اتهام الرئيس العراقي، في مناسبة الاحتفال بتأسيس الجيش، فرق المفتشين عن «أسلحة الدمار» بالتجسس هو من الكلام الصحيح الذي يقال في وقت سيئ، فالتوقيت الذي قيل فيه الاتهام هو بالضبط ما يريده الرئيس الاميركي قبل أقل من 20 يوما من موعد رفع رئيس الفرق هانز بليكس تقريره إلى مجلس الأمن. فالإدارة الأميركية خططت للحرب وتريد وقوعها في أقرب وقت وفي أول فرصة وهي تبحث عن وسيلة او ذريعة منذ شهورتعطيها المبرر الكافي لمعركة مبرمجة سلفا... ونتائجها المأسوية معروفة ونهايتها الكارثية لا خلاف بين العقلاء على من سيفوز بها.
المشكلة ليست في المعركة ولكن في تداعياتها، فهي قد تفتح باب معارك مختلفة وعلى مستويات متعددة ربما تحوّلت مع الزمن إلى حروب طويلة تشبه تلك التي وقعت في القرن الماضي وامتدت إلى سنوات.
لا خلاف سياسيا بين العقلاء على مهمة فرق التفتيش ودورها ووظيفتها ولحساب من تعمل. فاسمها يدل عليها «التفتيش»... و«المفتش» عادة هو الباحث، واذا أضفنا الميم «مباحث»، ومهمته البحث عن شيء مفقود أو عن عناصر اتهام موجودة يريد تجميعها او الحصول عليها لتوجيه التهمة التي تبرر الاعتقال او الملاحقة.
اتهام فرق المفتشين بالتجسس، بحسب لغة الرئيس العراقي، ليس اختراعا، فهذه بالضبط وظيفة المفتش، البحث عن سبب أو إيجاد السبب... واحيانا اختراعه اذا فرضت الحاجة ذلك.
والسؤال: اذا كانت هذه هي وظيفة المفتش، فلماذا وافق العراق على عمله ومهمته؟ الجواب: ان بغداد لم يكن امامها خيار آخر. فالخيار الآخر هوالذهاب إلى الحرب فورا والعالم كله يتهم العراق بعرقلة القرارات الدولية.
السؤال الآخر: اذا كانت الحرب على العراق مبرمجة سلفا، فلماذا وافقت واشنطن على ارسال فرق المفتشين وهي تعلم ما يوجد عند النظام وما لا يوجد؟ الجواب: ان إدارة البيت الابيض كانت مضطرة إلى الموافقة لكسب العالم او تحييده في معركتها الخاصة... كذلك فهي تريد من فرق التفتيش التأكد من معلومات تملكها سلفا.
واشنطن تقول انها تعلم كل شيء، و«الكل» تعني نسبة عالية تصل أحيانا إلى 90 في المئة وهناك احتمال الخطأ والصواب يتراوح بين 5 و10 في المئة. ومهمة فرق التفتيش هي البحث عن هذه النسبة المتبقية سواء بتأكيدها او نفيها. ونسبة 5 أو 10 في المئة هي ما أطلق عليها الرئيس صدام حسين تسمية التجسس بينما هي في القياس الأميركي ترجيح ما هو مؤكد وهو عدم وجود اسلحة دمار شامل. وعدم الوجود يعني دوليا انتفاء مبرر الحرب، بينما هو أميركيا يعني ان الباب فتح لها. فواشنطن تريد التأكد من عدم وجود اسلحة الدمار حتى تكون حربها مضمونة ومريحة. فهي تريد معركة من دون مفاجأة تقلب المعادلة او توقع خسائر لا تستطيع الادارة تحملها.
مهمة فرق التفتيش في المنظار الأميركي اذن، هي البحث والبحث واعادة البحث للتأكد من خلو العراق فعلا من أسلحة الدمار الشامل. والخلو لا يعني أن المعركة انتهت قانونيا وتأجلت عسكريا بل، في النظرة الاميركية، أصبحت مضمونة ومريحة وخالية من احتمالات مفاجئة. فالفرق كما تراها واشنطن تقوم بمهمة كاسحة الغام سياسية ووظيفتها محددة دوليا في تنظيف العراق من كل المقومات او القدرات العسكرية التي تساعد على بعض الصمود او الردّ او المواجهة.
هذه المهمة هي تجسسية في القياس العراقي وسياسية في القياس الأميركي وقانونية في القياس الدولي. فالأول يرى في مهمة فرق التفتيش انها تجمع المعلومات وتقدمها مجانا إلى الطرف الذي يهدد بالدمار، والثاني يرى أن مهمتها التأكد من صحة المعلومات بعدم وجود تلك الأسلحة حتى تكون المعركة مضمونة ومريحة، والثالث يرى أن وظيفة الأمم المتحدة هي تأمين مصالح الكبار من دون الإضرار بمصالح الصغار.
وفي كل الحالات يمكن القول بعيدا عن كلام الرئيس العراقي... ان وظيفة فرق التفتيش تشبه الكاسحة السياسية التي تنظف الطريق من الألغام حتى تسهل عبور الجيوش وتقدمها من دون مخاطر تعطل حرية الحركة وتؤخر الهجوم
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 124 - الثلثاء 07 يناير 2003م الموافق 04 ذي القعدة 1423هـ