العدد 124 - الثلثاء 07 يناير 2003م الموافق 04 ذي القعدة 1423هـ

مبادرة الشراكة الأميركية للشرق الأوسط تكشف التخلف العربي

قراءة في خطاب كولن باول

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

على رغم الكثير من التحفظات السياسية والإعلامية كانت مصر الدولة العربية الوحيدة التي وجدت في مبادرة الشراكة الاميركية مأخذا لاعلان رفضها الغزو الجديد بالطرق الجديدة، بينما كانت آراء الاردن وقطر والكثير من الدول مؤيدة لما في المبادرة.

هذا الامر قالت عنه بعض الصحف الكثير من الاقاويل وخصوصا أن تلك المبررات التي ساقها وزير الخارجية الاميركي كولن باول لاطلاق مبادرة الشراكة الاميركية - الشرق اوسطية بدت وكأنها انسانية بحتة، حين تحدث عن الفقر، وفقدان الحرية، والبطالة، والمحاولة لسد فجوة الامل، بين التوقع والواقع في الشرق الاوسط. وعلى رغم وجاهة هذه المبررات - تقول صحيفة «الرأي» الاردنية - فإنها ليست نزيهة فهي تحمل اغراضا وأهدافا سياسية، اقل ما يقال عنها انها وسيلة من وسائل تحسين واشنطن لصورتها في منطقة الشرق الاوسط واعادة بناء مصالحها الاستراتيجية في المنطقة على اسس جديدة، فكون الادارة الاميركية وبعد عام وشهرين من 11 سبتمبر/ ايلول 2001 تدرك ان هذه الحوادث ناتجة عن جملة من الظروف والمكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعيشها الدول العربية وان هذه كانت بصورة او بأخرى هي نتاج لتلك الظروف والمكونات، هو امر مهم للغاية وبداية فهم صحيح لكيفية صون مصالحها وصون مصالح الآخرين بصورة جديدة وعلى قاعدة (الشركة) وليس الاملاء او التبعية، فحديث باول عن رفض فكرة «ان الحرية لا تنمو في الشرق الاوسط» واشارته إلى وجود انظمة (مغلقة) ودعوته لتنمية الديمقراطية ودعم الحريات ومؤسساات المجتمع المدني والتعليم وتعظيم دور المرأة وتحسين الاداء الاقتصادي عبر تحريره والشراكة مع القطاع الخاص وزيادة الشفافية وتطوير القضاء وزيادة تحصينه، كل ذلك من شأنه ان يعيد انتاج المصالح الاميركية على قواعد جديدة لاتجد فيها واشنطن تناقضها بين مصالحها وبين مصالح القوى الفعالة في دول ومجتمعات العالم العربي.

كما انه وخلال السنوات الطويلة من القرن الماضي أي منذ انتهاج واشنطن سياسة سد الفراغ زمن الرئيس ايزنهاور ودخولها حلبة الصراع الدولي على الشرق الاوسط وتبنيها اسرائيل كأحد العناوين الرئيسية لمصالحها في المنطقة وتحالفها مع الانظمة المتخلفة والرجعية والاوتوقراطية والدكتاتورية في مواجهة المد الشيوعي ابان ذروة الحرب الباردة، اسست الولايات المتحدة من حيث لا ترغب بنى تحتية حاضنة للاصولية الدينية، وكان الحرب ضد الغزو السوفياتي لافغانستان من أبرز المحطات التي قفز من خلالها «الاسلام السياسي» إلى واجهة الحوادث وصناعتها، وفي اعقاب انتهاء الحرب الباردة والتداعيات التي رافقت الاحتلال العراقي للكويت وحرب تحريرها لاحقا وبانتهاء الظاهرة السوفياتية برزت على السطح وبالتوالي ظاهرة «صدام حسين» فابن لادن هو احد ابرز القوى التي استخدمتها اميركا ضد السوفيات. اما الرئيس العراقي فقد كان حليفا قويا لواشنطن منذ تسلمه مقاليد السلطة في العام 1979، وغضت واشنطن بحكم تحالفها معه في حربه ضد إيران الطرْف عن كل ما جرى من انتهاكات لحقوق الانسان في العراق، وحتى قضية «الانفال» وضرب الأكراد بالأسلحة الكيماوية في (حلبجة) العام 1988 لم تحرك ساكنا لدى الولايات المتحدة التي تعيد الآن فتح ملفاتها.

اكتشفت واشنطن بعد ضربة 11 سبتمبر وقبلها في احتلال الكويت ان التطرف الذي يمارسه حلفاء الامس ضدها هو نتاج مسألتين أساسيتين: كما يرى ذلك الكاتب والمحلل الاردني رجا طلب:

اولا: غياب الديمقراطية

ثانيا: اخطاء سياستها في الشرق الاوسط وخصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية و«اسرائيل».

لذلك فان مبادرة الشراكة الاميركية - الشرق اوسطية وكما عبرت عنها انا وعدد من زملائي الكتاب والصحافيين في الندوة الخاصة التي عقدت بالسفارة الاميركية قبل يوم من اعلانها من قبل باول بحضور مسئول الشئون الإعلامية والثقافية في السفارة هينز ماهوني ومديرة بعثة الـ «يو اس ايد» في الاردن طوني كريستيان واديمر - ستكون ناقصة من دون تعزيزها بسياسات أميركية أكثر مراعاة للقضيايا العربية.

إن الديمقراطية في الوطن العربي لن تكون في صالح اميركا اذا بقيت السياسة الاميركية منحازة إلى «اسرائيل» وتقف في وجه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، لان هذه الديمقراطية ستفرز من دون ادنى شك مزيدا من المتطرفين والراديكاليين. فالمبادرة خطوة في الاتجاه الصحيح لكن لا بد ان تتزامن مع حدوث توازن في السياسة الاميركية تجاه قضايا المنطقة وتحديدا القضية الفلسطينية.

اما المحلل والكاتب جمال الطاهات (عضو لجنة صوغ الميثاق الوطني الاردني) فأيد المبادرة بقوة. ويرى انها تتضمن الكثير من الإيجابيات وهي تعكس فهما اميركا جديدا للمنطقة ولعلاقاتها المستقبلية معها، ومن المؤسف ان هذه المبادرة كانت من اميركا، ومن المؤسف اكثر ان العرب لم يكن لهم الا دور المحرض عليها. إذ اشار كولن باول في خطابه إلى ان فكرة هذه المبادرة اتت بعد زيارة الرئيس مبارك الاخيرة للولايات المتحدة.

والسؤال: لماذا عجزت الانظمة العربية التي قرأت تقرير التنمية البشرية عن التقدم بمبادرة شبيهة، تنقذ العرب من ان يكونوا محط عطف وشفقة من اميركا، وتضع العرب أمة لا حول لها ولا قوة الا ان تنتظر مبادرة اميركية، حتى يبدو ان لا خلاص لهذه الامة الا من خلال شراكتها مع اميركا ومن خلال المنظور الذي تراه اميركا لهذه الشراكة.

كما ان قيمة المبادرة ليس بحجمها، ولا بالموازنة المتواضعة التي طرحتها، فهذه الموازنة تعكس تصورا للتنفيذ، بل انها تشكل مبلغا ضخما جدا لآليات العمل التي تمت الاشارة اليها في هذه المبادرة، ولكن قيمة المبادرة في الفكرة التي تستند اليها، وفي انها تتحدث للعرب عن انفسهم، وهي تؤكد من جديد الفشل التاريخي الكبير للمشروع النهوضي العربي، وفي ان النهضة طريقة تفكير وعمل وليست مجرد شعار معلق بين ماض لم نصنه وحاضر اضعناه، وغد ضاع من احلامنا.

مبررات هذه المبادرة صحيحة، ولا مجال للتشكيك بما فيها، فقد استند باول في خطابه إلى حقائق مقررة عن الواقع العربي، كذلك وعود هذه المبادرة لا يمكن رفضها، فهي تعد بالتقدم والازدهار، يضاف إلى ذلك ان عنوانها ليس مرفوضا، بمعنى ان الشراكة العربية الاميركية ليست مرفوضة من قبل الخطاب الرسمي العربي بل ان هذا الخطاب يتباهى بما حقق من منجزات عن تطوير العلاقة من اميركا.

ويطرح الطاهات سؤاله: لماذا جاءت المبادرة من واشنطن، ولماذا عجزت الانظمة العربية عن لملمة عدد من المفكرين العرب لبلورة مبادرة اكثر نضجا وتطورا؟ ولماذا لا يجرؤ الزعماء العرب الذين قصوا اشرطة افتتاح الجامعات عن اطلاق طاقات شعوبهم من خلالها، ولماذا يصر الواقع العربي على تقييم الفكر والعقل من خلال معايير الجهل؟ وهذه الاسئلة ليست من اجل تبرير الحرب على المبادرة والوقوف ضدها، ولكن من اجل ان نتطور سريعا بحيث تصبح شراكتنا اثمن للعالم، ولاميركا. فمن المعيب ان يتلخص عنوان شراكة 22 علما ونشيدا وطنيا بمشروع بهذا المستوى، إذ يمكن من خلال مراجعة الدوريات العربية منذ 20 عاما تلمس دعوات بذات الحرارة والعقلانية والوضوح، كتبها مفكرون عرب محترمون وأجلاء، ولكن كل الانظمة العربية التي لا تقرأ، كانت بانتظار باول ليأتي ويحدد ثلاثة عناصر، الاول، تشخيص للازمة، والثاني تحديد للحل، اما الثالث، فهي اثبات حاجة العرب لاميركا حتى يفهموا انفسهم وينطلقوا من الفهم إلى التصور العلمي.

المبادرة شهادة وفاة للمشروع النهوضي العربي، فالعرب لا يحتاجون 29 مليون دولار، ولكنهم يحتاجون لاسترداد العقل الذي غيبه القمع ليحيل مبلغ 29 مليون دولار إلى فاتحة لمشروع نهوضي، وهي اثبات ان النهضة خيار نوعي وليست مجرد حركة كمية.

محاولة البعض التبجح بالحديث عن شروط عربية على اميركا حتى يقبل العرب بالمبادرة امر يثير الشفقة على اصحاب العقل المؤجر، فالمبادرة مشروع اميركي لتطوير المنطقة، تحتاجه شعوب المنطقة بسبب تورطها بعجز نخب حاكمة لم تستطع الانتصار ولم تفلح في البناء، ولم تستطع تحقيق السلام ايضا. وكل ما عملته بسبب تخلفها الفكري وعجزها عن التطور هو وضع هذه الشعوب في عبوات تاريخية خاصة، لمنع تطورها ومنع شكواها، ومنعها من رؤية نفسها متخلفة، فأهم سبب لادامة التخلف هو عجز المتخلفين عن رؤية حقيقة تخلفهم.

ويخلص إلى ان المشروع الاميركي لتطوير المنطقة ينطلق من تصور بسيط وواضح وهو ان التخلف نوع، والتقدم نوع مضاد، وليست مسألة كمية، لذلك ستستمر اميركا بدفع مليار دولار مساعدات للعالم العربي، ولكنها ستضيف اليها مشروعا جديدا لادخال التقدم كنوع إلى الواقع العربي.

المؤلم في المشروع الاميركي، انه ليس مجرد مبادرة شراكة، ولكنه تعبير عن فشل عربي شامل، تبدو معه هذه المبادرة وكأنها انحياز للعرب ضد تخلفهم الذي صنعوه بأنفسهم. فهي محاولة للقول من جديد ان العرب يحتاجون إلى من ينحاز لهم ضد انفسهم، والدرس المركزي الذي تقدمه هذه المبادرة هو سيطرة العقل، فهو وحده الذي يميز بين مسارات الحركة في التاريخ ... مسار نحو التخلف يقوده الجهل، ومسار نحو التقدم، تبقى سرعة الحركة مرهونة بالصحة والعضلات وليس فقط بالعقل

العدد 124 - الثلثاء 07 يناير 2003م الموافق 04 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً