العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ

كيف نحلل القضايا بواقعية؟

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

كثيرة هي القضايا التي يعيشها المجتمع البحريني، فهي متشابكة ومتداخلة وقد تكون أحيانا عصية على الفهم وحتى التدارس والحل. ولعل المشكلة الكبرى التي نعيشها هي كيف نعطي الآخر الحرية في ابداء رأيه من دون أن نلتجئ إلى اطلاق الرصاص على مثل هذا الرأي أو ذاك. أحيانا نحن باعتبارنا قوى سياسية نطالب الأنظمة بترسيخ الديمقراطية وبأن يتسع صدرها لسماع النقد، لكننا أحيانا نجد أنفسنا عاجزين أو غير مقتنعين بأن نسمع الرؤى الأخرى من الأصدقاء ذاتهم اذا ما أبدوا رأيهم في مشكلة أو مشروع أو موقف.

هذه الديمقراطية تسمى بالديمقراطية المجتزئة على مزاج ورغبة الانسان القوي أو المجموعة القوية أو بعبارة أخرى من يمتلك حق تفصيل اللباس للمجتمع. وهذا أمر خاطئ. يجب أن نتعود على سلوك طرح آرائنا من دون خوف من أحد لا من السلطة ولا من المعارضة. فإذا أبدت السلطة خطأ يجب أن نقول: ان ذلك القانون أو الفعل خطأ، وكذلك مع المعارضة أو مع الكارزميات وغيرها وأن يكون نقدنا حضاريا يعتمد أدبيات الحوار واخلاقية الاختلاف. يجب كسر ذلك (التابو) العرفي مادام قائما على أسس خاطئة، يجب أن نقول كلمتنا وأن نناقش كل رأيٍ وأن ندقق في كل موقف بطريقة علمية معرفية بلا انفعالات وخطب انشائية.

وذلك يكون عمليا عندما تكون هناك مؤسسات تمثل الناس وإلا ليس بالامكان أن تؤخذ آراء الجميع بمن فيهم البعيدون عن الشأن السياسي فإنه ليس كل من عاش الجو السياسي أصبح سياسيا وإلا أصبحت الدنيا في فوضى اذا توقفت النخب على الأخذ في كل صغيرة وكبيرة برأي العامل والفلاح والدكتور والمهندس... وإنما يؤخذ برأي العقول الاستراتيجية من الأمة والنخب العلمية الناضجة، وهذه هي أفضل آلية للاقتراب من معرفة الواقع. وكل ذلك لا يعني ألا نستمزج آراء الجمهور وهناك فرق بين الاستمزاج وبين حصر الموقف في ما يريده الناس أو المجتمع.

الناس تبحث عمن يأخذ بيدها إلى حيث الاستقرار السياسي وإلى حيث الأمن الاجتماعي وإلى حيث الثقافة الإسلامية القائمة على الحفاظ على الثوابت مع عدم الانغلاق على تطور العصر. وهذا الأمر ليس بعيدا لو أننا قمنا بقراءة الواقع بواقعية بعيدا عن العاطفة. فالجمهور يجب أن يدفع باتجاه المساءلة النقدية للواقع ويجب أن يوصل صوته إلى النخب على ألا يقوم مسبقا بفرض آرائه عليها ويجب أن يتحمل رؤية النخب فيما تطرحه مادامت تحمل همومه وأوجاعه وهذا الأمر يقودني إلى ضرورة ترسيخ ثقافة الحوار. فالمجتمع البحريني بأطيافه بحاجة ماسة إلى ثقافة الحوار والتسامح بعيدا عن سياسة تكسير الرؤوس أو آليات الفرز. يجب ألا يضيق صدرنا لأي نقدٍ مادام في صالح المصلحة الإسلامية والوطنية. يجب أن نتعلم ونتعاون في نقد أنفسنا وذواتنا وممارساتنا بطريقة علمية خالية من عقدة المؤامرة والتفسير التآمري. فالنقد الذاتي البناء هو الذي يرشدنا في الواقع في أي مآزق مستقبلية، والنقد يعلمنا أخطاءنا وممارساتنا، وما لنا وما علينا. فمادمنا بشرا فحتمية الوقوع في خطأ الموقف أو الأداء واردة. أما القطعية الدائمة بحسن الموقف وصحته فذلك يوقعنا أحيانا في أوهام نظنها حقائق لكننا لا نستطيع أن نكتشفها إلا بعد السقوط في المآزق. ويجب علينا أن نتعلم من تجارب الآخرين في الدول الأخرى فإن التعلم هذا يعد ظاهرة صحية ودليلا على العافية السياسية والوعي الفكري والنضج العقلي. يجب أن نكون دقيقين في قراءتنا للواقع ويجب أن نفهم أن الواقع فيه لاعبون كثر. وفيه تقاطعات وتداخلات، فيه المخلصون وفيه النفعيون، فيه أبطال العافية والراحة على طريقة «أنا في السلم الحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم» وفيه من يقف معك على طول الخط. فيه من لم تره يوما قال كلمة حق لكنه يظهر عليك في المواسم الانتخابية لتراه بطلا ميكروفونيا عظيما يعزف على أوجاعك، قد يحالفه الحظ في اليانصيب الانتخابي وقد يوقعه حيث الخلطة كانت خطأ وهكذا. يجب أن يفهم المرء وهو يعيش الواقع السياسي أنه ليس اللاعب الوحيد، هناك مراكز قوى وهناك تكتلات مختلفة، صحافية، وأحيانا تجارية وأحيانا ادارية و... هناك استقطابات وتحالفات وهناك وضع محلي ووضع اقليمي وعالمي وكل ذلك له دور في اللعب في السيرك السياسي فكما أن المرء محكوم بتوازنات مؤدلجة وممصلحة وشخصية كذلك هو الواقع السياسي. لهذا ينبغي للمرء أن يضع كل ذلك أمام عينيه وهو يقرأ الواقع، وهو يحلل، وهو يضع أولوياته، وهو يضع أجندته... وأكبر خطأ يعيشه المرء عندما يقوده غروره ونرجسيته إلى الثقة الزائدة بقراره وبأنه يرى ما لا يراه العالم وأنه يستشرف ما لا يستشرفه الآخرون. فالثقة الزائدة بالقرار توقع الانسان في أكثر المزالق السياسية من دون أن يعلم. فقد يصبح أضحوكة ولعبة أمام السياسيين البراغماتيين من دون أن يعلم أو قد يخلق له واقعا لكي يقع فيه ومن ثم يصبح متهما في تأسيسه وهو لا يعلم. فالمكابرة أكبر مرض تعيشه أنظمتنا ومجتمعاتنا العربية. نحن نبحث عن وعي سياسي كي نتحرك صحيحا ولا نبحث عن خطاب انشائي أو تحليل عاطفي، فوهم الخبز ليس خبزا وإن حمل شكله

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً