جماعات «الهوليغنز» البحرينية لم تنعقد نطفتها في المساجد أو المآتم أو الجمعيات السياسية وان حاول بعض المثقفين القاءهم على هذه المؤسسات، لان هذه المؤسسات أعظم من أن تلد شبابا من هذا النوع. فما كنا في يوم من الايام متورطين في خلق مناخات فاسدة، فهؤلاء لا انتماء لهم ولا جنسيات خاصة بهم أو مذهب خاص. وهذه الثقافة تولد متى ما ولد المناخ الفاسد فالفساد والمراهقة لا هوية لهما. لهذا نحن نرفض ان تصبح قرانا الجمل الأجرب الذي تلقى عليه كل ظواهر المجتمع وكأنما أصبحت بقية المناطق والمجمعات التجارية والسينمات ملائكية لا يأتيها الشيطان لامن خلفها ولا أمامها واذا اردت ان تدخلها فعليك ان تخلع نعليك فانك بالوادي الملائكي.
كفانا خلط للاوراق. فكأن أبناء القرى هم الذين أنزل الله فيهم غريزة الشهوة فجعل أبناءهم مراهقين أما أبناء الأغنياء فقد جيء بهم من السماوات العلا. هذه الظواهر الجميع يشترك فيها بمن فيهم العوائل المترفة من أبناء رجال الأعمال والأغنياء والصحافيين وغيرهم، بل ان «شارع المعارض» عرف من هم رواده ومن مريدوه فإذا كان هناك من تأثر لدى أبناء القرى فقد تعلموا ذلك كغيرهم من أولئك النفر من أبناء المدارس الخاصة ومن يجولون في العام ألف مرة في الدول السياحية وهم من الطبقة المترفة من المجتمع ومن كل الطوائف.
لقد أزعجتني كثيرا قراءة الصحف الكويتية وهي تدس بايعاز من داخل البحرين اسم الشيعة في مثل هذا الحادث وكل ذلك لتبرئة تلك الحالات غير الحسنة التي خلقت لنا مثل هذه الأجواء. ان هؤلاء الشباب المنحرف من قاموا بالتخريب هم افراز اجواء خارج القرى. فهل مساجدنا مسئولة عن نشر التهور بين الشباب؟ هل المعارضة مسئولة عن عدم الانضباطية الأخلاقية ومادليل من يدعي ذلك؟
ان مثل هذه الظواهر يتحملها مسئولو قطاع السياحة والاعلام أولا وأخيرا ومن ثم يأتي دور الأسرة والمجتمع والمؤسسات الأهلية. يجب قبل البحث عن إلى أية فئةٍ ينتمون يجب أن نسأل انفسنا وبجرأة وبلا مكابرة من المتسبب في ايجادهم؟ من خلق لهم المناخ؟ اما اقتطاع عينة ليكتمل المشهد فذلك غير مقبول وان للعدالة وجوها أخرى. وهنا نطالب (وبعد ان نشرت بعض الاسماء) باستجواب جميع من التقطتهم كاميرا التلفزيون البحريني وغيرها وان يتم نشر جميع الأسماء بمن فيهم الأحداث الذين تم اطلاق سراحهم حتى تكتمل الصورة ولكي لا يستغل الحدث بعض المتصيدين ممن طاشت سهامهم وراحوا يطلقونها هنا وهناك وهي تشير إلى فئة بعينها. فهؤلاء ساءهم ذلك التقارب بين المشروع الاصلاحي والمجتمع.
ولهذا نحن نطالب بكشف المصادر التي زجت باسم طائفة بكاملها في الحدث حتى بدأ يتناقل في كل مكان أن المذهب الفلاني والطائفة الفلانية وراء الحدث.
فبعض الصحف وبعض الاشخاص تعمدوا إيصال اسم الطائفة الشيعية إلى الخارج كي يوقعوا الفتنة الطائفية وكي يغطوا على أخطائهم التي أوجدت لنا مثل هذه الظواهر المرعبة والمخيفة. من يقم بالتخريب مدان مهما كان انتماؤه ولكن يجب أن يدان الجميع ممن شارك في هذا الفعل بلا انتقائية حتى لا تسيس القضية وكاميرا الفيديو والصور تشهد على جميع من شاركوا. وإنا لنأسف لزج اسم «الجماعات الاسلامية» أو السياسية في الحدث ويا لسخرية القدر عندما تلفق تلك الحكايات الرخيصة لاشعال الفتنة إذ راح البعض يلقي هؤلاء على مؤسساتنا الدينية ولو بالغمز واللمز.
ان سراويل الجينز والسترة الشتوية والفانيلات المقطوعة الأكتاف الأحدث في سوق الموضة لا تباع في محاريب المساجد أو أروقتها وما سمعنا عن خطيب يقوم بحلاقة رؤوس الشباب على الطريقة الأميركية عند كل صلاة بل مساجدنا وصلواتنا وعلماؤنا هم أول من التفتوا الى مثل هذه الظواهر المخيفة وهذه التشكيلات الغريبة من قص الشعر وغير ذلك وراحوا يعلنونها صريحة أنهم ضد هذه «الثقافة الغربية» حتى وصموا بالرجعيين، فهل بعد كل ذلك نصبح الشماعة التي تلقى عليها كل هذه الأوساخ؟ لسنا من النفعيين ومن راحوا يخلطون الأوراق.
فلنسأل أنفسنا: هل عهدنا من المعارضة أو هذه الطائفة أو تلك أو في سلوكيات شبابنا أن يقوموا بنزع بنطلون امرأة كما حدث للفلبينية في شارع المعارض فيجعلونها هكذا؟ هل هذه من سلوكياتنا أيها المتهمون للابرياء؟
علينا ألا نتهم طائفة من دون طائفة أو عائلة من دون عائلة أو مجموعة من دون مجموعة، فالشيطان لا يفرق بيننا إلا إذا ذهب بنا الى التنطع لنسب الشيطان لفئة من دون فئة أو لمجموعة من دون مجموعة، ففي خلط الأوراق كل شيء جائز مادام هناك أمة قبلت لنفسها أن تلقى عليها المزابل في كل المراحل من دون أن يتحرك علماؤها أو مثقفوها بأي كلمة.
التسيب الخلقي هي الميزة التي غلبت على هؤلاء حين مشاهدتهم ليلة الحدث عبر التلفاز وعبر شهود العيان.
لهذا يجب أخذ الحدث بجميع أبعاده وتجب إعادة النظر في سياستنا في السياحة كما تجب اعادة النظر في مناهجنا التعليمية والتربوية كما يجب الالتفات الى عنصر الرقابة في اعلامنا المحلي ويجب وضع ضوابط «للدش» والانترنيت ويجب أن تكون هناك رقابة على مكاتب السياحة في البلد فإن القاء التهم هنا وهناك لا يحل القضية.
إذن لماذا يحاول زج طائفة بعينها؟ كما ان التعجل في نشر الصور قد يؤثر في سير العدالة وخصوصا نحن نلحظ مدى الجوع الذي وصل إليه بعض المحللين المتصيدين لمثل هذه الحوادث من أجل إلقائها على فئة من دون فئة.
قد تناقلت الأخبار العالمية حوادث حرق وقعت في فرنسا ليلة تحول السنة الميلادية، والظاهر أن أولاد القرى في البحرين هم وراء ذلك أيضا، غدا سيخرج علينا كتّاب ليتهموا أهل القرى بذلك.
الأزمة ليست أزمة قرى وإنما أزمة عامة تواجه اي امة في عصرنا الحاضر. ونذكر بان الديمقراطية لا تقوم بنشر صور من دون استكمال العدالة وهذا ألف باء الديمقراطية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 121 - السبت 04 يناير 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1423هـ