الإدارة الأميركية على موعد في الشهر الجاري مع حدثين: الأول في 7 يناير/كانون الثاني حين يبدأ الكونغرس جلساته في حلته الجمهورية، والثاني في 27 يناير حين يقدم رئيس فريق المفتشين عن الأسلحة في العراق تقريره إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار في شأن مهمته.
منذ نوفمبر/تشرين الثاني ينتظر الرئيس جورج بوش هذا الشهر، ففيه سيقرر خطوات يتوقع لها أن تكون مصيرية سواء على مستوى الداخل الأميركي أو على مستوى السياسة الدولية، وتحديدا موضوع «الشرق الأوسط» ومسألة الحرب على العراق. وربما تكون مصادفة (مقصودة) ان تبدأ انتخابات الكنيست الإسرائيلية في 28 يناير، أي بعد يوم من تقديم هانز بليكس تقريره، وهي انتخابات يرجح فيها أن يفوز حزب الليكود العنصري - المتطرف بغالبية مريحة في وقت تتصاعد فيه صيحات القضاء على سلطة ياسر عرفات وطرد (ترحيل) الفلسطينيين من اراضيهم.
إنه شهر خطير يتوقع في ضوء قراراته أن تتخذ سلسلة خطوات ستترك آثارها - ويرجح أن تكون سلبية - على المنطقة العربية وجوارها الإسلامي لفترة ليست قصيرة.
والأخطر في الموضوع ليس التطرف الإسرائيلي الذي تعودت المنطقة عليه منذ نصف قرن، بل نزوع الادارة الأميركية إلى المزايدة على التطرف الإسرائيلي وهو أمر يعطي فرصة لحكومة ارييل شارون لتحقيق أهداف بعيدة المدى لم تحلم بها أية حكومة صهيونية.
الآن تبدو الإدارة الأميركية أكثر تطرفا، فهي لا تكتفي بالصمت وتغطية تجاوزات شارون وخروقه الدائمة للقرارات الدولية، بل إنها تتجه نحو تشجيعه على المزيد من التطرف لتحسين فرص هجومها المتوقع على العراق والمنطقة. فالإدارة الأميركية تبدو الآن متجانسة مع الدور الإسرائيلي في وقت بدأت واشنطن تعيد النظر في استراتيجيتها الدولية وتحديدا سياستها الملتبسة تجاه الدول العربية منذ انتهاء حرب الخليج الثانية في العام 1991.
تلك الحرب أنتجت مجموعة توازنات اقليمية جديدة أولها اضعاف شوكة الدول العربية بكسر التوازن العسكري لمصلحة الطرف الإسرائيلي. وثانيها دخول الولايات المتحدة طرفا مباشرا في اللعبة السياسية «الشرق أوسطية». وثالثها اعادة النظر في مجموعة ترتيبات مشروع اولويات المصالح الأميركية بعد غياب خطر الاتحاد السوفياتي.
منذ تلك الحرب بدأت واشنطن تتصرف بالنيابة عن نفسها وتراجعت أهمية الوكالة الإسرائيلية فلم تعد تل أبيب الممثل الأول للمصالح الأميركية بل تحولت إلى شريك في تلك المصالح بعد أن وافقت على التخلي عن مشروعها الخاص وربط مصيرها بمصالح المشروع العام.
هذه المسألة الخطيرة لم تدركها بعض الدول العربية وخصوصا تلك التي تعتبر حليفة لواشنطن. فـ «إسرائيل» أدركت منذ العام 1992 أن وكالتها الاقليمية تراجعت بوجود الأصيل في المنطقة وانها باتت اما خيار لا بديل عنه وهو التنازل عن دورها الخاص واعادة ربطه مجددا بالمشروع العام للولايات المتحدة.
في البداية بذلت «إسرائيل» جهدها لتجديد دورها الأمني ووكالتها الإقليمية من خلال الايحاء بأن أهميتها اتسعت في «الشرق الأوسط» باتساع الرقعة الجغرافية للدول الإسلامية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وخروج الجمهوريات الآسيوية (الإسلامية) الخمس واستقلالها عن موسكو.
وبعد عناد قصير الأجل وافقت تل أبيب على ربط أمنها بالمظلة الأميركية من خلال اشتراكها كطرف صغير في المشروعات الاستراتيجية الأمنية وآخرها كان «الدرع الصاروخية».
الدول العربية، أو معظمها، ولأسباب سياسية وتاريخية كانت خارج تلك المظلة الأمنية أو الاستراتيجية الأميركية الهجومية الجديدة.
أصيبت تلك الاستراتيجية بصدمة فوز الحزب الديمقراطي في انتخابات 1992 ووصول بيل كلينتون إلى رئاسة البيت الأبيض، وهو أمر لم يتوقعه الحزب الجمهوري وجورج بوش الأب. إلا أن خروج كلينتون من الرئاسة وعودة بوش الابن اعاد الحيوية لمشروع بدأت واشنطن بتأسيسه في نهاية حرب الخليج الثانية.
في السابع من يناير اذن يبدأ الكونغرس الأميركي الجديد الذي انتخب نصفه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعماله، ويتميز المجلس بانه يتمتع بغالبية مريحة للحزب الجمهوري وهو أمر يسمح للإدارة الأميركية بأن تتخذ من خلاله قرارات خطيرة من دون اعتراضات. وأولى الخطوات مسألة العراق التي تنتظر تقرير بليكس
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 120 - الجمعة 03 يناير 2003م الموافق 29 شوال 1423هـ