العدد 123 - الإثنين 06 يناير 2003م الموافق 03 ذي القعدة 1423هـ

نحو تعميم ثقافة الحرية

القطيف - حسن المصطفى 

تحديث: 12 مايو 2017

مع تعاظم شأن الميديا، والتطور المتسارع في صناعة التقنية، وبالخصوص ما يتعلق بتقنية الاتصال وتداول المعلومات، أصبح لهذه الميديا سطوتها وحضورها الفاعل في ثقافات الناس وسلوكياتهم الحياتية، موجهة أنماط تفكيرهم ومعيشتهم، وفق ما تغذيه وتبثه من معلومات وبرامج ترسخ في لا شعور المتلقي، لتغدو جزءا من تكوينه الذاتي.

هذا الحضور الفاعل للميديا، يتعزز أكثر في عصر باتت سمته السرعة، وبات من مكوناته الرئيسة اعتماد الناس على هذه الوسائط في تلقي ثقافتها.

إن الاعتماد الكلي على الميديا، أنتج ضمن مكوناته نمطا من السلوك السلبي لدى المتلقين، خالقا منهم ذواتا تنحو جهة الاتكالية والكسل والثقافة السطحية المبسطة، بعيدا عن البحث المعمق والمعرفة الرصينة. وعزز ذلك، الحضور القوي للإنترنت والفضائيات، وما يقدم عبرهما من ندوات وبرامج وحوارات وأفلام ومسلسلات ومعلومات متنوعة. من هنا كانت سطوة هذه الميديا كبيرة ومؤثرة، وبات لزاما على من يمتلكها أن يكون واعيا لمدى خطورتها، ولكونه فاعلا اجتماعيا وثقافيا يؤثر بما يمتلك من تقنية في الناس المتلقين لما يقدمه من مواد.

هكذا التفات لخطورة الميديا يكاد يكون شبه غائب لدى القائمين على الفضائيات العربية، والتي كرست نفسها باعتبارها مشروعات تجارية تهدف إلى لمزيد من الربح المادي، من دون أن يعنيها بدرجة كبيرة نوعية ما تقدمه من مواد، وما من الممكن أن تحدثه من تصدعات اجتماعية وسياسية ونفسية لدى المشاهد العربي.

ضمن هذا السياق، جاء أحد البرنامج الدينية على شاشة إحدى المحطات الفضائية، ويقدم فيه أحد رجال الدين إجابات على ما يرده من استفسارات من قبل المشاهدين. هذا البرنامج، وضمن سلسلة حلقاته الأسبوعية، ظل ولطوال ثلاثة أسابيع متتالية، يقدم إجابات على أسئلة وردته، من شأنها أن تثير فتنة طائفية بين المسلمين، شاقة الصف الواحد في أحرج الأوقات وأصعبها. فقد أفتى أحدهم حول زواج المسلم السني من مسلمة شيعية أو من كتابية؟، فكان جواب الشيخ بعدم جواز زواج السني من الشيعية، لأنها ستنقل لأبنائها الفكر الضال والمبتدع، أما الكتابية فلا بأس بالزواج منها، لأن القرآن أجاز ذلك!. ذات السؤال والجواب تكررا في حلقة الأسبوع التالي، ليكرر الشيخ ذات المقولة، وفي الأسبوع الثالث أعاد ضيف الحلقة المقولة ذاتها مضيفا عليها ضرورة أن تخصص حلقة لهذا الموضوع، يتم فيها تبيان ضلال من أسماهم بأهل البدع!.

ما يثير الاستغراب في الثلاث الحلقات، هو غياب إدارة المحطة عما يجري، وعدم تدخلها مباشرة لمنع بث هكذا أفكار من شأنها أن تخلق فتنا طائفية بين المسلمين. وقد تعذر المحطة في الحلقة الأولى، لتعللها بعدم علمها بذلك، لكن أن يتكرر ذات الموضوع ثلاث حلقات متتالية، أمر يحيل لغياب الإدارة وعدم اكتراثها لما يجري.

إن من المهم خصوصا ضمن هكذا برامج دينية، يتلقاها الناس بوصفها أحكاما إلهية تعبدية، أن يكون رجل الدين المستضاف على شيء كبير من الوعي والانفتاح والمعرفة الدينية، وأن يتم اختيار شخصيات تمثل صورة ناصعة وحضارية للإسلام. شخصيات قادرة على صوغ مشروع إسلامي وحدوي، يقوم على التسامح، والتعددية، والأخوة الإسلامية. بدلا من هكذا خطابات لا تحمل إلا مزيد إساءة للإسلام وأهله.

ما يقرأ من هكذا برامج، أن خطابنا الإعلامي والديني لا يزال يراوح مكانه، وينحو نحو مزيد من الأصولية، وكأن العالم لم يتغير بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001.

إن الأصولية الدينية مرفوضة من أي فريق، سواء كانت أصولية شيعية، أو سنية، أو أباظية... وسواهم من الأصوليات. وأي برنامج من شأنه أن يشق الوحدة الوطنية والإسلامية عمل مرفوض شرعا وعقلا. كما أن العودة للتخندق الطائفي لن تستطيع أن تنقذ الأمة من مآزقها وما يحيطها من تهديدات مصيرية. والحفاظ على وحدة الصف ومسئولية الجميع، من حكومات وشعوب ورجال دين وأقنية فضائية، وتعميم ثقافة الحرية والتسامح والتعددية والديمقراطية أمر ضروري لنهضة الأمة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً