قد تكون طبول الحرب تقرع في واشنطن لكن صوتها لا يصل للاذان في بورصة بغداد الوليدة... فالمستثمرون اقبلوا على موجة شراء والمؤشر الرئيسي للبورصة ارتفع باكثر من الثلث منذ ان قبل صدام حسين قرار الامم المتحدة الذي يطالبه بنزع اسلحته والا واجه عواقب وخيمة.
وقال رئيس ادارة الدراسات بالبورصة طه عبدالسلام الناس يشترون ويبيعون وهناك تفاؤل وعمل.
لكن بالنسبة إلى المقبل من الخارج المدرك لغيوم الحرب التي تلوح في الافق فان مثل هذا السلوك المبتهج يبدو غريبا. لكن يبدو ان بعض العراقيين يراهنون على مستقبل افضل لهذه الدولة الغنية بالنفط.
وقال عبدالسلام ان غالبية الشركات المدرجة في البورصة وعددها 115 شركة وزعت ارباحا واسهما مجانية «لذلك فمن الطبيعي ان ترتفع الاسعار». وأضاف «اعتقد ان السوق ستنمو باعلى من المعدل المتوسط.
ويقع مبنى البورصة المكون من ثلاثة طوابق في حي تجاري في بغداد. واعيد بناء الموقع بعد قصفه في حرب الخليج العام 1991 وكان في ذلك الوقت يضم مركز معلومات حكوميا.
والمنظر في قاعة التداول هو المعتاد في أي بورصة لا ينقصه سوى شاشات الكمبيوتر والبنية الاساسية المعقدة واحجام التداول الضخمة.
وانتقلت البورصة الى هذا الموقع في العام 1998 من موقعها السابق الذي لم يعد يسع الاعداد المتزايدة من المستثمرين.
ويتدفق نحو 400 مستثمر على البورصة عندما تفتح ايام السبت والاثنين والاربعاء.
ومثل بورصات عربية وليدة آخرى فان تحركات الاسعار مقيدة بحد اعلى وحد ادنى لتجنب الصدمات. ويبلغ هذا النطاق حاليا خمسة في المئة صعودا او هبوطا عن سعر الاقفال السابق.
وغالبية المستثمرين رجال اعمال يرتدون الحلل وبعضهم يرتدي النظارات الطبية ليقرأ الاسعار المكتوبة على لوحة بيضاء تحيط بقاعة التداول. ويقول عبدالسلام ان ذلك سيستبدل بشاشات الكترونية هذا العام.
وقال المستثمر جاسم صالح الذي دخل بالزي البدوي «اشتري عندما تهبط الاسعار وابيع عندما ترتفع». موضحا كيف نمت ثروته إلى 1,5 مليون دينار (750 دولارا)
وهو ليس مبلغا كبيرا بمقاييس العالم لكنه ثروة لا يستهان بها في بلد يرزح تحت وطأة عقوبات اقتصادية صارمة تفرضها عليه الامم المتحدة منذ 12 عاما.
وأضاف «في الفترة الاخيرة وسط التهديدات (الاميركية) ارتفعت الاسعار بدلا من ان تنخفض. كان ذلك بمثابة رد منا».
ويتطلع المستثمرون لشاشات تلفزيونية قديمة تورد بيانات محدودة لكنها مهمة... حوادث صفقة والسعر الراهن والسعر قبل الاقفال. ولا يسمح بالتداول سوى للعراقيين خوفا من ان يستولي الاجانب على الشركات العراقية مستفيدين من انهيار العملة خلال فترة العقوبات.
ويتراوح متوسط قيمة التداول اليومي بين 250 مليونا و400 مليون دينار. وهو مستوى ضعيف جدا بالمقاييس الدولية. لكن البورصة العراقية بكل محاسنها ومساوئها تتمتع بنوبة نشاط جديدة.
فعلى رغم ان المستثمرين في العراق المعزول يفتقرون إلى عقلية اسواق المال العالمية فان المؤشر الرئيسي المؤلف من اسهم 95 شركة ارتفع كما حدث في التسعينات متمتعا بصعود نجمه على مدى سنواته السبع الاولى حتى بلغ ذروته العام 2000.
وشهدت البورصة هبوطا العام 2001 يرجعه الكثيرون هناك الى العقوبات. فانخفض المؤشر إلى 1312 نقطة بحلول نهاية العام.
واضرت عواقب هجمات 11 سبتمبر/ ايلول على الولايات المتحدة كذلك باتجاه البورصة خصوصا بعد ان ادرج الرئيس الاميركي العراق في «محور الشر».
وفي الفترة الاخيرة انتعشت البورصة فارتفع المؤشر إلى 1938 نقطة في 12 ديسمبر/ كانون الاول من 1410 في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني. واغلق على 1750 يوم 18 ديسمبر وهو احدث بيان متوافر عن التعاملات قبل رأس السنة.
وشجع قبول العراق يوم الثامن من نوفمبر قرارا صارما للامم المتحدة يطالبه بالتخلي عن اسلحة الدمار الشامل المستثمرين على العودة للشراء.
ويقول المستثمر فيصل العصام (57 عاما) موضحا «كان هناك خوف وقلق لكن هذا القرار بعث الامل... وكأن خيار الضربة العسكرية قد ابتعد».
وكان يقف عند حاجز يفصل المستثمرين عن 51 سمسارا يتلقون اشارات لفظية ويصدرون اوامر بيع وشراء مكتوبة بخط اليد. ويتقاضى السمسار نسبة واحد في المئة من البائعين والمشترين.
وتعكس اسماء الشركات العراقية المدرجة في البورصة حضارات ومعتقدات قديمة فمنها شركة نينوى للصناعات الغذائية وبنك سومر التجاري وفندق عشتار وبنك بابل.
ويتمشى ذلك مع بلد يفخر بشدة بميراثه الحضاري الذي يرجع لآلاف السنين. فكانت بغداد ذات يوم تقع على مفترق طرق التجارة القديمة.
والبيانات داخل السوق محدودة جدا بالطبع. فلا يمكن الاعتماد على انباء عن ارباح الشركات او تحذيرات من تراجع الارباح مثل التي تظهر على شاشات التداول الالكترونية في مختلف ارجاء العالم. في بغداد يحصل المستثمرون على الانباء عن الشركات من اعلانات معلقة على لوحة في مدخل البورصة
العدد 127 - الجمعة 10 يناير 2003م الموافق 07 ذي القعدة 1423هـ