لا شك في ان «الأمن» هو احد المرتكزات الاساسية للمجتمعات الانسانية الناهضة والراغبة في بناء «صرح» حضاري يتمتع في ظله الأفراد بحق العيش بسلام وحرية من دون ان تتعرض حقوقهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية للانتهاك.
الامن «مفردة» غير مرتبطة فقط بكيان الدولة بقدر ارتباطها بكيان الافراد والمجتمع يشترك في صوغها «العقل الجمعي» لمؤسسات المجتمع المدني من دون أن تتعارض الادوار والمهمات كيلا يتم استغلالها لـ «فرض» مفهوم للأمن يتناقض وحقوق الأفراد والتوجه الديمقراطي الذي عادة ما يتميز به المجتمع السليم والحر.
والملاحظ في الآونة الأخيرة بروز «اصوات» داخل البحرين تطالب بعودة «الأمن» بمفهومه الخاطئ والقمعي المنافي للتوجهات السامية لجلالة الملك الداعية إلى تعزيز الديمقراطية ونشر مفاهيم حقوق الانسان وحرية التعبير... تلك الاصوات تنادي بإطلاق يد «الداخلية» وعناصرها الأمنية لممارسة سياسة «فرض» الهيبة والقيام بالدور الأمني القائم على «اشاعة» الرعب والهلع في نفوس المواطنين.
ومع انتشار ظاهرة السرقات وتكرارها واحتلال أخبارها «مساحة» بارزة على صفحات الصحف... والظهور الملفت لـ «كتابات» ذات لون واحد وفي نسق معين تحمل «خطابا» امنيا موحدا داعيا الحكومة واجهزتها الامنية والبوليسية إلى ممارسة دور اشبة بقانون امن الدولة السيئ الصيت تحت شعار «الديمقراطية» و«الاصلاح»، تقف قوات الشرطة عاجزة عن فعل شيء ازاء الجريمة المنظمة واحيانا كثيرة تتباطأ في التحرك للحضور إلى موقع الحدث ومسرح الجريمة تاركة للجناة التصرف بحرية والهروب من دون ان تتمكن أو تتقدم لإلقاء القبض عليهم، وإن تم القبض على البعض خرج بـ «كفالة» وبطريقة مثيرة للاستغراب.
والواضح ان البلاد تتمتع اليوم سياسيا باستقرار قل نظيره في تاريخ البحرين السياسي وان «الأمن السياسي» الذي افرزه عهد الإصلاح وأتى بجهود وتضحيات ابناء الوطن وتمسكت بتطبيقه الجمعيات السياسية المختلفة واطيافها المتباينة على تجمعاتها وفعالياتها السياسية هو الأمر اللازم استمراره والمحافظة عليه.
وفيما يستمر الضرب على وتر الأمن و«الانضباط الامني»... هذا الهاجس الذي يحاول البعض تصويره بأنه يشغل بال «المواطنين» وهو في الحقيقة يشغل أكثر بال «جهات» متضررة من «عهد الإصلاح» والتوجه الديمقراطي، تتوجه الانظار نحو وزارة الداخلية والاجهزة الأمنية التي تقع على عاتقها مسئولية حفظ الامن الاجتماعي و«الاقتصادي» بالبلاد من دون الحاجة إلى العودة إلى قانون «امن الدولة» او تفعيل دور «القمع» الماضي الذي اضر بالبلاد والعباد وأدخل البحرين في عنق الزجاجة وبالكاد خرجت منه بعد مبادرة «الاصلاح» والانفتاح السياسي.
ففي السابق كانت «عناصر» الامن والشرطة تنشر «الفزع» والرعب في المجتمع بناء على توجهات أمنية خاطئة تسيرها «عقليات» رجال لم يستوعبوا معنى الديمقراطية ولم تحلُ لهم مشاهدة «مجتمع» يسوده حكم القانون القائم على احترام ارادة الفرد وحريته في التعبير، بل كان «همّ» عناصر الامن سلب المواطنين امنهم وسلامتهم. وظاهرة «فليفل» العقيد الجلاد، هي خير شاهد وإحدى اهم «ظواهر» الانفلات الامني وعدم الانضباط التي سادت «الحقبة الماضية». تلك الظاهرة التي كشفت للمجتمع الدولي ولشعب البحرين مدى البشاعة التي تميزت بها تصرفات الكثير من المنتهكين لحرمة «حقوق الانسان» و«أمنه السياسي».
إن محاولة البعض ربط نشاطات الجمعيات السياسية بحالات «الانفلات الامني» المنتشرة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي والتي تمارس من قبل جهات محترفة ومشبوهة لهي محاولة رخيصة تستهدف «الاصلاح» و«الديمقراطية» وتعمل على خلق «مناخ» يوفر للمتهمين بجرائم ضد الانسانية وبعض الجلادين في العهد السابق العودة إلى «النجومية» من جديد في قمع الحريات والانتقام من الضحايا مجددا.
إن هناك جهات تحاول فعلا جعل رجل الامن (الطوفة الهبيطة) ولكن للسراق والمجرمين والمحترفين وهذا ما يرفضه المجتمع ولن يقبل به احد من المواطنين ومن الجمعيات السياسية وقادة البلد. ومعالجة هذا الامر لا تتأتي إلا عبر الاحتفاظ بمكتسبات العهد الجديد والسعي نحو تطويرها من دون الحاجة إلى العودة إلى اساليب قانون «امن الدولة» الماضي البغيض والتصرف بحكمة واتزان في مواجهة بعض الظواهر الاجتماعية والاخلاقية الشاذة
العدد 118 - الأربعاء 01 يناير 2003م الموافق 27 شوال 1423هـ