يشير الفيلسوف الفرنسي «التوسير» إلى أن الأسئلة الخاطئة تحتاج إلى إعادة صوغ قبل تبديد الوقت والطاقة في البحث عن أجوبة لها.
في الشأن المحلي يبرز عدد من الأسئلة التي تنم عن محاولة استنطاق نصب تذكاري أو برية تعج بالصمت والسكون... أسئلة توحي لمن لا شأن لهم بهذا الكوكب، بأن الأسئلة تلك تسعى إلى قلب معادلات وتصحيح مسارات، بينما هي في واقع الأمر هذيان تحت ضربة شمس أغسطس/آب لا تقدم ولا تؤخر ولا تستنطق شيئا!
قراءة ملفات متراكمة هنا... تحتاج أكثر ما تحتاج إلى الوعي بصوغ الأسئلة المطروحة من جهة، ومن جهة أخرى إلى قدرة تلك الأسئلة على استنطاق خلل وعطل يكتنف الممارسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وما لم تملك الأسئلة طاقة وبلاغة المساءلة تلك فإنها تصبح ضمن تراث ضخم من الثرثرة والهذيان.
المتابع للتخبط الذي تنتهجه الجمعيات السياسية في مساءلتها لعدد من مواضع الخلل والقصور، يصل إلى قناعة مفادها أن الجمعيات مصابة بهوس الاستجواب، وهو إرث ظل مسخوطا عليه وملعونا من قبل المتسول والأستاذ الجامعي إبان حقبة الهوس الأمني... استجواب لا يذهب باتجاه البحث والقراءة العميقة لطبيعة المشكلات التي تعاني منها المملكة بقدر ما هو استجواب لا يمكن أن يصنف إلا في خانة تفريغ طاقات مكبوتة أكثر منه وعي وفهم لطبيعة ما يراد تقويمه وتصحيحه.
نعلم أن الاصلاحات التي تحققت عملت على شق القناعات إلى معسكرين... معسكر يرى فيما تحقق ذروة المطالب وغايتها، فيما يرى معسكر آخر انها منح يمكن ان تستعاد وتسترجع وبالتالي لم تحقق النزر القليل مما هو متطلع إليه. وفيما يطرح المعسكر الأول سؤاله بصيغة موافقة تعميمية تتحدث بلسان من لم يفوضه بمثل ذلك التصريح (ما الذي يمكن تحقيقه بعد الذي تحقق؟)... وهو سؤال ينم عن شهوة الوصول بسرعة ضوئية، فيما (الكساح) هو سمة ذلك المعسكر. بينما يطرح المعسكر الثاني سؤاله بصيغة تذمرية من دون أن يخفي حالا من الانتحار داخله عبر تمن باهظ (ليت الذي تحقق لم يتحقق) في انتهاج واضح (لنظام الموجات) حيث ما أن تصل الفكرة/الهدف إلى الشاطئ حتى يتم كسرها من دون حاجة إلى أن تنكسر بشكل ذاتي.
وسط هذين المعسكرين يبرز معسكر ثالث يمثل الفئة الساهرة على صوغ أسئلتها من جهة، واختيار توقيت القذف به وطرحه من جهة أخرى، وهو معسكر يقضي جل وقته مراقبا، لا لمجرد المراقبة ولكن (لاقتراح) حلول ومسارات بغض النظر عن التأثير الذي يملكه ذلك المعسكر في تحويل ذلك الاقتراح إلى فعل وحركة ومن ثم إلى واقع يمكن له أن يصحح الكثير من المسارات والأطروحات السائدة على اختلاف ذهنيتها ومزاجها.
هل نفشي سرا إذا قلنا ان مجمل ما يمارس من عمل سياسي هو أقرب إلى المراهقة والصدمة من الممارسة السياسية في بعدها الواقعي والمسئول؟
المتتبع لأشكال ومضامين البرامج السياسية التي تم اشهارها لن يجد كبير فرق بين الغالبية العظمى منها، فكيف سيتسنى للتنوع في الممارسة أن يجد طريقه إلى الحياة السياسية في ظل كليشيهات برامجية؟
أضف إلى ذلك أن البرامج تلك على رغم أنها نسخ كربونية عن بعضها بعضا، فإنها تظل متناحرة ومختلفة في توجهاتها وإن بصورة غير معلنة ومكشوفة من دون أن نعدد القوائم في هذا المقام. لذلك نخشى أن يتحول استجواب الحكومة من قبل أعضاء مجلس النواب المستقلين فيما توفر لهم تحقيق أرضية تظافر مع مشروع الاستجواب عبر تكتل الجمعيات الأخرى في المجلس، يخشى أن يتحول الاستجواب - ربما ليس في المحاولة الأولى أو الثانية - إلى مبرر يكون بمثابة ورقة تبرير لإعادة النظر في الوضع القائم للمجلس، خصوصا إذا جاء الاستجواب مرتجلا وانتقاميا من دون الوضع في الاعتبار أهمية صوغ أسئلة نابعة من طبيعة الخلل المراد تقويمه والمسار المراد تصحيحه
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ