العدد 125 - الأربعاء 08 يناير 2003م الموافق 05 ذي القعدة 1423هـ

اقتصاد الحرب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في خطابه الافتتاحي لجلسة الكونغرس الأولى في 7 يناير/ كانون الثاني الجاري أشار الرئيس الاميركي جورج بوش إلى سلسلة اجراءات اقتصادية ينوي اتخاذها. الكلمات نالت حصة كبيرة من تصفيق أعضاء الحزب الجمهوري بينما حصد البرنامج الكثير من الملاحظات النقدية من أعضاء الحزب الديمقراطي وبعض الخبراء في عالم المال والأعمال. الجمهوريون صفقوا مرارا وقاطعوا الكلمة تكرارا وكأنهم في برلمان (عالمثالثي) لا وظيفة لديه سوى التصفيق ترحيبا بكل ما يقال من دون توقف. الديمقراطيون أصيبوا بصدمة فهم للمرة الأولى أقلية لا تستطيع عرقلة أو تعطيل اجراءات ستكون لها انعكاسات سلبية على اقتصاد يعاني من العجز المالي ومجتمع يجهز لخوض معركة عسكرية كبرى مكلفة على مختلف المستويات.

أخطر ما في خطاب الافتتاح هو تركيز الرئيس بوش على نقطتين: الأولى خفض كبير في الضرائب بذريعة ان الوفر المالي سيعاد توظيفه في الاستثمارات القطاعية الصغيرة والمتوسطة الامر الذي يتوقع أن يخفف نسبة العاطلين عن العمل. والنقطة الثانية انفاق 600 مليار دولار على فترة عشر سنوات على شئون الصحة والضمانات الاجتماعية ومعاشات التقاعد.

الاقتصاديون وجدوا في البرنامج (الكلمة) مجموعة ثغرات منها أن الخفض في الضرائب سيؤدي إلى تقلص في دخل الخزينة المالي من دون أن تكون هناك ضمانات مؤكدة على ان الوفر في اقتطاع الضرائب سيوظف في الاقتصاد وفي مختلف القطاعات الاستثمارية. والنقص في المصادر المالية يعني المزيد من العجز في الموازنة الفيدرالية وعدم قدرة الدولة على الوفاء بوعودها في انفاق المال على الفئات المتوسطة والفقيرة.

تركزت أسئلة الاقتصاديين على فكرة مركزية: من أين يأتي الحزب الجمهوري بـ 600 مليار دولار في وقت تشير الاحصاءات إلى نمو العجز المالي بسبب الانفاق المجنون على قطاعات الدفاع والتسلح والتجييش. الخبراء يشككون في صحة الارقام أو على الاقل يضعون علامات استفهام على المصادر الحقيقية لتلك الوعود في الانفاق.

الرئيس بوش يقول ان الولايات المتحدة هي افضل بلد في العالم تجذب المال والاستثمار بسبب استقرارها الامني ووجود قوانين تشجع على التوظيف.

الاقتصاديون يردون بأن مسألة الامن تراجعت كثيرا بعد ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وان الدولة اتخذت سلسلة قرارات بوليسية لاحتواء تداعياتها الامر الذي زاد من مخاوف المستثمرين بل اضطر بعض رجال المال إلى نقل أعماله إلى خارج الولايات المتحدة بسبب المضايقات العنصرية والدينية والثقافية التي لجأت اليها أجهزة المباحث والمخابرات ضد المختلفين في اللون واللغة والتقاليد الاجتماعية. فالاجراءات التعسفية في قوانين السفر والهجرة واللجوء والنقل والمراقبة والتنصت لا تشجع على الاستثمار في الولايات المتحدة بل تساعد على تخويف رأس المال الموجود أصلا وتهريبه بشتى الطرق والوسائل.

هذه الملاحظات النقدية على البرنامج الاقتصادي للحزب الجمهوري أثارت المخاوف عند خبراء السياسة والاقتصاد وخصوصا حين توقفوا أمام كلمات بوش «الطنانة الرنانة» عن استعدادات اميركا لخوض حرب تدميرية في حال لم يسلم العراق أسلحته التدميرية. فالربط الآلي بين السياسة والاقتصاد والحرب في خطاب واحد يشير إلى وجود ترابط بين الحلقات الثلاث. فالسياسة البوليسية التي اتخذتها ادارة واشنطن جعلت من اميركا قلعة أمنية لا تشجع على السياحة ولجوء الاموال إليها. وعسكرة الاقتصاد استعدادا للحرب يزيد من نفقات الخزينة ويقلص امكانات السيطرة على ثغرة العجز في الموازنة... إذن من أين يفي بوش بوعده في انفاق 600 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة؟ في خطابه الافتتاحي لم يشر بوش إلى مصادر المال. تحدث عن النتيجة من دون ذكر السبب.

سؤال «من أين المال» له صلة بالحرب لا بالاقتصاد؟ فالحرب بالنسبة لصقور واشنطن هي الاقتصاد... واقتصاد الحرب يحرك قطاعات الانتاج الاميركية التي ستمد آلة الحرب بالرجال والذخيرة والغذاء. والحرب الاقتصادية تجلب الى القطاعات الاستهلاكية المال من الخارج من طرق شتى أولها النفط وآخرها تدمير شعوب باسم «الحرية»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 125 - الأربعاء 08 يناير 2003م الموافق 05 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً