ان قناعة بعض جمعياتنا السياسية بخيار المقاطعة قد تتعزز فيما لو سمحنا للبعض ان يجير الاعمال العبثية باتجاه طائفي. ان تداعيات هذا الخيار السياسي (المقاطعة) ستكون على تلك الفئة التي أصبحت الشماعة التي دائما ما تلقى عليها كل الأخطاء. وها نحن نشهد بعض هذه التداعيات، إذ أصبحنا نحصد مزيدا من الاتهامات وبدأنا نشهد مزيدا من تفريخ صور جديدة من الواشين، كل بحسب قدرته، وحسب مقدرته في إيصال الصوت النميمي حتى ان البعض منهم مازال فرخا صغيرا ولما يسقط الزغب جسده وغير قادر على الطيران. أصبحت فئة بأكملها، بتاريخها، برموزها، بمثقفيها محل إلقاء حجر ومحل اتهام من أصغر كاتب لا يميز بين همزة الوصل وهمزة القطع.
ردود الفعل على ما حدث في شارع المعارض من قبل الصحافة وغيرها لا يمكن ان تمضي من دون توقف. فالاتهامات بدأت تلقى منذ اندلاع الحادث لليوم الأول، وكلها اتهامات مبطنة، غير ان ما صرِّح به البعض للإعلام في الخارج كان صريحا وسابقا حتى للتحقيق في دوائر الأمن.
النغمات كانت تدور وتُعزف لاتهام المعارضة التي قاطعت الانتخابات النيابية من دون أدنى شك، ولا يمكن ان نأخذ هذه الاتهامات انها جاءت عفوية أبدا، ستكون هناك اتهامات أخرى في المستقبل لأي حادث صغير أو كبير، ولا يستبعد إذا ما اتهمت المعارضة مستقبلا بأنها وراء حوادث السرعة القاتلة او حوادث السرقة من أجل إثارة البلبلة في المجتمع وغير ذلك. وليست هذه نكتة سياسية، فما دامت القنوات الإعلامية تبدأ ماكنتها بالتحرك قبل وقوع الحادث فاقتنع بكل شيء ولن تستبعد ان تتهم المعارضة أيضا بأنها وراء موت تلك البقرة التي غصت بثوب أكلته مع البرسيم في إحدى القرى ما سبب موتها. فإننا نمتلك كتّابا بإمكانهم ان يصلوا إلى مستوى لا يصدقه أدنى انواع البشر. فليس من الغريب ان يطلع علينا كاتب أو مثقف مصاب بنكسة مالية يريد تعويضها على رؤوس الفقراء، فيبادر: إن المعارضة وراء قتل هذه البقرة من أجل ضرب الثروة الحيوانية في البلد.
إن خلط الأوراق وإلقاء التهم جزافا هو العامل الأساسي لإذكاء الفتن، فيجب ألا يسمح الجمهور بأن يدجن عليه ثقافيا أو إعلاميا أو صحافيا، ويجب أن يكون نبيها في كل ذلك، فمازالت قاعدة: «اكذب، اكذب... حتى يصدقك الناس» باقية.
يصدقك الناس هي القاعدة المعتمدة في صحافة اليوم، خصوصا ان بعض الأشخاص قائمون على المصالح التجارية، فيهدف بهم ضرب الصحافة المتوازنة عند اختلال الأمن، لأن اختلال الأمن وعودة القوانين المقيدة للحرية تكمم أفواه الصحافة النزيهة، وتفسح المجال للصحافة التجارية التي يكون هدفها محاربة الناس والكسب السريع. هذا جزء من الحملة التي يقودها البعض في عالمنا اليوم، لهذا يجب تفويت الفرصة على كل متضرر من استتباب الأمن ويتعبه وينهكه بقاء العلاقة بين السلطة والمجتمع.
فالفئة التي اتهمت في كل التصريحات سواء بالغمز أو اللمز أو بالتصريح المباشر حتى قبل إعطاء فرصة للتحريات ان تأخذ دورها في التحري، وحتى قبل ان يقول القضاء كلمته، هي ذاتها التي قيل عنها انه لولاها لما نجح التصويت على الميثاق بالصورة التي رأيناها.
الاتهامات المبطنة لا يمكن قبولها ولا السكوت عنها. فعندما نرى فئة تُتّهَمُ وعلى رؤوس الأشهاد بأكملها حتى قبل ان يقول القضاء كلمته يعني ذلك ان الاتهامات مسبقة للجميع وكل الفئة بأخيارها هي في مربع الاتهام. تماما كاتهام الأفارقة السود في أميركا بكل صغيرة وكبيرة. وهذا يخالف العدالة، وان البوح بالتصريحات على هذه الطريقة كما جرى في الصحافة لدى كتّاب ومثفقين يعمل على تشويش ذهن العدالة وادخالها إلى مسارات مشبوهة وهذا ما فعلته الصحافة.
إلى أين نحن سائرون وأين هي المساواة في التعامل؟
ما حدث من تخريب مرفوض جملة وتفصيلا ولا يمكن ان يبرر. ولكن لنا ملاحظة نقدية واحدة وهي انه في الدول الغربية عند انفلات أي أمن في أي حادث تكون هناك مساءلات نقدية للقائمين على ذلك ونحن على علم كما جاء في الصحافة قبل وقوع حوادث التخريب ليلة تحول السنة الميلادية ان هناك تكهنات بوقوع حوادث شبيهة كانت قد وقعت سابقا. كان ينبغي أخذ الحيطة والحذر لاستيعاب مثل هذا الحادث الخطير قبل وقوعه.
إن الشباب في حاجة إلى دروس وطنية وأمنية وإلى رعاية تربوية حتى لا يعيد السيناريو ذاته الذي قام به في مباراة البحرين والسعودية سابقا. وما وقع في شارع المعارض يستدعي وقفة جريئة من قبل كل مؤسسات الدولة خصوصا التربوية لرصد مثل هذه الظواهر. لأن ما حدث في شارع المعارض ظاهرة من ظواهر مخيفة بدأت تتسرب لنا من الغرب، منها ظاهرة العلاقات الغرامية السائبة، ومؤشرات لظهور الجنس الثالث، وبذور ومؤشرات لعبدة الشيطان. وكل هؤلاء الشباب نتاج هذا التسيب الثقافي في استقبال ما يأتي من الغرب. لذلك ينبغي ان نمتلك الجرأة العملية لرصد المشكلة بعيدا عن التسييس
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ