لعل المفاجأة فيما حدث في رأس السنة هو حجم المشكلة التي تفاقمت في مجتمعنا لتنتج شبانا ضائعين يبحثون عن وسيلة لهو عبثية، تماما كما هو الحال مع ظاهرة «الهوليغنز» المنتشرة في الدول الليبرالية والرأسمالية. فهذه الجماعة تحتوي على شباب مملوئين بالطاقة والحيوية ولكنهم ضائعون من دون هدف مقدس في حياتهم. وبسبب انحلال الضوابط الأهم المتمثلة في الأسرة وعلاقاتها، تظهر هذه الجماعات بصورة فجائية في التجمعات الكبرى أثناء مباريات كرة القدم واحتفالات رأس السنة وغيرها.
وسرعان ما تتطور العلاقات بين هذه الطاقات الشابة وتتكون «شراكات» تجمعها متعة عبثية تتحدى بها النظام العام والترتيبات المجتمعية التي لا يشعرون بالحاجة إليها، أو لا يهتمون بوجودها أو عدمها.
فراغ الشباب يؤدي بهم إلى التهميش على الأصعدة كافة، وهذا التهميش يخلف فراغا داخليا يدفع المرء إلى القيام بأي عمل اثاري وعبثي للتعبير عن هذا الفراغ ولرفض التهميش.
العائلة في المجتمع هي المكان الأهم الذي يتم فيه تأطير السلوك الفردي بضوابط نابعة من الدين والأخلاق والأعراف والقيم. وضعف دور الأسرة في المجتمعات الليبرالية وتركيز مفاهيم الفردية أدى إلى بروز ظواهر غريبة مثل «البنكس» و«الهيبيز» و«السكين هيد» و«الهوليغنز»، ناهيك عن ظواهر أخرى مثل «الشواذ»، و«عبدة الشيطان» و«نساء الخيزران» اللاتي يفتحن بيوتهن لاستقبال أشباه الرجال ليتم جلدهم بالخيزران، ومقابل ذلك يدفع أشباه الرجال المال الكثير لأولئك النسوة المتخصصات في الضرب.
وحتى فترة وجيزة كنا نعتقد بأن هذه المظاهر تخص المجتمعات الليبرالية التي تحللت مفاهيم العائلة لديها وأصبحت عديمة الأثر على الحياة العامة. إلا ان ما حدث في رأس السنة الميلادية ربما الإنذار الأول من ان «عولمة» القرن الحادي والعشرين تعني أيضا عولمة تلك المظاهر الغربية في مجتمعنا.
والحديث عن «الهوليغنز» مازال بعيدا عن الأجندة السياسية الرسمية والأهلية، وحتى الجمعيات السياسية لم تتحرك لمعالجة هذه المشكلة. وربما يلتفتون إليها ولكن بعد فوات الأوان، وبعد بروز مظاهر أخرى كنا أيضا نعتقد بعدم وجودها.
الشواهد الأولية تتحدث عن ان في البحرين أيضا مجموعة تؤمن بشعائر وخزعبلات لها علاقة ببعض الفئات غير الدينية، كما ان هناك أحاديث عن جماعة الجنس الثالث، وتقارير عن احتفال شخص بزواجه من شخص آخر خلال عشرة الأيام الماضية.
إننا في البحرين نعيش أجواء مختلفة ومتناقضة. ففي جانب تجد الأجواء المتدينة والمحافظة، وفي جانب آخر تجد الشباب الذين ظهروا بالشكل الذي شاهدناه قبل عدة ليال. هذه هي طبيعة المجتمعات المعاصرة المنفتحة على العالم.
غير ان الحل لا يكمن في الانغلاق والخوف والرعب من هذه الظواهر، وإنما في مواجهتها بصراحة والتحقيق في جذورها ومن ثم معالجتها.
ولعل أكبر خطأ نرتكبه هو محاولة ربط هذه الظاهرة «سياسيا» بمذهب معين أو فئة معينة أو منطقة معينة. ففي هذا النوع من الربط عنصرية، كما انه يحتوي على جبن وخوف من مواجهة حقائق الأمور. إذ انه من السهل اتهام هؤلاء أو أولئك بأنهم خلف هذه المشكلة وتلك، ولكن التحدي الأكبر يكمن في استيعاب المشكلة من دون تحيز ومن دون تسييس لا طائل منه.
الحل الأمني ليس هو الحل الأمثل، وإنما هو الحل المساعد للحلول الأخرى. فنحن بحاجة إلى تعزيز دور العائلة ودور المجتمع الطوعي قبل تدشين القوة. فالقوة مطلوبة لردع الأعمال العبثية، ولكنها لوحدها تؤدي إلى تطور حالات العبث من النواحي التنظيمية والاستراتيجية.
إننا ندعو إلى العقلانية في التعامل مع المشكلة، كما ندعو إلى الحزم في الأمور. ومن أساليب الحزم المطلوبة إعلان أسماء الذين أُثبتت ضدهم التهمة ومحاكمتهم بصورة علنية، لكي يطلع الجميع على بعض جذور المشكلة من دون إصدار أحكام سهلة مسبقة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ