العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ

ثماني حروب انتهت

العام 2003: خريطة جديدة للعالم

إيمان شقير comments [at] alwasatnews.com

.

مع مطلع العام 2003 توشك ست حروب في افريقيا واثنتان في آسيا على الانتهاء.، فتشكل بارقة أمل يطفئ توهجها حتمية اندلاع حرب قاسية تشنها واشنطن وحلفاؤها على العراق، واحتمال احتدام النزاع العربي الإسرائيلي مع استمرار نزاعات أخرى في أمكنة مختلفة من العالم، إلا أنها في أية حال تنبئ بخريطة جديدة للعالم بدأت ملامحها ترتسم منذ مطلع العام الجديد.

مجلة «لوكورييه انترناسيونال» رصدت في عددها الأخير للعام 2002، ثماني حروب من المفترض ان اتفاقات مختلفة للسلام بين الأطراف المتنازعة فيها ستضع حدا نهائيا لها:

السودان: نهاية المجزرة؟

في 15 أكتوبر/تشرين الأول وفي كينيا وقعت الحكومة السودانية ومتمردو جيش تحرير شعوب السودان اتفاقا لوقف إطلاق النار طيلة محادثات السلام التي عقدت أيضا في كينيا. والغاية وضع حد لحرب مستمرة منذ اكثر من عشرين سنة بين الشمال والجنوب (بدأت الحرب العام 1983 وذهب ضحيتها نحو مليوني شخص). وقد تم عقد هذا الاتفاق بناء على طلب من الولايات المتحدة التي ضغطت على الحكومة السودانية مهددة بعقوبات اقتصادية ودبلوماسية ضد السودان الذي يبلغ تعداد سكانه نحو 32 مليون نسمة.

وبفضل هذا الاتفاق استطاعت المساعدات الإنسانية وللمرة الأولى أن تصل من دون قيود إلى السكان ضحية المجاعة.

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني اتفق الجانبان على نقاط رئيسية: إنشاء برلمان من الطرفين، توزيع المناصب بينهما بشكل عادل وتنظيم انتخابات انتقالية لمدة ست سنوات. وتبقى مشكلات عالقة كثيرة مثل الاختلاف بشأن تطبيق حكم الشريعة في الشمال. ومن المقرر أن تستأنف المحادثات منذ يناير/كانون الثاني للوصول إلى صوغ دستور لحكومة وحدة وطنية ولمعالجة مشكلة توزيع الثروات لاسيما عائدات النفط بين الشمال والجنوب. وقد اتفق الجميع على احترام الهدنة حتى 31 مارس/ آذار. فهل تكون الهدنة لإنقاذ النفط أم لإنقاذ النفوس؟

أثيوبيا - إريتريا: الإخوة الأعداء

في 16 أبريل/نيسان أقرت لجنة لاهاي التي نشأت بموجب اتفاق السلام بين اثيوبيا واريتريا في يونيو/حزيران 2000 برعاية الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، حكمها بشأن النزاع الحدودي بين البلدين المستمر منذ 12 سنة. ووجد الطرفان في هذا القرار فرصة لوضع حد نهائي للنزاع خصوصا بشأن مرفأ أساب الأثيوبي الرئيسي على البحر الأحمر قبل استقلال إريتريا والسبب الرئيسي للنزاع الحدودي.

لكن يبدو أن القرار أهمل معالجة مشكلات الملف الأصعب أي ملف مدينة بادم في الشمال الغربي من أثيوبيا التي تتنازع عليها أديس بابا واسمرة. وباستثناء هذه المسألة يبدو قرار لجنة لاهاي انه عالج أهم العوائق. غير ان عمل اللجنة لا ينتهي عند هذا الحد فلايزال أمامها معالجة مسألة الالغام والكمائن الكثيرة على الحدود بين البلدين. وتقدر الأمم المتحدة ضحايا النزاع بين أثيوبيا وإريتريا بأكثر من 370 ألف إريتري وأكثر من 350 ألف أثيوبي بالإضافة إلى تعرض الكثير من المناطق الأثيوبية للجفاف الحاد ما يجعل نحو اكثر من 8 ملايين شخص مهددين بالمجاعة.

جمهورية الكونغو الديمقراطية:

سلام مشتت

للمرة الأولى منذ العام 1998 تبدو جمهورية الكونغو الديمقراطية (كونغو - كنشاسا) أمام فرصة مؤاتية للخروج من نزاع تورط فيه اكثر من سبعة جيوش أجنبية، فأودى بحياة نحو 5,2 ملايين مواطن مدني. وجاء الاتفاق الذي وقع في 17 ديسمبر/ كانون الأول في برتوريا في جنوب افريقيا بعد اشهر من المفاوضات برعاية الرئيس تابو مبكي ليضع حدا لأربع سنوات من القتال المتواصل. فقد وافق الرئيس جوزف كابيلا والمنظمتان الرئيسيتان المعارضتان: حركة تحرير الكونغو التي تدعمها أوغندا والتجمع الكنغولي من اجل الديموقراطية المدعوم من رواندا، على تشكيل حكومة مؤقتة تجري انتخابات خلال ثلاثين شهرا هي الاولى منذ استقلال البلاد العام 1960. وقد اتفق على بقاء الرئيس كابيلا في منصبه وتمثيل الفصائل الرئيسية الأربع بأربعة نواب للرئيس تعينهم بالتوالي كل من الحكومة والمعارضة الكنغولية غير المسلحة والحزبان المعارضان المذكوران سالفا. لكن إشكاليات كثيرة تبقى للحل أولها كيفية اندماج القوات المتمردة في الجيش الوطني وصوغ دستور جديد للبلاد. لكن كثر يشككون في إمكان استمرار اتفاق السلام هذا مع بقاء القوات الرواندية على الأراضي الكنغولية واستمرار انتشار وتجول العصابات المسلحة في بعض المناطق.

برونداي: حرب القبائل

في 3 ديسمبر 2002 وقع الرئيس بيار بويويا ورئيس المجلس الوطني لحماية الديمقراطية - قوات حماية الديمقراطية، حركة المتمردين بيار نكورونزيزا اتفاقا لوقف إطلاق النار في تنزانيا. وكان هذا الاتفاق «التاريخي» ثمرة مئة يوم من المحادثات الثنائية بوجود عدد من رؤساء دول المنطقة (أوغندا وتنزانيا أساسا كما رئيس وزراء أثيوبيا ونائب رئيس زامبيا ورئيس جنوب افريقيا) الذين اجتمعوا للمرة تسع عشرة من اجل التوصل إلى اتفاق سلام في برونداي. كان الرئيس منديلا قد خلف الرئيس التنزاني يوليوس نيريري وسيطا في مفاوضات السلام التي بدأت العام 1998 في اروشا.

ويضع هذا الاتفاق حدا لتسع سنوات من الحرب الأهلية، ويؤكد وقفا فوريا للعمليات العدائية والتفاوض بشأن «تقاسم افضل للسلطة» بين الهوتس، الذين يشكلون غالبية 85 في المئة، وبين التوتس وهم الأقلية الحاكمة لبرونداي منذ استقلالها. أعطيت لكل فريق مهلة ثلاثين يوما لسحب قواتهما. لكن التفاوض عسير على مسائل رئيسية أخرى أهمها: نزع سلاح المقاتلين واعادة تنظيم الجيش، بل وأيضا مسألة تقاسم السلطة في وسط الأكثرية من الهوتس بين جبهة ديمقراطية برونداي والتنظيم السياسي العسكري لبيار نكورونزيزيا. ويبدو أن السلاح لم يسكت لاسيما حول العاصمة بوجوم بورا.

سيراليون: رعب الحرب الأهلية

في يناير من العام 2002 خرجت هذه الدولة الأفريقية الصغيرة من عقد كامل من الحرب الأهلية (1991 - 2002) بمساعدة من بريطانيا، القوة الاستعمارية السابقة لها وبعد تدخل منظمة الأمم المتحدة. وكان التدخل البريطاني واضحا في النزاع في سيراليون من خلال الدعم العسكري الذي قدمته المملكة المتحدة إلى حكومة فري تاون، وتمركز نحو ألف جندي بريطاني في العاصمة وبقاء اكثر من 200 منهم فيها حتى الآن. ومنذ 1998، أنفقت بريطانيا 65 مليون استرليني (101,5 مليون يورو) من اجل سيراليون. أما دور الأمم المتحدة فقد كان مهما أيضا إذ تمركز 17 ألف عنصر من قواتها في المنطقة وأوكلت إليهم مهمة نزع سلاح 45 ألف مقاتل. وأقر قيام محكمة خاصة للنظر في جرائم الحرب بالاتفاق مع الحكومة.

ويفترض أن يشهد البلد مع بداية العام الجديد مرحلة إعادة اعمار. ولايزال الفقر والنزاعات القبلية والفساد والتنافس على مناجم الألماس من المشكلات العسيرة في هذه المنطقة من افريقيا غير المستقرة كما يدل على ذلك استمرار الحرب الاهلية في ليبيريا المجاورة والتمرد المسلح في شاطئ العاج.

أنغولا: أطول الحروب على الإطلاق

في 4 أبريل 2002 وقع الجيش الانغولي وثوار حركة اونيتا اتفاقا لوقف إطلاق النار في لوانا وضع حدا لسبع وعشرين سنة من الحرب الأهلية التي بدأت أصلا قبل حصول البلاد على استقلالها من المستعمر البرتغالي العام 1975 وفشل ثلاث محاولات للسلام في 1974و1989 و1991.

الآن أعلن الرئيس خوسيه ادواردو دوس سانتوس وزعيم المتمردين ان توقيع الاتفاق يعني انهاء النزاع بشكل نهائي. ومما لا شك فيه أن مقتل الزعيم التاريخي السابق لحركة اونيتا جوناس سافيمبي في فبراير/ شباط الماضي خلال معارك مع القوات الحكومية عجّل في حل النزاع بعد أن فقدت الحكومة خصمها. غير أن خبراء في الوضع في انغولا يبقون على تخوفهم من تجدد النزاع. ويفترض بالحكومة أن تحل مسألة 80 ألف متمرد قد يلجأون إلى النهب في ظل أوضاع معيشية صعبة. كما تواجه الحكومة مشكلة إنسانية في وسط البلاد، مسرح المعارك، إذ هجر الآلاف من السكان من منازلهم. وتقدر المنظمات الإنسانية الموجودة في انغولا أن هناك اكثر من 180 ألف انغولي يعيشون على المساعدات الغذائية فقط ونحو 300 ألف لا تصلهم هذه المساعدات.

اندونيسيا: نزع السلاح

في 9 ديسمبر وفي جنيف بدأ العمل على اتفاق لوقف العمليات العدائية بين القوات الإندونيسية ومتمردي اتيه الانفصاليين. وهي - أي آتيه - مقاطعة من جزيرة سومطرة غنية بالغاز الطبيعي والنفط. ووصل فريق أول من المراقبين إليها غداة التوقيع ضم 144 مراقبا من حركة آتيه ومن القوات الإندونيسية ومن مراقبين دوليين. ويعود الفضل أساسا إلى مركز هنري دونانت للحوار الإنساني وهو منظمة سويسرية غير حكومية، في وضع حد لربع عقد كامل من العنف اودى بحياة 12 الف شخص غالبيتهم من المدنيين. فالنزاع بدأ في 1976 حين أعلنت الحركة استقلال المقاطعة التي عانى أهلها الكثير من نظام سوهاترو الذي شكلت عملياته العسكرية ضد اتيه مرحلة مظلمة من الانتهاكات لحقوق الإنسان. غير أن الحوار بين الطرفين المتنازعين بدأ العام 2000 مع الرئيس عبدالرحمن وحيد واستمر مع الرئيسة ماغاواتي. وفي يناير 2002 منحت جاكارتا المقاطعة وضعا مستقلا خاصا. لكن المخاطر حاضرة دوما.

سريلانكا: لعبة الصبر النروجي

منذ ربيع العام 1997 بدأت النروج وساطتها بين السلطات السريلانكية ونمور التاميل بعد ان ادرك الطرفان ان النزاع لن يحل عسكريا. وبعد مقتل اكثر من 60 ألف ضحية منذ بداية النزاع العام 1983 وتدهور الوضع الاقتصادي، أدركت حكومة سريلانكا وزعيم نمور التاميل فليبولي برابهاكاران في فبراير 2000 ان الوقت حان للبدء في محادثات سلام نهائي وثابت في المستعمرة البريطانية السابقة. وكان دور النروج تسهيل الاتصال بين المتقاتلين وتخفيف الخلافات وإيجاد تسوية مقبولة من الطرفين. أثمر التدخل النروجي في فبراير 2002 مع إعلان وقف اطلاق النار وسلسلة إجراءات تشجع عودة الثقة والحوار المباشر بين الطرفين. هذا الحوار بدأ في سبتمبر/أيلول في تايلاند وتواصل في أوسلو في ديسمبر. واتخذت سلسلة قرارات ملموسة لاعادة وسائل الاتصال بين المناطق التي يسيطر عليها النمور وبقية البلاد. وعلى رغم جو التفاؤل السائد حاليا، يعرف النروجيون أن المطلوب المزيد من الوقت الطويل لاعادة السلام الدائم إلى سريلانكا

العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً