تثير المناقشات التي دارت في جلسة مجلس النواب يوم الأربعاء الماضي كثيرا من القلق على نوعية العلاقة المستقبلية بين الحكومة والمجلس، ويرجع مصدر هذا القلق إلى ان صاحب السمو رئيس الوزراء أكد في برنامج عمل الحكومة الذي عرضه على المجلس الوطني ان «سياسات العمل الوطني للحكومة تستند على التعاون الكامل بين السلطات»، وتعني هذه السياسة ان الحكومة ستعمل على توفير المناخ الملائم للتعاون والتفاعل مع المجلس الوطني لتحقيق الأهداف العامة التي تضمنها برنامج عملها في السنوات الأربع المقبلة، ومن الغريب ان هذا المبدأ لم يجد مجاله في التطبيق العملي في جلسة مجلس النواب الأخيرة، فحين دعا أحد النواب كل وزارة من وزارات الدولة إلى ان تقدم برنامجا تفصيليا عن خططها في ضوء البرنامج الحكومي الذي قدمه صاحب السمو رئيس الوزراء في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي رد وزير الدولة لشئون مجلس الشورى والنواب بأن المادة (88) من الدستور تنص على «أن تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى المجلس الوطني، وللمجلس ان يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج». وبيّن الوزير ان المقصود بكل وزارة أي كل حكومة فور تشكيلها وليس كل وزارة بعينها، وأضاف ان الفقرة (أ) من المادة (66) من الدستور تنص على ان «كل وزير مسئول لدى مجلس النواب عن أعمال حكومته ولا يعني هذا ان كل وزارة تقدم برامجها إلى المجلس ولكن للمجلس ان يوجه الأسئلة إلى الوزير».
ولقد فهمنا من عرض وزير الدولة لشئون مجلس الشورى والنواب انه لا خلاف بين الحكومة، وما طالب به أحد أعضاء المجلس من إتاحة الفرصة للمجلس لمناقشة الخطط التفصيلية للوزارات، وان الخلاف ينحصر فقط في الوسيلة، فالحكومة ترى ان يكون ذلك عن طريق توجيه الأسئلة للوزير وعضو المجلس يرى ان يكون ذلك استكمالا لمناقشة برنامج الحكومة.
وإذا كان الأمر كما فهمناه فلابد من الاتفاق بين الحكومة والمجلس على الوسيلة المثلى لمناقشة الخطط التفصيلية للوزارات التي يمكن من خلالها تعظيم الاستفادة من نتائج هذه المناقشة لتصب في مصلحة المواطنين من خلال التوافق على الرأي بين الحكومة والمجلس بشأن ملاحظاته على الخطط التفصيلية للوزارات.
أما إذا كان ما فهمناه غير صحيح وان وزير الدولة لشئون مجلس الشورى والنواب يرفض مبدأ مناقشة المجلس الوطني للخطط التفصيلية للوزارات، وانه يستند من رفضه إلى التفسير الحرفي لنص المادة (88) من الدستور وإغفال حكمة وروح هذا النص التي تتمثل في إتاحة الفرصة أمام المجلس الوطني لإبداء ملاحظاته على برنامج الحكومة وهو أمر يهم الحكومة، ذلك انه ليس لها مصلحة في تجاهل هذه الملاحظات، بل إننا نتصور ان الحكومة ستحث أعضاء المجلس على ابداء آرائهم وملاحظاتهم الكثيرة للاستفادة منها في تطوير البرنامج الحكومي إلى الأفضل، ونعيد القول إنه إذا كان ما فهمناه غير صحيح، فإن هذا التوجه يتعارض مع المبادئ التي أرساها جلالة الملك في خطابه بمناسبة افتتاح المجلس الوطني ومع السياسة التي أكد عليها صاحب السمو رئيس الوزراء التي أشرنا إليها في صدر هذا المقال، وأكد فيها سموه على التعاون الكامل بين السلطات.
مشتملات بيان الحكومة
لاشك في ان بيان الحكومة عَرَضَ في إطار من التكامل والشمول والتميز الأهداف العامة التي تسعى الحكومة لتحقيقها في السنوات الأربع المقبلة، فحدد على سبيل المثال هدف تحقيق معدل نمو من الناتج المحلي الإجمالي يتراوح ما بين 5 و6 في المئة سنويا وهدف تطوير البنية الأساسية ودعم التنمية البشرية بالإضافة إلى الأهداف العامة الأخرى المتمثلة في إنشاء هيئات للتنظيم والرقابة وإتاحة المجال لمشاركة المواطنين في ملكية الشركات والمؤسسات، والعمل على إنجاز المعاملات والإجراءات الحكومية عبر شبكات الاتصال ومعالجة العجز في الموازنة العامة والعمل في إطار الإفصاح والشفافية والتصدي لمشكلة البطالة إلى غير ذلك من الأهداف.
ويعني ما تقدم ان برنامج الحكومة أجاب بتفصيل واضح عن سؤال: لماذا نعمل؟ أما الأسئلة الأخرى وهي: كيف وأين ومن ومتى نعمل؟ فقد تركها برنامج الحكومة للخطط أو البرامج التفصيلية للوزارات.
ومن تقديري ان هذه الأهداف العامة تعتبر ترجمة صادقة وأمينة عن آمال وتطلعات المواطنين وعن متطلبات الواقع واحتياجات تطويره. ومن هنا فلن تكون هناك للمجلس الوطني ملاحظات مهمة أو جوهرية على هذه الأهداف، ذلك ان ما يشغل الجميع هو: كيف سيتم تحقيق هذه الأهداف؟ وكيف ستعمل الحكومة على تحويل هذه الشعارات إلى واقع حي؟ وما هي الأولويات التي ستضعها الحكومة لتنفيذ هذه الأهداف؟ وما هي الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لتنفيذها؟ وما هو البرنامج الزمني لهذا التنفيذ، وأخيرا وليس آخرا كيف ستتم متابعة تنفيذ خطط الوزارات وتقييم نتائجها؟
تحدث برنامج الحكومة عن «أهمية التعليم وضرورة تطويره أسلوبا ومنهجا في اعتباره ركنا أساسيا في بناء الدولة العصرية، وعنصرا فعالا للنمو في مختلف المجالات الحيوية في المجتمع». وأضاف برنامج الحكومة انها «ستسعى إلى الاستفادة بالخبرات المتقدمة وبتجارب المنظمات والهيئات المختصة عن هذا الشأن، كما سيتم الاهتمام إلى جانب التعليم ببرامج التدريب ليكونا مناسبين لمتطلبات سوق العمل، وتلبية احتياجات المجتمع نحو التحديث والتقدم والانفتاح على العالم».
ولن يختلف أي عضو من أعضاء المجلس الوطني مع هذا الهدف، لكن الكثير منهم سيختلفون بشأن وسيلة تحقيقه، وعن المهمات المطلوبة للانتقال بالعملية التعليمية من الاعتماد على الحفظ والتلقين إلى الاعتماد على تنمية ملكات التفكير والإبداع والتحليل لدى طلاب المدارس والجامعات، ولاشك ان الكثير من أعضاء المجلس الوطني ستكون لهم ملاحظات مهمة وجوهرية بشأن أساليب التدريس والمهارات الفنية التي يجب تزويد المدرسين بها والتعديلات التي يجب ادخالها على المناهج التعليمية إلى غير ذلك من المهمات الأساسية اللازمة لتحقيق هدف تطوير التعليم. من هنا نعتقد ان مناقشة المجلس الوطني لبرنامج الوزارات التفصيلية سيفيد العمل الوطني ويطوره ويحسّن أداءه وهو أمر يهم الحكومة ويهم السلطة التشريعية ويهم المواطنين جميعا، فلماذا الخوف والتردد من تقديم برامج الوزارات إلى المجلس الوطني؟
واجبات القيادات التنفيذية
جاء برنامج الحكومة معبرا عن إحساس السلطة التنفيذية بمشكلات ورغبات وآمال وأحلام المواطنين، ومن خلال برامج الوزارات التفصيلية وعرضها على المجلس الوطني سنتمكن من تحقيق التماسك والتفاعل بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ومن خلال هذا الترابط ستتمكن السلطتان من الانطلاق مع المواطنين لتجعل الأحلام والواقع شيئا واحدا. وحين تتبلور آمال المواطنين يستطيع كل مواطن ان يجد في هذه الآمال جزءا من نفسه من ماضيه ومن حاضره ومن مستقبله. وبذلك نضمن ألا يبدد بعض المواطنين طاقاتهم في موجات متفرقة من عدم الرضا والتبرم، ونستطيع تحقيق الموضوعية والبعد عن الانفعال والاندفاع ومواجهة المشكلات بأسلوب علمي يوازن بين الاحتمالات والاختيارات المختلفة ويصل إلى الحلول السليمة ويتابع النتائج ويقيمها تقييما صحيحا، وهذه الأمور كلها تتطلب إتاحة الفرصة أمام المجلس الوطني لمناقشة الخطط التفصيلية للوزارات، بل إننا نذهب إلى أبعد من ذلك ونقول إن منظمات المجتمع المدني يجب ان تناقش هذه الخطط التفصيلية وان تبدي آراءها وملاحظاتها عليها في اعتبار ان هذه الخطوة تحقق المصلحة العامة للمجتمع.
إن هناك حالا واحدة فقط، نقول فيها إن الوقت ليس مناسبا لمناقشة المجلس الوطني لخطط وبرامج الوزارات التفصيلية، وهي حال إذا كانت بعض هذه الوزارات لم تنتهِ بعد إلى الآن من وضع خططها وبرامجها التفصيلية، ومن ناحية أخرى نود ان نشير إلى ان وضع هذه الخطط والبرامج لابد ان تحكمه منهجية واحدة لن تتوافر إلا إذا أنشأنا جهازا مركزيا للتخطيط نضمن من خلاله ألا يكون البرنامج التفصيلي لكل وزارة نابعا من الرؤية الشخصية للوزير وتفسيراته الذاتية لبرنامج الحكومة
إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ