العدد 124 - الثلثاء 07 يناير 2003م الموافق 04 ذي القعدة 1423هـ

شارع المعارض... شارع جيل وعالم منسي

تمام أبو صافي comments [at] alwasatnews.com

شارع المعارض الذي اصبح اليوم على كل لسان في البحرين وخارجها، شارع حديث نشأ في الثمانينات من القرن الماضي كأحد مظاهر التوسع العمراني في البلد، واكتسب اسمه من وجود مركز البحرين للمعارض فيه في مطلع الثمانينات قبل أن ينتقل المركز إلى مكانه الحالي قرب قرية السنابس.

ويتذكر الكثير من البحرينيين وسكان الحورة خصوصا، ان حركة دفن البحر المقابل للحورة من جهة الشرق، بدأت تتصاعد مع نهاية السبعينات، ونشطت أكثر مع مطلع الثمانينات اذ تم دفن كل المنطقة الممتدة ما بين وزارة الأشغال سابقا إلى الشمال وحتى المبنى القديم للمؤسسة العامة للشباب - الذي تحول اليوم إلى المجلس الوطني - إلى الجنوب باتجاه الشرق.

كما امتد الدفان ايضا من فندق الخليج الذي كان يحاذي البحر إلى الشرق باتجاه الجفير. ونشأت منطقة جديدة شرقي حي الحورة وأصبحت تعرف باسم منطقة «المعارض» التي اكتسبت اسمها، كما اشرنا من وجود مركز معارض البحرين في مطلع الثمانينات فيه.

شارع المعارض والمنطقة المحيطة به، شارع تجاري في الدرجة الأولى، تنتشر فيه المحال التجارية والمكاتب والمطاعم. خلال الثمانينات والتسعينات، أقيمت فيه بعض الفنادق من فئة النجوم الثلاث والأربع، والشقق السكنية للعائلات، حتى أن بعض الأبنية التجارية تحولت بسرعة إلى فنادق أو مطاعم.

وزادت شهرة الشارع أكثر مثلما يقول الكثير من سكان الحورة في مطلع التسعينات، عندما اصبح أحد المناطق الأساسية التي تركّز فيها الكويتيون الذين جاءوا للبحرين بعد الغزو العراقي للكويت إلى درجة كان من الصعب احيانا خلال سبعة شهور أن تجد سيارة تحمل ارقاما بحرينية في الشارع، نظرا إلى كثرة السيارات الكويتية الموجودة فيه وتحوّل الشارع إلى حي كويتي تماما.

وفي فترة قياسية، تحول شارع المعارض إلى منطقة خدمات تجارية من كل الأنواع خلال التسعينات، ونظرا لتركز الكثير من الفنادق والمطاعم التي تلبي كل الاذواق تقريبا من مطاعم الوجبات السريعة إلى المطاعم العربية والتركية واللبنانية، تحول الشارع إلى مقصد للترفيه على مختلف المستويات. وهو ما جعل هذا الشارع يعيش وجهين خلال 24 ساعة، وجها تجاريا في النهار، ووجها سياحيا في الليل. هكذا تحول الشارع إلى واحد من أكثر شوارع العاصمة ازدحاما.

طبيعة هذا الشارع باعتباره مقصدا للترفيه، جعلته يجذب الشباب الذين يمكن مشاهدة تجمعاتهم في أكثر من مكان في الشارع. وفي وقت تغيبت فيه المؤسسات الشبابية عن الشارع البحريني برز اسم المعارض وكذلك شارع العدلية كمنافس وحيد له في المنامة من حيث التجمع والتجمهر لمجموعات من الشاب المراهقين.

من الثمانينات إلى العام 2002، لدينا جيل كامل، هذا الجيل هو الذي ينتمي اليه معظم الذين تورطوا في شغب ليل رأس السنة الماضية. ومن استعراض أعمار الذين نشرت صورهم في الصحافة المحلية، يتبين هذا بوضوح. والسؤال كيف تشكل هذا الجيل؟ ما هي المؤثرات الاجتماعية والثقافية والنفسية التي تشربها؟. مثل هذه الأسئلة هي التي يجب أن تطرح الآن بقوة وتكون أساس البحث في قضية شغب وصل إلى حدود غير مقبولة على الاطلاق بأي مقياس.

عندما يمر الواحد منا في شارع المعارض في أي يوم من أيام السنة، أو حتى دوار عوالي، سيشاهد منظرا اصبح عاديا بالنسبة إلى الكثير منا. عشرات الشباب المتجمعين حول سياراتهم أو الجالسين على الرصيف أو منطلقين في سباق للسيارات أو أي نوع آخر من الترفيه الذي يبتكرونه هم بأنفسهم. مجرد وجودهم وتجمعهم ليس جريمة بحد ذاته، وليس من الضروري أن يكونوا يعانون أوضاعا أسرية مأسوية بل انهم شباب عاديون مثلهم مثل أي شباب آخرين، لكن من الواضح ان عالمهم عالم منسي تماما. فلا الأندية ولا برامج المؤسسة العامة للشباب والرياضة قادرة على اجتذابهم ولا الجمعيات السياسية التي نشأت في البحرين خلال العامين الماضيين ومن بينها جمعيات ومنتديات للشباب قادرة على اجتذابهم أيضا ولا حتى تلك الجمعيات النسائية التي تهتم بقضايا الأسرة.

على مدى ثلاثة أعوام، ابتكر هذا الجيل المنسي وسائله في الترفيه والتعبير عن نفسه في شارع المعارض تحديدا ابتكروا تقليد الاحتفال على طريقتهم عبر التراشق بالبيض والمفرقعات الخفيفة (الجراخيات) سمعنا عن هذا النوع من الاحتفال منذ عامين ولم يسترع ذلك انتباه احد، بل مر مرور الكرام سمعنا عن سباقات السيارات قرب دوار عوالي منذ سنوات قليلة مضت، ويوميا نشاهد العشرات من هؤلاء الشباب في المجمعات التجارية وفي مباريات كرة القدم، لكن عندما تفاجأنا بما جرى ليل رأس السنة قبل أيام، أخذنا نتساءل عن الدوافع وعن هذا الجيل وطرحنا الأسئلة التي لم نطرحها منذ سنوات، لماذا يفعلون هكذا؟

وراح الكثير منا يصدر الأحكام ويرمي بالتهم يمينا ويسارا وراح الكثيرون يطالبون بأقصى العقوبات وبالتشدد وعدم التهاون وكل هذا يبدو معقولا لان ما جرى لا يقبله أحد، لكن معرفة الأسباب الحقيقة لجنوح مئات من الشباب في مظاهر عنف جماعي على هذا النحو هو أمر يجب ان يخضع لدراسة وافية وليس لاحكام متسرعة. ومن الواضح تماما اننا عندما نردد بأننا فوجئنا بكل ما جرى فان هذا يعني اننا لا نعرف الكثير عن هذا الجيل... وانه جيل منسي تماما

العدد 124 - الثلثاء 07 يناير 2003م الموافق 04 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً