العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ

أميركا اللاتينية: مثلث التمرُّد

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا يحصل في أميركا اللاتينية؟ هذه القارة تعتبر تقليديّا حوض الولايات المتحدة السياسي لا يسمح لأية دولة كبرى ان تدخل اليه من دون موافقة واشنطن أو غصبا عنها كما حصل في الستينات في ثورة كوبا وقيادة فيديل كاسترو تلك الجزيرة المتمردة إلى خارج نطاق النفوذ الاميركي. الاستثناء الكوبي ولّد في إدارات البيت الأبيض سياسة هجومية - انقلابية دفعت المخابرات المركزية إلى تخطيط وأحيانا إلى تنفيذ سلسلة مواجهات واغتيالات ومعارك انتهت كلها إلى اعادة إحكام القبضة الاميركية على معظم تلك القارة. ومع ذلك استمرت المناوشات في بعض المناطق من دون أن تؤثر سلبا على الاستراتيجية العامة. وبقيت كوبا هي الاستثناء حتى انهيار الاتحاد السوفياتي. بعد الانهيار بدأ الحديث عن احتمال فكّ الحصار عن الجزيرة في اعتبار ان المبرر الدولي انتهى... الا ان واشنطن استمرت في معاندة التاريخ باسم الجغرافيا السياسية وأصرت على مواصلة حصارها على رغم محاولات الرئيس السابق بيل كلينتون زيارة الجزيرة وتحقيق المصالحة. وكل مرة حاول كلينتون انهاء الحصار كانت «اللوبيات» تتدخل وتمنعه من تحقيق تلك الخطوة. فواشنطن أرادت تركيع كاسترو لا مصالحته حتى يتحول إلى نموذج للدول اللاتينية التي تفكر في ان تفك ارتباطها مع الولايات المتحدة. وانتهى عهد كلينتون من دون ان تتحقق خطوة المصالحة. إلا انه حدثت مفاجأة غير متوقعة جاءت هذه المرة من حليف تقليدي للولايات المتحدة ومن دولة غنية تحتل المرتبة الخامسة في إنتاج النفط في دول منظمة أوبك.

وصل هوغو شافيز إلى رئاسة فنزويلا، قبل نهاية عهد كلينتون بقليل، واتبع سياسة مستقلة أغضبت «لوبيات» واشنطن وتحديدا حين بادر وقام بزيارة كاسترو ودعوة الأخير إلى زيارة كاراكاس.

اعتبرت «لوبيات» واشنطن خطوات شافيز حركات وقحة تأتي في زمن غاب فيه الاتحاد السوفياتي عن مسرح التاريخ. بينما قرأ لوبي النفط تلك السياسة بأنها محاولة «تمرد كوبية» تريد استفزاز الولايات المتحدة والمشاغبة على استراتيجيتها في القارة اللاتينية.

ورفض كلينتون الاستجابة لضغوط «اللوبيات» في التحرك ضد «ظاهرة شافيز» التي كبرت وأخذت تتحول الى نموذج لاتيني يشجع دول القارة على التمرد على استراتيجية تعتبر من ثوابت الإدارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية.

ترك كلينتون لشافيز حرية التحرك، فهو وجد في سياسته مجرد إشارات لإعادة صوغ سلسلة التفاهمات التي أزعجت القارة اللاتينية في فترة الصراع الدولي مع الاتحاد السوفياتي... والآن وبعد انكفاء طموحات الكرملين وانعزاله في دائرة موسكو فإن الاستمرار في السياسة القديمة خطأ استراتيجي ولابد من تكييف القارة في إطار من العلاقات أكثر انفتاحا وتسامحا.

غادر كلينتون البيت الأبيض وجاء مكانه مثلث الشر (تشيني، رامسفيلد، رايس) الذي يفكر بعقلية «البلطجة» الدولية التي كانت سائدة في السبعينات مع فارق مهم وهو غياب المنافس التقليدي للولايات المتحدة. ومنذ الشهور الأولى لفترة حكم الحزب الجمهوري بدأت الإدارة الأميركية التخطيط للانقلاب على شافيز أو محاصرته أو عزله حتى لا تعتبر الدول اللاتينية أن تلك المرونة التي اتبعها كلينتون هي سياسة ضعف في استراتيجية واشنطن.

إلا أن شافيز لم يتراجع، بل واصل تحديه للإدارة الجمهورية متبعا سلسلة خطوات استفزازية قبل 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وبعده. فأعلن تأييده للقضايا العربية ومنظمة أوبك وقام بزيارة بغداد تعبيرا عن رفضه سياسة حصار العراق. وحين أعلنت واشنطن الحرب على أفغانستان مالت فنزويلا في سياستها الإعلامية إلى استنكار الهجوم وقتل المدنيين الأمر الذي استفزّ مرارا «مثلث الشر» في البيت الأبيض. وحين انتهت حرب أفغانستان تحركت واشنطن ضده وفشلت في اقتلاعه... إلى ان حصلت مفاجأة سياسية كبيرة وهي فوز المرشح لولا بالانتخابات الرئاسية البرازيلية. فالبرازيل أكبر دولة في أميركا اللاتينية واقتصاديا يأتي ترتيبها في المركز العاشر دوليا وتعتبر سياسيا من الدول الإقليمية الكبرى التي يتوقع لها ان تلعب دورا مركزيا في صوغ شخصية القارة الجنوبية في القرن الجاري. كان أمام «مثلث الشر» ثمانية أسابيع للتحرك بين فوز لولا في الانتخابات وتسلمه مقاليد الحكم في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وتحركت واشنطن في سباق مع الوقت على أكثر من صعيد للتخلص من شافيز قبل ان يقسم صديقه لولا اليمين الدستورية. فراهنت على الجيش أولا وفشل الانقلاب بعد 72 ساعة وعاد شافيز إلى الحكم. وراهنت على ضرب الاقتصاد من خلال تعطيل قطاع النفط وتحريك الإضرابات ضده، إلا ان الرئيس الفنزويلي صمد في مكانه ونجح في تطويق كل محاولات إسقاطه قبل وصول لولا إلى القصر الرئاسي.

الآن، ومنذ أسبوع تقريبا، بات «مثلث الشر» في مواجهة «مثلث التمرد» اللاتيني - الكاثوليكي: كوبا، فنزويلا، والبرازيل.

كيف ستتصرف واشنطن ضد «مثلث التمرد» وما الاستراتيجية (الهجومية - الوقائية) التي ستتبعها في ضوء التحولات الجارية في قارة كانت تعتبر منطقة محرمة على الاتحاد السوفياتي وغيره؟ هذا هو السؤال

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً