الكلام الذي قاله الرئيس الأميركي جورج بوش في مزرعته في تكساس ليلة رأس السنة الميلادية عن تمنياته بالتوصل إلى حل سلمي للمسألة العراقية... هو مجرد تمنيات.
فالكلام الذي يقال عادة في المناسبات هو كلام مجاملة يتمنى فيها أن يقدم الطرف الآخر «هدايا» وجوائز ترضية تحقق أحلامه من دون كلفة مادية أو بشرية... إلا أن خلاصة الكلام هو مجرد حلم قصير في شتاء قاس. فالحقيقة في النهاية هي مجموعة وقائع إذا تم جمعها في معادلة سياسية تعطي نتيجة معاكسة لما قاله بوش في رسالته إلى الشعب الأميركي.
ماذا تريد إدارة البيت الأبيض من بغداد حتى توافق على استبدال لغة الحرب بلغة السياسة؟ ما تريده واشنطن كل شيء تقريبا. فهي تطلب من العراق أن يعترف بوجود «أسلحة دمار شامل» فإذا اعترف مشكلة وإذا لم يعترف مشكلة. وهي تطلب تسليم الكشف الكامل بأسماء كل العلماء العراقيين فإذا سلم القائمة مشكلة وإذا لم يسلمها مشكلة أيضا.
وهي تريد التحقيق مع العلماء في العراق وخارجه؛ فإذا وافق مشكلة وإذا لم يوافق مشكلة. وهي تريد تجديد عمل فرق التفتيش إلى ما لا نهاية حتى يقع نظام بغداد في خطأ ما تعتبره واشنطن عرقلة للقرار الدولي... إلى آخر السلسلة من الطلبات التي لن تنتهي إلا بتحقيق الأهداف العامة للاستراتيجية المقبلة في منطقة «الشرق الأوسط».
والسؤال ما هي الأهداف الأميركية من كل هذا الضجيج العسكري؟ حتى الآن تختصر واشنطن خطتها في ثلاث نقاط: الأولى، العراق ينتج أسلحة دمار تهدد استقرار المنطقة وعليه تسليم الاسلحة وإلا واجه معركة تدمره، النظام يضطهد شعبه وعليه أن يحسّن سلوكه والا تعرض إلى تغيير شامل، وأخيرا العراق يخالف القرارات الدولية المتعلقة بتهديده الدائم لجيرانه الأمر الذي يوتر المنطقة ويعرضها إلى عدم الاستقرار. وهذا كله برأي الولايات المتحدة يتطلب القيام بحملة عسكرية كبرى تحقق الأهداف الثلاثة بضربة واحدة: نزع السلاح، تغيير النظام، وتطبيق القرارات الدولية.
الكلام عن «اسرائيل» في هذه الحملة غير وارد. حتى تلك المجاملات اللفظية التي اضطر والده جورج بوش تكرارها خلال حملة 1991 لاترد على رغم أن الدولة العبرية تخالف القرارات الدولية وتنتج أسلحة دمار شامل وتهدد المنطقة بعدم الاستقرار.
الكلام عن النفط غير وارد في هذه الحملة. حتى تلك الاشارات الخفية عن اكتشافات هائلة جديدة في غرب العراق التي يقال انها تضع البلاد في مرتبة ثانية بعد السعودية في لائحة الدول المنتجة لا تذكر باعتبارها سببا من أسباب الحرب.
الكلام عن خريطة سياسية جديدة لمنطقة «الشرق الأوسط» - يعاد فيها توزيع الدول في ضوء تقسيمات مغايرة لتلك التي رسمت في الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) وتقلب فيها التوازنات فتصبح بعض الدول الكبيرة صغيرة وبعض الدول الصغيرة كبيرة - لا يرد في برنامج الحملة الجديدة.
الكلام عن دور إقليمي مميز لدولة «اسرائيل» - في خريطة «الشرق الأوسط» الجديدة بعد تحويلها عن طريق القوة إلى الدولة الأولى عسكريا واقتصاديا في المنطقة المفككة جغرافيا (وربما طائفيا ومذهبيا) - لا يرد في برنامج الحرب المقبلة.
هذا الكلام تعتبره الإدارة الأميركية مجرد حملة «تهويش» ضد الأهداف الإنسانية والغايات النبيلة التي تطمح واشنطن إلى اطلاقها في المنطقة بعد الحرب على العراق والقضاء على نظامه.
كلام الرئيس بوش هو رمي كرات الثلج في العيون في مناسبة رأس السنة الميلادية. فهو يريد تهوين المشكلات وتطمين العائلات الفقيرة التي أرسلت أولادها إلى منطقة بعيدة لتحقيق مجموعة مصالح تصب المال في خزائن عائلات الأثرياء وأصحاب شركات النفط ومصانع السلاح التدميري في الولايات المتحدة. فالحرب في لغة رجال الحرب هي اختبار القوة وفي لغة الاقتصاد هي المال والأعمال... وفي لغة السياسة هي تحقيق الأهداف التي تخلد الأسماء في كتب التاريخ.
... والمشكلة أن البعض يصدق كلام المناسبات لا في الولايات المتحدة فقط بل في «الشرق الأوسط» أيضا
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ