذه السياسة لا تؤدي فقط الى حرمان الفلسطينيين من المياه، وإنما تساعد على زيادة نسبة الملوحة في التربة، وهو ما يعني ان على الفلسطينيين الامتناع عن الزراعة ونسيانها نهائيا، لكن دروس الصمود الفلسطيني في وجه أساليب الإرهاب الصهيوني كافة تشير إلى ان انتفاضة الشعب العربي الفلسطيني ستتواصل حتى يبزغ فجر الاستقلال ويطرد الاحتلال وتقام الدولة الفلسطينية ويعود اللاجئون إلى ديارهم

العدد 127 - الجمعة 10 يناير 2003م الموافق 07 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً