العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ

الطلبة يتساءلون... إلى متى «جامعة من دون رئيس»؟

ثلاثة مرشحين للرئاسة... والبعض يفضله من داخل الجامعة

بعيدا عن أجواء المدينة الصاخبة، وفي وسط الخلاء والبر، يبرز صرح أكاديمي شامخ مليء بالبنايات ذات الجودة التصميمية العالية التي ابدعها المصمم الياباني العالمي كينزو، وآلاف الطلبة الذين يذرعون الممرات ويتوجهون إلى قاعات الدراسة. هناك، تشاهد رجالا لا يلبسون النظارات والبدلات السوداء، يمشون بسرعة وهم قلقون، وحذرون، ينتظرون مجيء رجل مهم. وهي الزوبعة التي لا تهدأ في وسط الحرم الجامعي، ويعلق عليها أحد الأكاديميين: «رجال الحاشية... ألم تعرفهم؟! انهم ينتظرون قدوم الرئيس!».

و(جامعة من دون رئيس)، هو ليس عنوانا مثيرا لفيلم «أكشن» من انتاج هوليود، قد تتوهم أنه نزل حديثا في السينما، أو مدخلا إلى حكاية قبل النوم لطالب متذمر من الجامعة، وإنما هو الوضع الذي آل إليه الحال في جامعة البحرين.

والحقيقة التي يتعايش معها كل صباح الطلبة والأكاديميون والموظفون، هي غياب منصب رئيس الجامعة، القوة الأعلى التي تسير شئون الجامعة، وقائد دفة السفينة العملاقة. فمنذ التشكيل الوزاري الجديد في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، عين رئيس الجامعة السابق ماجد بن علي النعيمي وزيرا للتربية والتعليم، ولم يخلفه أحد حتى هذه اللحظة. وتستطيع أن تتأكد بنفسك من ذلك حين تفتح غرفة مكتب الرئيس في الطابق الثالث في مبنى القبول والتسجيل بالصخير، ولن تشاهد سوى الهواء يملأ الكرسي الوثير، والغبار الذي خيم وأعلن استراحة (الرئيس).

والسؤال مازال قائما ويزحف في ممرات الجامعة، ولا يقف عند عتبة، هو: «لماذا لم يعين الرئيس حتى الآن؟». ويشعر الطلبة وهم يستقبلون يوما جديدا أن شيئا ما ينقصهم، ربما لا يحرزونه، لكنهم يتداولونه في أحاديثهم الجانبية... «أين هو الرئيس؟ إذا كانت الجامعة من دون رئيس... فمن الذي يسير شئون الجامعة...؟». والفراغ الذي حصل، يتواصل طيلة شهرين، ليقود بعد ذلك نواب الرئيس - كل في اختصاصه - زمام الأمور، ويقوم وزير التربية والتعليم ورئيس مجلس أمناء الجامعة بالاشراف العام والمتابعة، ويمثل الجامعة في المناسبات الرسمية.

الأسئلة لدى الطلبة تتدفق مثل الينبوع الذي تفجر عندما ارتسمت في خيالهم صورة الرئيس القادم، وهو مركز حساس ومهم في الجامعة، تتلون فيه الحياة الجامعية بصبغة التوجهات العليا. ويقول الطالب (أ. ج) من كلية ادارة الأعمال: «عدم تعيين رئيس للجامعة أفقدنا الاحساس بتكامل النظام داخل الجامعة. يهمنا معرفة من هو الرئيس القادم»... ويبدو أن الصورة ليست قاتمة، ولكنها تنكشف من خلال ثلاثة مرشحين تداولت أسماؤهم في الفترة الأخيرة لمنصب الرئيس هم: مريم آل خليفة، وسلمان الزياني، وعبداللطيف الزياني.

المشكلة كما يسوقها أحد موظفي الجامعة، أن الرئيس يجب أن يكون من أهل (مكة) حتى يعرف ما يدور بشعاب (الجامعة)، وهي المعضلة التي واجهت الجامعة بقوة، إذ يستقدم رئيس من خارج الحياة الأكاديمية في جامعة البحرين، وبعيدا عن الاحتقانات والمشاحنات الداخلية على المستويين الطلابي والأكاديمي، وبمجرد تقلده المنصب، تلتف حوله زمرة تزين له الوضع كأنه (جنة)، ومن يكون بعيدا عن العين لا يشرب الماء. وبرزت ظاهرة في الآونة الأخير وهي سلطة الرجل الثاني في وجود الرئيس، وهي سلطة قوية توجه قرارات الرئيس من خلف الكواليس.

صورة رئيس الجامعة السابق النعيمي كانت مشرقة وقريبة من وضعها الطبيعي باعتباره رئيسا للجامعة، فهو قد حظي بشعبية كبيرة بين الطلبة، وكان قريبا منهم يستمع إليهم، ويعالج مشكلاتهم، واتسمت فترة رئاسته بمصالحة بين ادارة الجامعة والطلبة، أقلها بين منصب الرئيس والأوساط الطلابية. تميزت شخصيته بالقوة، وهو رجل عسكري أكاديمي، استطاع أن يعيش مع الطلبة أوقاتا مليئة بالدفء والحنان والاستفادة، كما شيد مباني جديدة وأسس كليتي الحقوق وتكنولوجيا المعلومات.

لكن النعيمي آثر في فترة رئاسته للجامعة ألا يكون هو محور اتخاذ القرار، إذ أن العمل المؤسسي يتطلب توزيع المهمات وإعطاء التفويض والصلاحيات للمسئولين لاتخاذ القرار ولا تتم العودة إلى الرئيس إلا في الأمور العليا. ولم يتم تغيير كبير، خلال فترة رئاسة النعيمي في الهرم الأعلى لرئاسة الجامعة من نواب الرئيس إلا بقدر ما استطاع محمد جاسم الغتم وزيرا استقطابهم إلى التربية والتعليم باعتبارهم وكلاء مساعدين وبالتالي أحل النعيمي أناسا محلهم. لم يضف النعيمي كثيرا إلى الجامعة من حيث الطاقة الاستيعابية، ربما فضل (هضم) ما لديه من طلبة قبل زيادتهم، ولكن تحقق في وقته خفض رسوم البرامج المستحدثة (التمويل الذاتي) والدراسات العليا حتى باتت متساوية مع البرامج السالفة وذلك بمكرمة من الأمير (آنذاك). اهتم النعيمي كثيرا بالانشطة الطلابية العلمية والثقافية والرياضية لإيمانه بأن طاقة الشباب لابد وأن تستثمر إلى أبعد الحدود، وكان كثير اللقاء بالطلبة في أماكنهم، قليل اللقاء بهم وبالإداريين في مكتبه. كان يفضل ألا تتم الإدارة بالطريقة العشائرية إذ تصدر التعليمات والقرارات والاستثناءات من مكتبه، بل من خلال النظام العام الذي يقبل أو يرفض أيا من الأمور.

الهيبة والوقار لمنصب الرئيس والجدية الصارمة هي من المميزات التي اتصف بها رئيس الجامعة الذي سبق النعيمي، محمد جاسم الغتم، الذي شهدت فترة رئاسته اقتحام الحرم الجامعي من قبل قوات الأمن، واعتقال الطلبة المشاركين في المظاهرات أثناء حوادث التسعينات. شخصية الغتم كانت كارزمية في الإدارة، فهو قوي جدا وجسور في اتخاذ القرارات، ربما بعضها ثبت عدم جدواه...

ولكن اتخاذ القرار في الموقع أحيانا أفضل من تأجيله. نشاطه الكبير في الجامعة جعلها تتقدم كثيرا على المستوى التوسعي في قبول أعداد أكبر من الطلبة. فتح مراكز للدراسات، عقد اتفاقات... ولكنها في ذلك كله لم تقدم الكثير من المعطيات من الناحية النوعية إلى الطلبة الذين تخرجهم، فكان الهم الضاغط على تلك الفترة التي رأس فيها الجامعة هو استيعاب أكبر قدر من خريجي الثانوية، وإقفال الباب أمام المعاهد والجامعات الخاصة التي تحاول الظهور... حتى أن الجامعة آنذاك استحدثت قسما للتسويق، بينما كانت في أمس الحاجة إلى أن تنشئ قسما (للتنفير) منها حتى تحتفظ بالكم المناسب لقدرتها الاستيعابية من الطلبة الذين يمكنهم الاستفادة بشكل كبير مما يقدم إليهم. العدد الكبير من الطلبة جعل الأساتذة معلمي مدارس، يخرجون من محاضرة إلى محاضرة، ولا يمكنهم حضور مؤتمر علمي أو إعداد بحوث للترقي الأكاديمي وصار على الاستاذ إما أن يهمل في أداء واجبه تجاه الطلبة وإما أن يهمل في أداء واجبه نحو نفسه والترقي العلمي المنشود الذي يعود خيرا على الطلبة أنفسهم.

تميزت فترة الغتم بالانقسام إلى قسمين: فترة الاضطرابات التي شهدتها الجامعة والتي جاءت بالغتم رئيسا لها، وفترة العودة إلى السكينة والانفراج السياسي. تعامل الغتم بذكاء مع الفترتين...

و«المرشحون الثلاثة» لرئاسة الجامعة الذين تداولت أسماؤهم في الفترة الأخيرة، كانوا مثار جدل لدى الطلبة والمتابعين، الذين تقفز إلى أذهانهم شخصية ما، ثم تتراجع.

أهم هذه الأسماء: عميدة كلية الحقوق مريم الخليفة، التي رشحت بقوة لهذا المنصب، وقيل انها رفضته. دخلت جامعة البحرين متأخرة من خلال قسم القانون الذي تحول في فترة وجيزة إلى كلية بعد أن اشتغلت في المحاماة فترة طويلة. هي حادة الذكاء وحازمة في اتخاذ القرارات الخاصة بما يليها من عمل، ولكن رئاسة الجامعة أكبر بكثير من رئاسة قسم أو كلية.

المرشح الثاني هو سلمان الزياني، حصل على الدكتوراه في التسعينات. عمل في الإدارة العامة للمرور. وبعد ذلك انتقل رئيسا لمركز البحرين للدراسات والبحوث عندما كان المنصب شاغرا، ولطبيعة عمل المركز لم يظهر الزياني بشكل كبير في المجتمع.

المرشح الثالث هو مساعد رئيس هيئة الأركان للعمليات والتخطيط عبداللطيف الزياني، عرف عنه الاستقامة والاحترام والتواضع، وشغفه بالتدريس الجامعي إذ يزاول التدريس بين الفينة والأخرى في جامعة الخليج العربي حتى لا ينقطع عن المجال الأكاديمي. متمكن من مادته ومن الإدارة بحكم المنصب الذي وصل إليه في قوة الدفاع. محبوب من زملائه في جامعة الخليج وكذلك من طلبته الذين يكيلون له المديح.

الترقب يسيطر على الوسط الأكاديمي، وبانتظار الرئيس الذي (لا تلتف حوله الحاشية)

العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً