العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ

فوز شارون يعني خسارة رباعي «خريطة الطريق»

الشرق الأوسط من منظور أميركي

تصدرت صور «الخميس الدموي » في الشرق الاوسط الصفحة الأولى في «واشنطن بوست» يوم 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي وشككت الصحيفة في مزاعم «إسرئيل» ان قتل 9 فلسطينين في يوم واحد لم يكن مقصودا، بينما غطت «هآرتس» الحدث في صفحتها الداخلية وخصصت صفحتها الاولى لفضيحة الفساد داخل حزب الليلكود. وهو حدث اتخذ ابعادا جديدة منذ ان أعلنت الحكومة الاسرائيلية في 5 ديسمبر عن فتح تحقيق في مزاعم تقول ان يوسي جيتوسار وهو مسئول سابق في «شين بت» ساعد عرفات في فتح حسابات مصرفية في سويسرا. كما شرعت الشرطة الاسرائيلية في استجواب مسئولي الليكود عمّا قيل عن تلقي أعضاء الحزب رشاوى مادية وأخرى ذات طابع جنسي مقابل التصويت في الانتخابات الداخلية التي تحدد لائحة مرشحي الليكود في الانتخابات المقبلة. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب مازال يحظى بثقة الناخب الاسرائيلي خصوصا عندما يتعلق الأمر بالشأن الأمني. لكن الأزمة الاقتصادية الخانقة وفضيحة الرشاوى حدتا من تقدمه.

وقبل أسبوعين كان المحللون يتوقعون أن يضاعف الليكود تمثيله في الكنيست من 19 إلى 35 مقعدا ويفقد حزب العمل وايضا حركة شاس الكثير من المقاعد. وقد استطاع عمرام ميتسناع انعاش اليسار من جديد وان لم يستطع النيل من صدقية الليكود ويلاحظ ان الفارق بين سياسة الأخير وحزب العمل تجاه الفلسطينيين لم يعد بينا بسبب تشابه مواقف ميتسناع الأخيرة مع التوجه اليميني. وقبول شارون الخوض في مشروع «خريطة الطريق» وإن كان خوضا بالأقوال من دون الأفعال بالاضافة إلى ان مفهوم «الدولة الفلسطينية» أصبح حاضرا بقوة.

ويبدو أن قبول شارون بخريطة الطريقة الاميركية كان تكتيكا سياسيا ليس إلا، ومحاولة للحد من الانتقادات التي تتهمه بالافتقار إلى استراتيجية للخروج من المأزق الحالي. وما استمرار الولايات المتحدة في الكشف عن المزيد من التفاصيل المتعلقة بالمشروع إلا وسيلة لملء الفراغ. وليس هناك ما يشير إلى أنها تخطط لاستئناف المفاوضات. وعينت الادارة الاميركية حديثا مدير شئون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي إليوت أبرامز وهو من المحافظين الجدد المحسوبين على الصقور وبيروقراطي من الدرجة الأولى.

ويبدو أن هذا التعيين جاء بقصد عرقلة جهود وزراة الخارجية الأميركية بهذا الصدد بينما تتواصل الاستعدادات لشن حرب محتملة على العراق في الربع الأول من العام 2003، يتوقع أن تتسع شقة الخلاف بين واشنطن وباقي اعضاء اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة، روسيا والاتحاد الأوروبي) على تطبيق «خريطة الطريق». وباختصار فإن صعود حكومة يمينية في «اسرائيل» واستمرار التخبط في الجانب الفلسطيني اضافة إلى عدم التزام الولايات المتحدة ان لم نقل لا مبالاتها سيحول حتما دون التوصل لذلك.

وبغض النظر عما ستسفر عنه الانتخابات الاسرائيلية في 28 يناير/ كانون الثاني الجاري، فإن الضغط الشعبي سيستمر من اجل تشكيل حكومة وحدة وطنية. وهو ما لا يرفضة شارون لكنه قد يتعرض للضغط من نتنياهو لفرض شروط قاسية على حزب العمل فيما يتعلق بالفلسطينيين بينما يؤكد زعيم هذا الأخير أنه لم ينضم إلى ائتلافية ما لم يتعهد شارون باستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني من دون قيد أو شرط والانسحاب من الأراضي الفلسطينية بعد سنة.

يشار أن واشنطن تسعى جاهدة لعدم التدخل في الانتخابات الاسرائيلية وان كانت الادارة تفضل شارون صراحة ويقول الكاتب ويليام سفير في «نيويورك تايمز»: إن الجواء السائدة في البيت الأبيض تشير إلى ان الادارة الاميركية تريد شارون الآن ونتنياهو لاحقا. والواضح أن الحديث عن خريطة مؤجل إلى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية وان كان الاوروبيون يعتقدون ان تقديمها الآن يساعد في حشد الدعم لأي عمل عسكري ضد العراق. لكن شارون يؤكد انه لن يقبل بها ما دام عرفات يجلس في الجانب الآخر من طاولة المفاوضات.

ويقول مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني دنيس روس ان على القادة العرب القيام بدورهم في تحقيق الاهداف الاستراتيجية بخريطة الطريق ويضيف في مقال له في «لوس انجليس تايمز» ان الفلسطينيين والاسرائيليين على حد سواء يعتقدون ان السلام لا يمكن تحقيقه ما دام عرفات في السلطة. لكنه يرصد ثلاث ثغرات في خريطة الطريق أولها الالتزام بالاهداف الفلسطينية الاستراتيجية أي انهاء الاحتلال وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية واغفال الاهداف الاسرائيلية في المقابل لأن ما تحتاجه «اسرائيل» لا يكمن في وقف اطلاق النار فقط بل في تخلي الفلسطينيين عن العنف نهائيا. ثانيا، غياب إية إشارة فيها لمسئولية الدول العربية التي يرى أن في مقدورها مثلا أن تمارس ضغوطها في سبيل استحداث منصب رئيس وزراء فلسطيني. ثالثا، وجود عدة نقاط غامضة تسمح لكل طرف بمن فيهم اعضاء اللجنة الرباعية بتحديد التزامات كل جانب بما يخدم مصالحه.

ويرى محللون من مؤسسة العمل أجل السلام في الشرق الأوسط المقربة من الفلسطينيين أن خريطة الطريق ليست سوى مبادرة جوفاء تشبه خطتي تينيت وميتشيل. ويعتبرونها مجرد محاولة لتليين موقف معارضي اي عمل عسكري ضد العراق. وتقول المؤسسة ان الشلل الدبلوماسي والتغيرات الدراماتيكية التي جاءت لصالح المستوطنين هيمنت على المشهد السياسي الاسرائيلي - الفلسطيني وان اللجنة الرباعية اضاعت فرصة ثمينة للتركيز على جوهر الصراع وهو النزاع على الأرض. ويلاحظ أن خريطة الطريق تبارك بشكل مبطن وجود 200 مستوطنة يكسنها حوالي 400 ألف إسرائيلي وان كانت تؤكد على ضرورة تجميد سياسة الاستيطان.

وفي «واشنطن بوست» ظهر رأي مؤيد لخريطة الطريق، إذ ناشد السيناتور جوبيدن والسيناتور تشاك هانجل اللذان عادا لتوهما من الشرق الأوسط، الادارة الاميركية بدعم المشروع علنا وعدم الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية لاطلاقها. واعتبر أنه يعزز موقف الاصلاحيين الفلسطينيين ويشجع المعتدلين العرب. ويطمئن العالم العربي إلى أن واشنطن ما تزال متمسكة بحرصها على تسوية الصراع الفسطيني الاسرائيلي على رغم انشغالها بالمسألة العراقية.

ويدافع آموس هاريل في «هآرتس» عن السياسة الاسرائيلية خصوصا فيما يتعلق بالهجمات التي يشنها الجيش الاسرائيلي ويقول ان تهديمة لـ 78 منزلا في الشهور الأخيرة شكل رادعا فعالا للأعمال الارهابية. وقال ان مدينة نابلس المعروفة بايوائها أكبر عدد من المطلوبين لم تتمكن من ارسال ارهابي واحد إلى «إسرائيل» لمد شهر وذلك بسبب مرابطة كتيبة المظليين فيها وفرض نظام التجول عليها، لكن عناوين الصحف في الأسبوع الماضي نسفت تحليل هاريل عندما نقلت وكالات الأنباء خبر هجوم مقاتل من منظمة الجهاد الاسلامي على مدرسة دينية يهودية في مستوطنة «أوتفيل» في الضفة الغربية إذ تبين أن المهاجم خرج من نابلس. لذلك يبدو ان الهدوء النسبي الذي يسود المنطقة يعود إلى رغبة الفلسطينيين عدم دفع الشعب الاسرائيلي باتجاه اليمين قبيل الانتخابات الاسرائيلية. فـ «إسرائيل» يمينية بما يكفي لاثارة قلق بعض المعلقين الاسرائيليين مثل عكيفا إلدار الذي كتب في «هآرتس» قائلا إن «إسرائيل» لديها وزير خارجية يرفض رئيس الوزراء البريطاني استقباله فيما يفتح أبوابه للرئيس السوري بشار الأسد، ويعلن استعداده لاستقبال رئيس حزب العمل عمرام ميتسناع. ويضيف إلدار ان اصابة احد موظفي الأمم المتحدة في ا لاراضي الفلسطينية اضافة إلى الهجوم العنيف الذي يشنه وزير الخارجية الاسرائيلي على مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن قد يدفعان الأمم المتحدة لسحب موظفيها من «إسرائيل» كما فعلت من قبل في الصومال وأفغانستان ولا ننسى ان وكالات الأمم المتحدة توزع المؤن على الفلسطينيين وأن الحكومة الاسرائيلية عاجزة عن توفير بعض الخدمات لأطفالها فما بالك باطعام أطفال غزة الذين يعانون أصلا من سوء التغذية، وعندما تنشر الصحف صور أطفال فلسطينيين جياع لن يتمكن بوش ولا مستشار إليوت أبرامز من دعم الحكومة اليمينية.

وقد تناولت «بوسطن غلوب» في عدد 24 ديسمبر موضوع التطرف الاسرائيلي والفلسطيني على حد سواء وأوردت عددا من العبارات المعادية للسامية التي وردت في الاعلام الفلسطيني ا لرسمي. وفي معرض حديثها عن اللهجة التي يستخدمها اليمين الاسرائيلي ذكرت ان حكومة «إسرائيل» طالما أحيت ذكرى وزير السياحة الاسرائيلي الراحل رحبعام زئيفي مع أنه كان يصف الفلسطينيين بالسرطان والقمل. واضافت ان وزارة التربية في «اسرائيل» أوصت كل المدارس بتعليم مساهمات زئيفي في الصهيونية في ذكرى رحليه. وأثارت هذه اللهجة المتطرفة استياء 800 أستاذ جامعي أميركي بينهم كثير من اليهود الذين اصدروا بيانا بعنوان «تحذير عاجل: الحكومة الاسرائيلية ربما تخطط لجرائم ضد الانسانية». ويخشى هؤلاء الأكاديميون ان تقوم حكومة شارون بطرد الفلسطينيين في غمرة الحرب ضد العراق. واشاروا إلى أن الحكومة الحالية تضم احزابا تدافع عن فكرة «الترانسفير» حلا للمشكلة الديمغرافية في «إسرائيل». ونشرت الصحف حديثا تصريحات لأعضاء الكنيست ميشيل كلينز وبيني آلون اللذين اقتراحا تهجير الفلسطينيين بالقوة. كما أن تصاعد التصريحات الديماغوجية العنصرية ضد عرب «اسرائيل» ينم عن خطورة الجرائم التي تخطط لها الحكومة الاسرائيلية.

تقرير «مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية» جامعة الكويت

العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً