العدد 121 - السبت 04 يناير 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1423هـ

التاريخ يكرر نفسه

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت القوات الاميركية بالخروج من قواعدها متوجهة إلى المنطقة المحيطة بالعراق مطلقة منذ الآن صيحات النصر العسكري.

ما الذريعة القانونية التي تنتظرها واشنطن للبدء بالهجوم؟ كل ما تقوله ادارة واشنطن يمكن اختزاله بفكرة واحدة هي ان النظام في بغداد يكذب. فالنظام يدعي انه لا يملك «اسلحة دمار» بينما المعلومات تؤكد غير ذلك. والمعلومات ليست بالضرورة تلك التي سيذكرها رئيس فرق التفتيش هانز بليكس في تقريره بل ربما ما تعرفه واشنطن من طريق اجهزتها الخاصة. فالتقرير الدولي ليس كافيا ذريعة قانونية ولكنه «المسمار» الذي ستعلق عليه واشنطن معلوماتها الخاصة للقول ان نظام بغداد اخفى المعلومات عن فرق التفتيش وبالتالي يجب ان يعاقب على فعلته. اذا وقعت الحرب، وهي مرجح وقوعها خلال الاسابيع المقبلة، تكون من اغرب الحروب في مطلع القرن الواحد والعشرين لأنها ستحاسب دولة مستقلة على ذمة التحقيق واختبار النوايا وستقتل عشرات الالوف من شعب «لا ناقة له ولا جمل» بأسلحة حديثة فتاكة بذريعة حمايته من احتمال وجود «اسلحة دمار». فالشيء بالشيء يفعل.

والسؤال: هل فعلا واشنطن تنتظر نتائج البحث والتحقيق في تقرير رئيس فرق المفتشين وستحترم خصوصيته ام انها تملك حيثيات اخرى لها خصوصياتها وهي تشكل بالنسبة إليها ذريعة كافية لاعلان حرب مدمرة؟ ادارات البيت الابيض على انواعها تدعي دائما انها تعرف كل شيء ومطلعة على كل شاردة وواردة... وفي الآن وحين تبادر إلى اتخاذ قرار خاص تلجأ إلى الذريعة لتغطية حربها وطموحاتها وأطماعها... والذريعة هي التخطيط لاستدراج الضحية إلى ارتكاب خطأ ما تحتج به لتنفيذ خطة كانت مبرمجة سابقا. وبوجود هيئة دولية تدعى الامم المتحدة فإن دور تلك المؤسسة المستضعفة هو البحث عن ذريعة أو اصدار قرار يعطي الحق القانوني (الشرعي) للدول الكبرى بتحقيق اهدافها التي لاصلة لها بالكلام النبيل عن الغايات الانسانية. الولايات المتحدة، مثلا، اتخدت قرار الحرب على العراق بعد اسبوع من ضربة 11 سبتمبر/ ايلول 2001 وهي تخطط منذ تلك الفترة لدفع كل الاسباب وتجميعها في مصب واحد لاتخاذ قرار الهجوم. وانتظارها لنتائج تحقيق فرق المفتشين وتقرير رئيسها بليكس مجرد خطوة شكلية كان لابد من اتخاذها ارضاء لمعنويات الدول الكبرى الاخرى التي يقال انها مشاركة في صنع القرارات الدولية. فالحرب برأي مثلث الشر الحاكم في اميركا (تشيني، رامسفيلد، رايس) يجب ان تقوم مهما كانت نتائج التحقيق وما يرد من كلام في تقرير رئيس فرق المفتشين. فالتقرير كلام في كلام والانتظار مجرد مسألة شكلية فرضتها بروتوكولات السياسة الدبلوماسية في مجالس الامم المتحدة وهيئاتها. اميركا اذن تعلم اكثر من غيرها ماذا يوجد في العراق وماذا لا يوجد، وتعلم ايضا اذا كان نظام بغداد يكذب او لا يكذب. فهي ايضا على صورته ومثاله لا تتردد في الكذب عندما يكون وساطة لارتكاب جريمة انسانية تجلب للخزينة المال والاعمال، ويمهد لها الطريق للسيطرة والهيمنة على المنطقة إلى فترة طويلة.

في مطلع القرن الماضي دخلت الولايات المتحدة في تحالف مع اوروبا ضد دول المحور وتحديدا المانيا وتركيا (العلمانية) العثمانية تحت شعارات انسانية ابرزها «حق الشعوب في تقرير مصيرها» وتحرير العرب من هيمنة الترك ومساعدتهم في تأسيس دولة عربية واحدة ومستقلة. وحين هزمت المانيا وانسحبت الجيوش التركية من قناة السويس وبلاد الشام دخل الحلفاء المنطقة بشعارات جديدة. وكل ما قيل قبل الحرب قيل عكسه بعد انتهاء الحرب. حتى قيل ان الكلام الذي تناقله قادة العرب عن الغرب والوعد بالحرية ليس صحيحا. والصحيح برأيها هو ما فعلته دول التحالف المنتصرة: احتلال القدس، وعد بلفور، اتفاقات سايكس - بيكو واسقاط حكومة فيصل في دمشق وأخيرا أن الشعوب الخارجة من تحت عباءة الحكم العثماني غير مؤهلة لحكم نفسها (تقرير مصيرها). وحتى تعطي دول الحلفاء شرعية لاستعمارها لجأت إلى الامم المتحدة (عصبة الامم آنذاك) فاتخذت القرار الذي لبى مصالح الدول المنتصرة وأعطت شرعية للاستعمار باسم جديد اطلق عليه «الانتداب». الانتداب قناع لطيف للاستعمار وهو يقوم على فكرة بريئة وهي تدريب (اعادة تأهيل) الشعوب على حكم نفسها. والامم المتحدة انتدبت فرنسا وبريطانيا لهذه المهمة التدريبية (الانسانية) لفترة وجيزة. واستمرت الفترة منذ العام 1916 سنوات حتى اندلعت حروب التحرير والاستقلال في الاربعينات والخمسينات ولم يخرج الانتداب إلا بعد ان انهك الشعوب وشرذمها وزرع فيها انظمة الطوائف والمذاهب وأزسس دولة «اسرائيل» في فلسطين. والاخطر من كل ذلك ان اولى ضحايا الانتداب رجال الدولة العربية والمعارضة العربية الذين تعاملوا مع الحلفاء للانقلاب على السلطنة العثمانية. فهؤلاء دفعوا الثمن في اول الطريق وبعدهم جاءت الشعوب. فهل يكون مصير المنطقة بعد العراق في مطلع القرن الجديد كما كان مصيرها في مطلع القرن الماضي... والاهم هل يكون مصير المعارضة العراقية مشابها لمصير المعارضة العربية؟ من قال ان التاريخ لا يكرر نفسه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 121 - السبت 04 يناير 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً