حركة الأمم في بناء الذات تنطلق من خلال قنوات تتميز بالقدرة في إيجاد توليفة يحسن أفرادها التعامل مع المتغيرات والاختلافات في ساحة تضم ألوانا متعددة في التفكير والمنهج كالساحة الجامعية، ولتكون تلك القدرة معززة للتصور الواقعي لنماذج تحمل روح التغيير والتجديد، عبر آليات مدروسة ومنظمة يكون الطابع العام لها احترام الفكر الآخر والتحرك من خلال القواعد المشتركة، والحوار حول المختلف عليه دون إقصاء أو تهميش لتكون الخطابات الطلابية مجرد إسقاطات مباشرة لخلفيات ذهنية يحملها الطلبة عبر تصورات تكونت بمفردات افتقدت في معظمها عنوان فهم الآخر، والتفاعل معه كموروث سلوكي يظهر على السطح عندما يهتز الواقع الجامعي، وتكون ردة الفعل الأولى تكتلا فكريا أو سلوكيا يفضي في معظمه إلى وجود ظاهري يعلن عن ذاته ليعطي صبغة أحادية التوجه والسلوك، ولتكون عقلية «الطيف الواحد» المغيرة لمفردات الساحة الجامعية المفتتة للكثير من القواعد المشتركة، ومثل وجود هذا الأمر واستمراريته سيكون نماذج طلابية تكرر من سلبيات المجتمع في تعامله مع الذات ومع الآخر.
وهناك ثلاث دوائر تمثل التركيبة المشتركة لتحقق الوعي للحركة الطلابية بجميع أطيافها في الجامعة، هي: دائرة وعي الذات، ودائرة وعي المحيط، ودائرة وعي الآليات.
دائرة وعي الذات
وتتمثل في هذه الدائرة خمس نقاط تشكل مماسات ضرورية لها وهي:
- وعي الهدف: اللبنة الأساسية للتحرك أو الإحجام عن الساحة الطلابية يحددها وعي الهدف من وجود الطالب بالجامعة، فدائرة التفاعل مع الواقع الجامعي يحكمها الهدف الموضوع لتحقيقه.
- وعي التوجه: يتشكل التوجه بعد وضوح الرؤية في معرفة الهدف، ليتخذ الطالب الجامعي توجها يجسد آلية الوصول إلى الهدف المنشود، ويتمثل التوجه في أكثر من خيار فكري أو سلوكي موجود أو مختلق ليحفظ لهذه المجموعة من الطلبة أو تلك روحيتهم المتجددة في الحركة والتفاعل.
- وعي الأسلوب: ما يمنح الأسلوب طابعه الخاص هو تصور التوجه الموجود، فقد يكون الهدف نبيلا وساميا، والتوجه إيجابي ومطلوب، إلا أن الأسلوب المتخذ قد يمتلك نفسا متشددا ومقصيا للآخر، أو له طابع الانفتاح الطفولي واللامدروس عبر تذويب مبادئ أساسية تحفظ للهدف نبله وإيجابيته.
- وعي القدرة: وعي القدرة بالذات هو الوقود الخفي للظهور على السطح والبدء بعملية انتشار التوجه عبر الأسلوب المتخذ.
- وعي الاستمرار: وعي يضمن دوران عجلة التأثير ويوسع من دائرة منتسبي التوجه، ومن دون هذا الوعي يذبل الهدف في توجهه، ويفتقد الأسلوب قدرته، وتكون أثرا بعد عين لا يذكر في الواقع الطلابي إلا كتنظير يُنتقد.
دائرة وعي المحيط
بعد إدراك وعي الذات، ينتقل الوعي في ضرورته من دائرة الذات إلى ما حولها متمثلا في المحيط، لتبدأ عملية الشد والجذب الطبيعيتين، والمتوقعة في ساحة خصبة كالجامعة، وتأخذ دائرة وعي المحيط المفردات الآتية:
- وعي التركيبة الموجودة: والمتمثلة بالإدارة الجامعية كتوجه له ملامحه الخاصة، ويتمثل هذا الوعي بأهمية القراءة الصحيحة للتوجه الإداري الجامعي عبر صدقيات متعددة تتبناها الجامعة، وتكمن ضرورة هذا الوعي في إدراك المفردات المدعاة من قبل الإدارة الجامعية.
- وعي الظروف والعلاقات: وعي كفيل باكتشاف مساحات بالإمكان التحرك من خلالها عبر التوجه المتبنى، لتكون تلك المساحات مناطق مشتركة بالإمكان التواصل بين الطلبة أنفسهم من جهة وبينهم وبين الإدارة الجامعية من جهة أخرى.
- وعي التفاعل المتبادل: والتفاعل في وعي الطلبة يفتح الكثير من الثغرات ويمد الكثير من الخطوط المشتركة، ما يكفل توسيع دائرة الوجود الطلابي في مختلف توجهاته تحت هدف واحد.
- وعي المواجهة المدروسة: يتأصل هذا الوعي ويشتد تأثيره عندما تتعدى الإدارة الجامعية الخطوط الحمراء لمساحة دينية ملتزمة، مما يفضي كردة فعل طبيعية إلى توتر في علاقة الطلبة بالإدارة الجامعية، نتيجة تبني الإدارة خطوات تمس أصل الدائرة العرفية أو الدينية المقدسة لدى الكثير من الطلبة، وقد ينسحب مثل هذا الأمر على توجهات طلابية أخرى ترتأي تصورا مغايرا للفئة الكبرى من الطلبة، ومن هذا المنطلق ينبغي أن تكون زاوية المواجهة بعيدة كل البعد بين الطلبة أنفسهم، وتحقق هذا الأمر يتأتى عبر الانخراط الأخوي المدروس في التجمعات الطلابية المختلفة ليخفف ذلك من حدية الطرح ذي اللون الواحد اللامنفتح مع الآخر، مما يكفل إيجاد توليفة شبه متكاملة في الساحة الطلابية ليكون وعي المواجهة مستبعدا كخيار بين الطلبة وتبقى المسألة معلقة في جوانب أخرى تشتد أو تخف إثر الجرعة المطروحة على الساحة الجامعية، وكلما ازدادت وتيرة تبني رؤى تبتعد عن التصور العام للطلبة من قبل الإدارة اتسعت دائرة وعي المواجهة لتتحول الجامعة حينئذ إلى صراعات فكرية وأيديولوجية مختلفة نتيجتها تتمثل في تكرار أنموذج مأسوي نعيشه في المجتمع ودلالاته متكررة على أكثر من مستوى، وستغدو الجامعة منتجة لنسخ مكررة من واقع تتأصل فيه صور البعد عن روح التسامح والحوار مع الآخر فضلا عن الاحتفاظ بلب تماسك المجتمع في التزامه وتدينه.
دائرة وعي التعامل «الآليات»
بعد إدراك الذات ومعرفة الآخر يكون ضروريا وعي التعامل بين الطرفين عبر آليات متعددة، ومن تلك الآليات:
- وعي الآخر: وهذا الوعي هو الدافع لاتخاذ الآلية المناسبة للتعامل مع الآخر، متمثلا في الإدارة الجامعية، أو في مجموعات طلابية، ومن مستلزمات وعي الآخر تحت ظل الجامعة هو التقرب منه وفهمه ليكون التقرب جزءا من الوعي والفهم أساس في التحرك.
- وعي التأثير: لضمان حضور ثنائي كفيل باستخراج نتائج تثري الساحة الجامعية، من مفردات متعددة على المستوى الطلابي فيما بينهم وعلى المستوى الإداري الجامعي.
- وعي النتيجة: وتكون محصلة طبيعية إثر تفاعل موجود وتأثير يعيد رسم العلاقات من جديد، ووعي النتيجة لا يعني الوقوف عندها، بل هي مدعاة لمراجعة أخرى للذات وللمحيط للوصول إلى نتيجة ملموسة قد لا تكون هي المرجوة بالتصور المأمول، إلا أن النتيجة الأولية هي ضمان التفاعل والتحرك الطلابي ضمن دائرة عامة وإن اختلفت أبعادها، إلا أنها تتميز بمسماها العام من خلال التجاذبات الإيجابية والسلبية على الصعيد الطلابي والإداري لتصل الى مرحلة إدراك المفردات الموجودة على السطح، وهضمها وإعادة صوغها من جديد بما يخدم الهدف الموحد لوجود الجامعة، مجتمع واقعي يضم توجهات ورؤى مختلفة تكون الجامعة محلا لتلاقيها وبلورتها ضمن أطر جديدة لا تفقد كل توجه لونه بل تجعلها في بوتقة واحدة، وتحقق كل ذلك لا يتم إلا عبر حركة طلابية جادة تعمل على جميع المستويات كل بحسب جهده ومقدار طاقته سواء داخل الجامعة أو خارجها، فردا أو جماعة أو مؤسسة. ومن دون المصارحة الجادة مع الذات ومحاورة الآخر، لن تغدو الجامعة أكثر من مكان لتصارع طائفي، سياسي، عرقي أو فكري، تعكس نموذجا سلبيا مصغرا لما هو بالخارج دون البدء بعملية جادة لاعادة قراءة الواقع من جديد بعيون شبابية ملتزمة بمنهج العقل والمنطق.
الوعي ليس نتاج كلمة أو تنظير بل هو تراكم معرفي سلوكي لا يتوقف، يُعتمد فيه على الطلبة أنفسهم
العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ