عشنا فترات من الفلتان الأمني، مبعثه الأجهزة التي كانت ممسكة بمقدّرات البلاد في حقبة قانون أمن الدولة المقبور، وها نحن نعيش فترة من الفلتان الأمني بسبب استجمام الأجهزة الأمنية وقيلولتها التي حطمت رقما قياسيا، في ظل عربدة شذاذ الآفاق والفاشلين ومغتصبي عرق الناس، مجموعة اللصوص التي ظلت تسرح وتمرح وبثقة عالية وضمير تم وضعه في ثلاجة الموتى، وهي تقتحم البيوتات وتسطو على أرزاق الناس واحلامها، محولة اياها إلى ركام وكوابيس.
هل هو الانفتاح الاعلامي من كشف عن هذه الممارسة التي باتت يومية والتي ستتجاوز احصاءاتها الاحصاءات التي توافينا بها الادارة العامة للمرور والترخيص فيما يتعلق بحوادث السير والدوس وتجاوز اشارات المرور؟.
ألم تكن مثل هذه الممارسات حاضرة وربما بشكل أكثر هولا وفظاعة ابان مصادرة الحريات والتعتيم الاعلامي البغيض؟
ولكن ما الذي استجد؟ ما نفع الشفافية الاعلامية والكشف المستمر عن هذه الممارسات في ظل تقاعس بات ملحوظا ولا يحتاج إلى اعمال فكر أو ذهن لمعرفة حقيقته؟. وهناك من يريد أن (يكحل العين) فيغرز المرْود فيها ليعميها عبر الخروج بتبريرات تظل في نهاية الأمر في صالح أولئك الشذاذ والمنحرفين ومنعدمي الضمير من اللصوص بتبرير فعلتهم وإرجاعها إلى حالات من البطالة يعانونها ما يدفعهم إلى اقتحام البيوت الآمنة ومصادرة أرزاق تحت جنح الظلام، لا بل تحت ضوء النهار، في تحد علني للإرادات واستمراء للحرام، فيما أجهزتنا الأمنية التي لم تعدم وسيلة في السابق لحبك وافتعال المؤامرات واختلاق التنظيمات، تريد أن تقنعنا الآن بأنها تبذل ما في وسعها لطمأنة الناس وارجاع حقوقها اليهم ووضع حد لهذا الفلتان والرعب الذي طال الكبار قبل الصغار.
وقراءة سريعة للبيانات التي تطالعنا بها الجهات المعنية، تكشف عن أن البيانات تلك معدة من قبل أن تهيج الصحافة والناس وسخطها وملاحقتها لسرقة هنا وسطو هناك، بيانات معلبة وجاهزة لا تكشف فقط عن عدم استيعابها بعد لمرحلة الاصلاح والشفافية، وانما تكشف عن محاولة لابتزاز الناس للمطالبة بالقبضة الأمنية المقبورة في صورتها المتجاوزة والبشعة، وما حدث في شارع المعارض من مواقف فرجة من قبل الأجهزة الأمنية، من دون أن ننسى ما حدث للزميلة الصحافية من قبل أحد (رعاة البقر) في منطقة الجفير، يشفع لنا في الرؤية التي نحن بصددها.
إلى متى سيستمر هذا المسلسل المفزع؟... ما الذي نرجوه من جهاز أمني يشكل الأجانب فيه ممن لا يميزون بين حروف (الذال) و(الزين) و(الألف) و(العين) نسبة كبيرة مؤتمنة على أعراض الناس وأمنهم وأرزاقهم وأحلامهم وحتى تخفيف كوابيسهم؟ وما حدث هو صبٌّ للزيت على نار كوابيسهم التي باتت ترى على بعد أميال من شواطئ المملكة.
تم القبض على عدة أشخاص فتم تجنيد الجهاز الاعلامي بفضل هذا (الانجاز) عبر بيان وزع على الصحف المحلية... كل ذلك لا يخفف من وطأة الرعب والخوف وخصوصا ان حوادث السرقات تجاوزت عشرات الحوادث في أقل من شهر(ذلك ما تم الكشف عنه من قبل الصحف... قبل الأجهزة الأمنية) لأن الناس ما عادت توفر ثقة بعد التقاعس الملحوظ- ولن نقول المتعمد، والعجز عن وضع حد لهذه الهستيريا التي انتابت أولئك المنحرفين - فلجأت وكلها أمل وثقة إلى الصحف التي ترى أنها تمثل صوتها وتملك جرأة ملاحقة ملفات ظلت ضمن خانة (سري للغاية)!.
هل نحن إزاء موقف أمني مفتعل ويراد له أن يظل هكذا عائما غائما؟. نرجو أن نكون على خطأ، ولكن الرجاء وحده لا يحل من تشابك الموقف وأزمته شيئا ما لم تعد الحكومة النظر في تركيبة وهيكل الجهاز الأمني الذي من المفترض أن يكون حارسا وساهرا على أمن المواطن وطمأنينته، بعد أن بات عاريا أمام وقاحة وانحراف عدد من الشواذ والعاطلين عن الضمير
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 118 - الأربعاء 01 يناير 2003م الموافق 27 شوال 1423هـ